مقالات مختارة

بعد نجاح غارة الفجر: هل هي معركة بيروت 82؟ وهل سنخسر بسبب عدم انخراطنا في المعركة أم بسبب عدم انخراط الآخرين فيها؟

{clean_title}
الأنباط -
بعد نجاح غارة الفجر: هل هي معركة بيروت 82؟ وهل سنخسر بسبب عدم انخراطنا في المعركة أم بسبب عدم انخراط الآخرين فيها؟
 
عندما يستعصي وضع سياسي ما فإن ذلك يتطلب استمرار السياسة بوسائل عسكرية، لتدور عجلة السياسة من جديد. وفي هذا السياق ينبغي فهم حديث نتنياهو عن تغيير وجه الشرق الأوسط، فهو حديث جدي، يستند على تجارب سابقة، وليس حديث اعلامي أو انتقامي. 

سبق أن تغير وجه الشرق الاوسط بعدما نجح الكيان في تحويل الهزيمة إلى نصر عام 1973 وفاز باتفاقية كامب ديفيد عام 1979. وسبق أن تغير وجه الشرق الأوسط عندما تم اخراج منظمة التحرير وقواتها من لبنان عام 1982، وفاز باتفاقية اوسلو عام 1993 ومن ثم وادي عربة عام 1994. وسبق أن تغير وجه الشرق الاوسط بعد قمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2004 وشن عدة حروب على غزة في الأعوام 2008 و 2012 و 2014  وتحويل السلطة لممارسة دور وكيل أمني للاحتلال، وفاز  بصفقة القرن واتفاقات ابراهام عام 2020. 

واليوم يريد الكيان فرض تنفيذ بنود صفقة القرن التي لا يقف أمام تنفيذها إلا غزة والمقاومة في غزة. فمصادرة 60% من أراضي الضفة مستمر، والاستيطان يتوسع،  ومحاصرة القدس وتهجير أهلها مستمر، وتقسيم الأقصى قائم. والسلطة ماضية في حلم حل الدولتين بعدما هجره العالم، والدول العربية وآخرها المملكة العربية السعودية ماضية في مسيرة التطبيع، والمجتمع الدولي لا يعير اهتماما للقضية الفلسطينية. وبالتالي ستتقدم الآلة العسكرية لفرض ما توقفت عنده السياسة. 

هل هناك عقبات أمام المضي في ذلك؟ بالتأكيد، فالمسألة ليست سهلة، لكن العمل على تذليلها مستمر. ويرى الكيان أن الفرصة مؤاتية دوليا، ويرى أن الذريعة فد توفرت، بعد أن تم كسر صورة جيشه يوم 7 اكتوبر  2023  وتمريغ أنفه بالتراب. 

يعي ساسة الكيان أنه لا يمكن ولا يقبلون استمرار حالة الكماشة المطبقة على الكيان بين فكي حزب الله في الشمال وحركة حماس والجهاد في الجنوب، ويفضلون التخلص من الجبهتين معا، وإن عجزوا فمن الجبهة الجنوبية أولا، جبهة غزة. 

يسعى الكيان لإعادة التاريخ بحذافيره، بمحاولة إخراج حماس وكل قوى المقاومة من غزة كما أخرج قوات منظمة التحرير من بيروت عام 1982، بعدما رضخت القيادة الفلسطينية للواقع، متمثلا في عدم وصول النجدة " الفزعة" العربية، ومتمثلا بحجم الدمار  وحجم الخسائر البشرية، وبالاستجابة لطلبات اللبنانيين (الحاضنة الشعبية)، وضغوطات العرب الرسميين، ونصائح الحلفاء الدوليين ووسطاء الخداع، ما أدى الى خروج المنظمة وقواتها من بيروت. كما يسعى للتخلص من غزة، وعبء غزة، وترحيل ذلك إلى مصر وفق سيناريوهات متعددة، وبتمويل عربي حسب صفقة القرن، إن أمكنه ذلك. 

فهل نحن أمام سيناريو مختلف عن سيناريو بيروت 1982 او عن سيناريو تحويل الهزيمة الى نصر عام 1973؟ القراءة المتعجلة قد ترى في أوجه التشابه الكثيرة نتيجة محتومة وهي الهزيمة في غزة عام 2023 كما حصل في بيروت عام 1982. لكن قراءة أخرى، يمكن أن تلحظ ما يلي: 
 
أولا: إن الهجرة واللجوء (الهدف والمعنى الحقيقي لشرق  اوسط جديد) باتت مسألة غير واردة في العقل والروح الفلسطينية، وهي التي تستند إلى تجارب لجوء شديدة المرارة، بدءا من الخيمة وسقف الزينكو و صولا إلى المعاناة المستدامة لحياة اللاجئين. 

ثانيا: إن محاولة تدمير حماس تشبه محاولة تدمير حزب الله عام 2006 التي فشلت فشلا ذريعا. إن قوة وطنية تقاتل على أرضها يستحيل تدميرها إذا تمسك بها أعضاؤها وحاضنتها الشعبية، وحماس (ومن قبلها حزب الله) تحظى بهاتين. 

ثالثا: إن حماس ليست جماعات مرتزقة جرى تجميعها والزج بها في معارك في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، ثم تم ترحيلها بالباصات إلى أماكن "استيداع" أخرى وتحت الطلب. كما أن حماس ليست في وضعية قوات منظمة التحرير التي قاتلت خارج فلسطين، واضطرت في النهاية للتعاطي مع رغبات أهل الأرض عندما وجه الكيان ضرباته الوحشية لهم ولمدنهم وقراهم، واضطرت للرضوخ في النهاية لطلبات الحاضنة الشعبية العربية. 

رابعا وهو الأهم: إن المعركة تخاض على أرض فلسطين وليس على أرض غيرها، وهذا هو السياق الطبيعي لعملية التحرير، والتحرير الكامل. وهذا السياق يزيد من القدرة على التجنيد بين الفلسطينيين، في الضفة وأراضي 1948 وفي الشتات، ويزيد من التحشيد الشعبي العربي، ويزيد من التأييد الدولي من قبل شعوب العالم. كما أنه يحرم الكيان من تحويل التأييد والدعم الشعبي العربي إلى عامل ضاغط على الفلسطينيين، كلما قام الكيان بضرب الحواضن الشعبية العربية (كما حصل في لبنان)، في ظل وجود حكومات عربية غير منخرطة في النضال. 

إن ثبات شعبنا والمقاومة في غزة، وتوسيع دائرة النضال إلى الضفة وأراضي 1948 هو الضمان الوحيد لتحقيق النصر. إن مقتل الصمود الفلسطيني حتى الآن سيأتي من داخلهم، عبر عدم الانخراط في المعركة في الضفة وأراضي 1948، وليس بسبب عدم انخراط الآخرين خارج فلسطين. ولا ينبغي تجاهل دورنا وترحيل المسألة وتحميلها على أطراف أخرى، وإلقاء اللوم عليهم بينما نحن غير منخرطين في المعركة إلى جانب شعبنا ومقاومتنا في غزة.   

لذلك ينبغي عدم انتظار فتح جبهة شمالية يحكمها حسابات وتوازنات بين دول كثيرة في الجوار والاقليم والعالم، وجميعهم يسعون الى تجنبها. بل يمكن القول إن فتح جبهة شمالية، رغم ما له من أثر كبير آني، سيكون مثبطا ومبعثرا للانجازات على المدى الأبعد. النصر سيتأتى من انخراط الضفة أولا في المعركة والاراضي المحتلة عام 1948. 

أما تعريف النصر الفلسطيني في هذه المرحلة فينبغي عدم المبالغة فيه بشكل غير واقعي (فلن نحرر فلسطين الآن) وينبغي فهمه على أنه افشال مخططات الكيان في التهجير والترحيل من غزة، ونجاة المقاومة فيها من التصفية، ووقف قطار التطبيع العربي، والبناء الاستراتيجي على نصر 7 اكتوبر. 

وائل ملالحه 
باحث
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )