الأنباط -
بلا أدنى شك ، فإن فجر السابع من أكتوبر كان استثنائيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، بل كان زلزالا زاد عن مستوى الثماني درجات على مقياس ريختر ، لم يدر بخلد اعتى المحللين السياسيين والعسكريين أن قوة من حماس قوامها ألف مقاتل تستطيع في بضع ساعات أن تقتحم كل تحصينات العدو وكل إستعداداته الأمنية والاستخبارية وتدمر فرقة غلاف غزة وتقتل العشرات وتأسر المئات وتعود بهم إلى القطاع تاركة جرحا غائرا في صورة الجيش الذي لا يقهر .
قيادة حماس كانت تدرك جيدا انها لو لم تقم بهذه الخطوة الاستباقية، فربما فعلتها إسرائيل بعد وقت قصير ، فالقطاع المحاصر منذ ما يقارب السبعة عشر عاما يعاني من حصار خانق وظروف معيشية صعبة جدا، بل إن الكيان الصهيوني قد حوله إلى أكبر سجن بشري مفتوح بالعالم . نعم أدركت قيادة حماس أن الاستفزازت الإسرائيلية المتكرره وتكثيف اقتحامات قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى لم تكن عشوائية، بل هي مقدمات لتنفيذ مخطط كبير وخطير ومدمر سينتهي بما يسمى بالتقسيم الزماني والمكاني للأقصى
ثم البدء بمخطط التهجير لسكان القطاع والضفة.
المقاومة بهذه الضربة الاستباقية المباغته، خلطت الاوراق وغيرت قواعد اللعبة السياسية واعادت الزخم الضروري والمطلوب للقضية الفلسطينية من خلال رفع منسوب الوعي العربي والتعاطف الدولي، وبالمقابل فإن جيش الاحتلال الذي اصابته حماس في مقتل وشوهت صورته في اذهان الإسرائيليين أولا ثم في اذهان العالم ثانيا، كشف عن وجهه القبيح في إستهداف غير مسبوق لأهداف مدنية في القطاع بدعم وغطاء سياسي وعسكري غير محدود من الإدارة الامريكية والمعسكر الغربي عموما.
لم يشهد التاريخ المعاصر هذا الحجم الهائل والوحشي من القصف العشوائي ضد الأهداف المدنية(مستشفيات، مدارس، تجمعات سكنية، دور عباده )، وهذا الحجم الكبير من اعداد الشهداء والجرحى، إن ما جرى ويجري يمكن تسميته بمجزرة العصر، بل إنه إباده جماعية ومذبحة لا يمكن القفز فوقها ولا يمكن تصورها وقبولها.
الإدارة الأمريكية التي بادرت إلى إظهار دعمها غير المسبوق لجرائم الاحتلال عبر زيارة سريعه لوزير
خارجيتها والذي قال فور وصوله إلى تل أبيب " أنه يزور إسرائيل بصفته يهوديا قبل أن يكون وزيرا لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية " وهذا النوع من التصريحات غريب ومستهجن بالاعراف الدبلوماسية، ثم كانت زيارة الرئيس بايدن وإظهار دعمه الصريح والعلني لحكومة الاحتلال، أقول أن هذه الإدارة شريكة وضالعه بمخطط ضرب المقاومة الفلسطينية وضالعة بمخطط إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني، وبما يضمن لها الهيمنه والسيطرة على ثروات المنطقة وخصوصا في مجال النفط والغاز ، وظهر هذا التهديد باوضح صوره بسرعة إرسال حاملتي طائرات ومدمرات وبوارج، جنبا إلى جنب مع الحشود العسكرية الغربية.
أما الموقف العربي، فينطبق عليه مقولة " القوم بالسر غير القوم بالعلن "فما يطفو على السطح من مواقف خجولة ينبىء أن أغلب الدول العربية المؤثرة متوافقة ضمنيا مع المخطط الأمريكي الهادف إلى تصفية حماس وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وفق الرؤية الأمريكية- الإسرائيلية ! وباستثناء الموقف الأردني الواضح والرافض لهذا العدوان والمنطلق من وعي
وادراك عميقين بأن الحلول المقترحة ستكون بالنهاية على حساب الأردن كوطن بديل، فإن بقية العرب قد اكتفوا بالشجب والاستنكار والادانة والشعور بالقلق العميق !!
الكل بات على قناعة بأن وضع المنطقة قبل السابع من أكتوبر لن يكون نفسه بعد السابع من أكتوبر ، وأن غزة والمقاومة دفعت ضريبة الدم نيابة عن الأمة، وستكون هناك جردة حساب قاسية سواءا داخل المجتمع الإسرائيلي ومؤسساته الأمنية والعسكرية أو على مجمل الأنظمة العربية والاقليمية بالمنطقة ! وسيكتب التاريخ بكل مفاصل وتفاصيل هذه الملحمة البطولية، والتي إما ستكون بداية النهضة والتحرر والانعتاق أو بداية الرضوخ لشرق أوسط جديد لا مكان فيه للعرب !!!
م.خالد خليفات