مقالات مختارة

خطأ الفرد وخطأ الجميع...

{clean_title}
الأنباط - إبراهيم أبو حويله ...

تريد أن تعتمد على ضمير البشر، الذين تقول عنهم بأنهم مفسدون في الأرض؟

قلت نعم !!!

لقد عاشت الإنسانية أزمنة عمّ فيها العدل والرخاء والحرية.

وعرف الإنسان ما له وما عليه، وإلتزم بأوامر خالقه، ولكنها كانت مراحل محدودة من حياة البشر، هل هذه فقط هي المرحلة التي إستطاع فيها الإنسان النجاح على هذه الأرض.

وبعدها وقبلها كان في حالة فشل، وإلى متى يجب أن نستمر في البحث عن هذه العدالة في الأرض، ومن الممكن أن تفنى حياته وهو يسعى لإصلاحها أو إصلاح ما حوله، نعم يجب أن يحاول، ونعم هو خلق ليجرب ويحاول ويصيب ويخطىء، وكل هذا جزء من كيانه، هي الطبيعة التي هو عليها، ترفض الإنقياد بسهولة.

هو يجرب ويحاول ويخطو تلك الخطوة وكل ذلك يبدو جزء من طبيعته، ولكن عليه أن يفرق بين خطأ يساهم في هدم المجتمع، وخطأ يتعلق به هو فقط، ولكل مرحلة من هذه المراحل علاج، وليس هناك علاج بدون تحمل النتائج طبعا فالاخطاء الفردية تؤثر عليه وعلى المجتمع المحيط به، لكن في جزئية محدودة وعندما يكون الخطأ لا يترتب عليه نتائج خارج نطاق الإنسان نفسه، بمعنى أن هذا الخطأ لا يصل خطره أو أثره إلى المجتمع، أما إذا كان هناك نتائج أو أثار تمس المجتمع، فلا بد من معالجة هذه النتائج ، فلا يصح أن تسرق ثم تتوب، أو تقتل ثم تتوب، أو تغش ثم تتوب، هذه لها متعلقات لا بد من إصلاح هذه المتعلقات وبعد ذلك يستقيم حال المجتمع .

قال صديقي تلك الأخطاء التي لا تمس المجتمع وتلك الأخطاء التي تمس المجتمع، كم نعلق في التفصيل وفي تفاصيل التفصيل.

قلت نعم يبدو أن الأمر كذلك، تلك الأخطاء التي تمس المجتمع لا بد من أصلاحها، وأن يتحمل المرء التبعة الواقعة عليه بسبب خطئه وتلك الأخطاء التي لا تمس أحد، ولكن أثرها يقع على النفس تلك من السهل أصلاحها ، ومن الممكن أن تسبب له مشاكل لا يمكن معها إستمراره في الحياة بشكل طبيعي اذا كثرت اخطاؤه، أو تصبح حياته مثقلة بشكل كبير عندها تتأثر نفسه وفكره وعمله ويقع في سوء أعماله .

قال عندما تتركم الأخطاء الفردية، يصبح الحمل صعبا، وقد يؤثر على هذا الإنسان بشكل ما ويصرفه عن حياته الطبيعية صحيح، خذ الخمر مثلا ماذا تفعل بالمجتمعات الغربية اليوم، مع أن أثرها من الممكن ان يكون على الفرد ولا يتعداه أذا هو إلتزم بالقوانين، التي تحدد مكان وزمان وطريقة إستخدامها، ولكن من السهل أن يغرق الإنسان الفرد في إدمانها تماما كما هو من السهل إدمان الأخطاء الفردية الأخرى، وعندما ينتشر إدمانها تصبح لعنة عليه وعلى المجتمع .

قلت نعم ولذلك حاول المسؤلون في اكثر من بلد غربي سنّ قوانين تحد من شربها أو حتى تمنعها، ولم يستطيعوا وما ذلك إلا لأنهم لمسوا الأثر الكبير لها على المجتمع والفرد .

قال تريد نظام يعامل الإنسان بإنسانيته، ويعطيه ذلك الهامش الذي يحتاجه بحكم بشريته، ولكنه يبقي الثواب والعقاب هناك في مكان ظاهر يخشاه الجميع .

قلت نعم بدون مراعاة إنسانية الإنسان وقدراته وأن هذه القدرات محدودة ونسبية، ويجب أن يتم بناء النظام عليها وليس العكس، ويعطيه ذلك المجال الذي يحتاجه، سواء من حيث هامش الحرية أو من حيث التجربة، بدون المساس طبعا بحياة الأخرين وحرياتهم .

قال نسبية الصلاح والعدالة والأخلاق، كل شيء في هذا الإنسان نسبي نعم كما قلت لا قانون له، بل هي نسبية تسعى لأن تكون قانونا، يحاول هذا القانون أن يضبط تصرفات البشر بين أفعل ولا تفعل، وبين أمر من الممكن أن تصلحه وبين أمر لا يمكن أن تصلحه، عندها يدرك الإنسان ذلك الخط الفاصل بين خطأ كخطأ الإنسان الأول لا يمكن إصلاحه، وبين خطأ من الممكن الإصلاح بعده، يدرك تماما حدوده بين أخطاء لا تحتمل النسبية، وأخطاء تحتمل النسبية ويتساهل معها المجتمع، في سبيل الوصول إلى إنسانية مقبولة، وستبقى الامور نسبية .

قلت نعم إني أعلم بأنها نسبية ولكنها بشكل عام نسبية عامة، يجب أن يكون هناك قانون، ويجب أن يكون مع ذلك القانون منهج منضبط وأكثر وضوحاً، حتى يستطيع الجميع التعامل معه وفهمه وتطبيقه، وإلا بقيت الأمور نظرية وبلا إمكانية لتطبيقها، وكل الثقافات تدعيها للإسف وتدعي أنها تمارسها، ولكنها في الحقيقة تتجنبها وكل فئة تسعى في حقيقة الأمر لمكاسبها الذاتية والفردية على حساب الفئات الأخرى، وخذ ما حدث مع التشيع مثلا حيث كانت القضية في البداية مجرد شعور عام من التعاطف مع آل البيت والإحتفاء بهم وتعظيم الإيام التي مرت بهم ، وهي أيام قاسية ولكن عنف المقابل وبالأخص الحنابلة والذين بدورهم عانوا من المعتزلة في فتنة خلق القرآن ، وهؤلاء كان لهم صلة كبيرة بالشيعة، فهي قسوة ولدت قسوة ، وعنف ولد عنفا وإنفصالا ، ولذلك نقول دائما بأنه عندما يكون هامش التسامح واسع والحريات مقدرة ومحترمة يتطور المجتمع وينضج ، وتكون الأفكار والمشاعر فيه موجه توجيه سليما وصحيا.

إذا عنف المعتزلة ولد عنفا عند الحنابله ، وعنف الحنابلة ولد عنفا عند الشيعة، وكل هذا ساهم في خلق هذا الشرخ وتمسك كل جماعة بما لديها وتعظيمه وزيادته، وهكذا ستبقى للفكرة قدسيتها ومكانتها وهي دين في نظر أصحابها.

وهنا خرجت الفكرة من نطاق الفكرة إلى نطاق الشعور وبعدها إلى القدسية والإيمان بها، وتصنيف الناس على أساسها مع أنه حين بدأت كان هناك خلط واضح فيمن يتبناها، وكما أشار الباحثون في هذا الموضوع أنه كان من الحنابلة من يحمل فكر التشيع بنسخته الأولى، ولكن بعد أن أصبحت الفكرة دينا يصنف الناس على أساسه، ووضعت له قيود وقواعد، خرجت علينا تلك النسخ التي نراها اليوم بأشكالها المختلفة وأصبحت ملل ونحل.

ونادراً ما تكون هذه الأفكار التي أصبحت عقائد خاطئة بنظر أصحابها، ولكن مشكلة البشر هي في الأغلب عندما يبدؤون التصنيف والتطبيق على اساس هذا التصنيف، وسيتضح لاحقا أن المشكلة كانت في الحقيقة بكل هذه المناهج التي إنحرفت عن أصلها أو ساهم البشر في وضعها، أو حاول البشر تعديلها، إلا واحد فقط هو ذلك الذي وضعه رب البشر ولم يمسه تحريف أو تعديل، فهو القادر على أن يحقق المعادلة العادلة في حياة البشر، تلك المعادلة التي لا تستطيع كل هذه المناهج البشرية القيام به .

قال لم أفهم هذا يا صديقي هذا كثير .

قلت من يأمرك بالصدق، ولا يملك القدرة على متابعتك في كل نواحي حياتك، فالصدق أحيانا يتعارض مع مصالحك، وعندها قد تجد نفسك مضطرا لأن لا تقول الحقيقة، حتى مع إدراكك بأن الصدق هو الصواب، وإن الصدق هو في إلتزام المنهج كما نزل من عند الله، وبأن المجتمع لن يصلح إلا إذا كان الصدق صدقا، وصدق المنهج بعيدا عن قناعات البشر وأفكارهم، ولكن البشر يضعون بصمتهم او قناعتهم ويحرفون المنهج ليوافق أهوائهم أو أفكارهم، مع علمهم بما يقدمون عليه وبأنه كذب صريح على المنهج، وبأن عاقبة الكذب عليه وعلى المجتمع وخيمة، ولكن مع هذا قد يكذب الإنسان في ظروف معينة، مع كل هذا الإدراك، ولكن إذا كان مؤمنا يدرك بأن قوة هناك أعلى قادرة وهي مسيطرة وتملك القدرة على المعاقبة هنا أوهناك في يوم ما.. عندها يعيد حسابه ويضع الصدق في ميزانه خوفا وطمعا، مع أنه يتعارض مع ما يريده أو قد يسبب له أذى ظاهرا .

قال يوم ما يوم الدينونة يوم النهاية يوم يقف البشر كلهم على قدم واحدة للمحاسبة، كثيرون هم من يشك بأن هذا اليوم موجود أصلا .

قلت نعم صحيح تبقى المعضلة الأخلاقية مع كل القناعات والعواقب والخوف والإدراك لضرورة القيام بهذا العمل قائمة سولء بإيمان او غير إيمان ، أن عدم القيام بذلك العمل مرتبطة للأسف بالشخص فقط، إلا إذا كان الإيمان موجودا، عندها تنتقل هذه من مرحلة قناعة وقدرة الفرد إلى مرحلة أخرى أعلى بكثير، بأن هناك قوة قادرة على أحقاق الحق وإعادته إلى أصحابه ولو بعد حين، هنا حتى لو إستطعت أنت كإنسان أن تتفلت من عقاب هذا الموقف والفوز بجائزة الفعل المخالف الذي قمت به فلن تفعل، لأنك تدرك أن الحقوق ستعود إلى أصحابها حتما وبشكل أصعب بكثير من هنا .

قال المناهج والأفكار والديانات والبشر، الإنسان كائن معقد لا تحكمه غريزة واضحة محددة، ولا ينصاع بسهولة للحق، وما أسهل أن ينصاع للباطل، ما أصعب بناء الإنسان وما أسهل التعامل معه من خلال القوة والسلطة .

قلت ربما هذه هي هكذا لأن الحال هكذا، وأحيانا يشترك الإنسان والحيوان في مناطق مشتركة، ولكن كل الأمر هو في حقيقته في بناء ذلك الإنسان، بدون بناء الإنسان المنهج، الإنسان الذي يتشرب المنهج بشكل سليم، وتكون لديه القدرة على معرفة الصواب من الخطا، وعلى أن يتحكم عقله بعواطفه ويوجهها، وعلى أن يكون معظم تصرفاته ولا أقول كل تصرف فيه محكوم بما يمليه عليه ذلك الضمير الإنساني الأسمى تصبح حياتنا صعبة او مستحلية .

فكل إنسان يريد أن يكون الحاكم على هذه الأرض، وبدون ذلك لن تستقيم حياة البشر على هذه الأرض هكذا يعتقد هو، ولكن بدون البوصلة الحقيقة والإنسان صاحب الضمير لن يستقيم الأمر لأحد لا له ولا غيره، وسنكون في غابة يأكل القوي فيها الضعيف، وينتظر ذلك اليوم الذي يأتي فيه من هو أقوى منه ويأكله.

ولإجل ذلك وضع الخالق فينا هذا الشعور الذي يسعى للحق ويشقى بالباطل، الخالق أراد بوضع هذه البوصلة في كل منا، أن يجعل الإنسان يدرك فطرته السليمة التي تجعله يرتاح للصواب ويشقى مع الخطأ، فبدون تفعيل هذه البوصلة لن تصل الإنسانية إلى شاطىء الأمان، وهذه على ما يبدو هي التي حركت الفلاسفة والمفكرين والمصلحين ورجال الدين الذين يسعون لهذه الحقيقة التي أرادها الخالق، وهم في الحقيقة من يشكل تلك الكتلة الحرجة من البشر، الذين يرفضون الظلم والتسلط والسرقة وكل ألوان التجاوز في البشر .

قال تلك الكتلة الحرجة التي تجعل للإنسانية طعم ونكهة ورائحة جميلة، بدونها البشر هم قتلة مؤجورون وسفلة و سارقون وكفرة مارقون، لا تصلح الحياة بهم ولا تصلح معهم .

قلت بدونهم لا تحلو الحياة صحيح، وكم يدفع هؤلاء أثمانا بالغة ثمنا لذلك .

قال وبعدها يأتي بعض رجال دين ويحرف هذه البوصلة من جديد لمطمع أو مغنم، ويزعم بأن هذا الأمر هو دين أو هو أمر من عند الخالق أو بتفويض من الخالق أو بأبوية وحروب صليبية أو بأمامة أو ولاية ، وأن عليهم أن يطيعوه وإلا فالجحيم في إنتظارهم، ويدخل الإنسان من جديد في صراع بين ما يريده رجل الدين وما يمليه عليه ضميره، وبأن ضميره هذا قد يورده جهنم، فيعصي ضميره ويطيع هذا المنحرف وندخل في دوامة لا نخرج منها من جديد .

قلت تلك الشعرة الدقيقة بين الحق والباطل بين ما يريده الله وما يريده رجال الدين والسياسة والمنحرفون من البشر إلا من رحم، ليس فقط رجال الدين بل هناك ساسة وقادة ومعاتيه في هذا الكون، لكن من يحمل الفهم الصائب والفكر الصائب والدين الصائب، لن يسعى للقتل ولا للإحتلال ولا للظلم ولا للإكراه ، وهناك فئة من البشر يسعون لهذا نعم.

وعندها لا بد لتلك الفئة التي تحمل هم البشرية أن تتحرك وتطالب بحماية الحق وإتاحة المجال له ليحكم صوت الخالق والعقل من جديد، ويأخذوا قراراهم بحرية مطلقة بعيدة عن تأثير هؤلاء المنحرفون من البشر، ويسمع صوت الضمير الذي وضعه الخالق فيه هل حقا أريد أن أكون مع هذه الفئة أو مع تلك .
 
قال من حارب الله في أوروبا، حاربه لأن رجال الدين أخطأوا في كل شيء، في العلم والحكم والعبادات والمعتقدات حتى في الزواج والطلاق، ومارسوا السلطة بإسمه، وحكموا الناس بإسمه، ومارسوا العذاب بإسمه، وأكلوا المال بإسمه، وكل هذا الباطل كان يمارس بإسمه .

قلت تماما، ولكن هل كان الخالق مسؤولا عن تصرفاتهم هل برر لهم هذا، هل أعطاهم هذه السلطة هذا الحق، أم هم إغتصابوها ومارسوا كل هذه الرذائل بإسمه، بعد أن حرفوا النصوص وأخرجوها عن معناها، وزادوا فيها ما ليس فيها، والخالق والدين في الأصل بريئون من هذه التهمة .

قال وهل هناك فرق بين السوط والجلاد لمن يقع عليه العذاب، وبين الجلاد والحاكم، وبين الحاكم والقانون، أليسو كلهم سواء في نظر الضحية، هل هذا يعني الكثير عند طفل تم إغتصابه أو أمرأة سلبت حريتها أو رجل فقد حياته في حرب مزعومة بأنها من أجل الله والدين، وهي في الحقيقة إحتلال وسرقة وإغتصاب وعبودية بشر لبشر.

قلت النصوص الآلهية لا تظلم ولا تأمر بالظلم، والأصل عدم إطاعة الظالم في ظلمه وعدم الرضوخ له، حتى لو كان في الظاهر أمر ربانيا، فلو أشعل رجل الدين نارا وأمر الناس أن يدخلوا فيها وأن هذا الحكم من الله وعليهم الطاعه، هل يجب أطاعته؟ طبعا لا، هل عندما يعلن رجل الدين حربا ويزعم بأنها دينية وهو يسعى لمال وأرض وسلطة هل يجب أن نطيعة؟ طبعا لا، والحساب سيكون على القرار ، قرار المشاركة أو عدم المشاركة هو قرارك أنت وأنت من سيحاسب عليه .

قال وهل كل الأوامر بهذا الوضوح يا صديقي، هم يجعلون من الصعوبة بمكان لرجل متوسط الذكاء ذو قدرة محدودة أن يكتشف ألاعيبهم ويعرف زيف قولهم، هم يجعلون الأمر صعبا على من عنده علم، فكيف بمن ليس عنده علم .

قلت صحيح ما تقول، وكم كانوا سببا في هلاك أقوام، وهلاك أموال وبلاد.

قال ستبقى المشكلة القديمة قائمة فنحن ندعي قدسية النص، وكيف نعرف هذا النص غير المحرف من ذلك النص المحرف، إذا كان اصل النص تائه بين من يملك الحقيقة وبين من يدعي أنه يملك الحقيقة، والكل يدعي أن الأصل الذي يملكه هو الحقيقة، البشر مهما كانت قدرتهم لن يصلوا إلى ما تريده من معرفة الصواب من الخطأ، سيبقون تائهين تماما كما قال هيجل بين منهج بسلبيات ومنهج بسلبيات، ولن يستطيعوا الوصول إلى تلك الحقائق القادرة على جمعهم أو على أن يتفقوا على شيء قريب منه.

وكل منهم له مشربه الخاص وطريقته الخاصة وهواه وعلمه وما يريد وما لا يريده، ولا بد أن تؤثر عليه هذه الثقافة بشكل أو بآخر لينحاز إلى جماعته وفكرهم، ولذلك لن يتفقوا.

قلت أظن عدالة الخالق تأبى إلا أن نكون هناك نسخة أصلية من النص الألهي محفوظة هناك في النفوس بشكل ما، وهي وضوحه ولم يتم العبث بها، والأهم كيف من الممكن أن تصل إليها، وكيف من الممكن أن تعيد النفس إلى أصل نشأتها من قبل أن تؤثرعليها بيئتها، لا بد من نسخة هناك حفظت من التحريف والعبث وتكون بطريقة ما واضحة، وإلا ستكون كل النصوص باطلة، وكل النفوس باطلة ولا تحمل إلا باطلا، وتلك النسخة لا بد أنها في مكان لا تصل إليه يد البشر بالتحريف والتصحيف والعبث.

ولكن البشر يصلون إليها إذا أرادوا الوصول إلى الحقيقة، بصرف النظر عمن يدعي أنه يملك الحقيقة، تبقى قدسية النص المطبوعة في النفس هي الفيصل بين من يبحث عن الحقيقة ومن لا يبحث عنها ولكن يبحث عن هوى أو منفعة، ومن يريد أن يحرف النص أو يلوي عنق النص للوصول إلى ما يريد، وهو يعلم بأن ما يفعله ليس هو الحقيقة، ولكنه لا يريد هذه الحقيقة بل يريد أن يتبع هوى أو منفعة.

قال نسخة لم تصل إليها يد البشر تحريفا ولويا وإخراجا عن أصلها، ونسخة وصلت إليها يد البشر، وسنعود إلى نفس السؤال من يملك تلك النسخة .

قلت نحن هنا نراهن على الضمير على الفطرة ، والتي إذا أنصت الإنسان إلى صوتها، فلا بد أن يسمع شيئا يقول له هذا صواب وهذا خاطىء.

قال أتدرك ما تقول .

قلت نعم لأنه في كل مرة أقوم بها بعمل ما، أشعر أن هناك أمر ما في نفسي يقول بأن هذا صائب وهذا خاطىء، في كل مرة أقوم بالأمر الصائب أجد السعادة في الخير وفي كل مرة أقوم بالأمر الخاطىء أجد التعاسة في الشر، في كل مرة أجد هناك فئة من البشر تعيش براحة، مع أنه لا توجد لديهم مقومات هذه الراحة، وأخرين يملكون كل مقومات هذه الراحة ويحيون حياة التعساء .

قال تريد أن تعتمد على ضمير البشر، الذين تقول عنهم بأنهم مفسدون في الأرض.

قلت نعم لأنه يوجد هناك صوت يعلو في نفسه على كل صوت وإن كان هناك منفعة أو هوى، وأريد أن أعتمد على الضمير في البشر نعم، أريد أن أفعل هذا الضمير في البشر، أعيد له صوته الذي خفت مع الزمن، ذلك الصوت الذي تلاشى تحت ضربات كثيرة هنا وهناك، أو لنقل أنه كاد أن يتلاشى، لأن له حرارة تبقى حتى ولو وضعت فوقه كل تلك الطبقات، وبعدها أريد أن يحتكم البشر إلى ضمائرهم، أن يستمعوا إلى هذا الصوت الذي تم تجاهله عبر قرون طويلة، وهناك فرق يا عزيزي، في الحالة الأولى لم نترك للبشر الحرية، لقد جعلناهم جزء من الآلة يحكمهم رجل دين او سياسي بلا ضمير، وفي الثانية نريد من كل أنسان أن يفعل صوت ضميره، وأن يستمع له بحس مرهف وعقل واعي، هل هذا الأمر الذي يصدر هنا مقبول أم لا؟.. فإن كان غير مقبول فلا يفعله.

قال وتريد ان تفّعل ذلك في كل البشر .

قلت نعم ولم لا، إذا كان ذلك الصوت هو صوت واحد ينطق في كل النفوس، وكل البشر لديهم هذا الناموس محفوظ ومطبوع في أنفسهم، يكفي فقط أن نرفع حساسية الإستماع في البشر لهذا الضمير، وعندها يصبح صوته مرتفعا، ويعرف صاحبه الصواب من الخطأ، ويشعرك بضيق عند القيام بأمر مخالف ويشعرك بالراحة عندما تقوم بأمر صواب، ونحن جميعا نملك ذلك الضمير، ولكنه يحتاج إلى قليل من الرعاية حتى يعلو صوته ويكون قادرا على تحرير ذلك الإنسان من كل ما يحيط به، وإن كان ذلك صعبا في كل البشر فيكفي أن نفعله في تلك الكتلة الحرجة التي تقود المجتمع نحو الصواب وتؤثر في سير الجموع من البشر، فالبشر بطبعهم جبلوا على أن يتبعوا إلا تلك القلة التي تفكر وتحاول وتناقش وترفض وهذه القلة هي كالملح كما قال عيسى لأصحابه، يجب أن تصل إلى حد معين حتى نشعر بأن الطعم قد تغير وإلا لن نشعر بهذا التغيير .

قال وهل من السهل تحرير تلك النفس، وإعادتها إلى تلك الحالة التي تتقبل فيها الصواب وترفض الخطأ، وكل تلك الديانات والمناهج لم تعيدها لهذا الذي تريده وتسعى له يا صديقي .

قلت نعم الإنسان يسعى بطبيعته للعدل وللصدق وللمساواة، ويحب الصدق والأمانة والإخلاص، ويكره الغش والخداع والخيانة، ولن يكون مقبولا أن تحاسب أنسان لا يعرف الصواب من الخطأ، لا بد أن تكون النسخة محفوظة فيه بطريقة ما، لأنها الطريق الوحيد للوصول إلى الصواب ورفض الخطا.

مجرد رأي ...

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )