الأنباط -
لم تثنِ النظرة النمطية، مصابا بمتلازمة داون عن إثبات مهاراته في الرياضة والفروسية، لتطلق مبادرة الهدب، يوم أمس، فعاليات إشهاره كأول فارس خيل من متلازمة داون.
الشاب أسامة موسى الصبيحات، البالغ من العمر 18 عاما، والعاشق للرياضة وتعلم ركوب الخيل، قصة نجاح أسرة أخذت على عاتقها أن يعيش ابنها حياة طبيعية، متناسية ثقافة المجتمع ونظرته السلبية تجاه هذه الفئة، والتي تحتاج لرعاية ودعم نفسي، خاصة في ظل تميز بعض مصابيها بالذكاء والاستجابة وتقبل الآخرين.
والد أسامة، موسى الصبيحات، قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) "على الرغم من معرفتنا بحالة ابننا عند الولادة، إلا اننا نذرنا على أنفسنا رعايته وتعليمه، وأن نحتوي عالمه بكل ما فيه، ولم نخفيه عن الناس، ونشأ كأي طفل عادي، ولم نشعر بخجل أو وجل إزاء تأخر نموه العقلي أو البدني، بل كان يشارك في مسابقات كثيرة، ويحصل على المركز الأول فيها، على الرغم من عدم اكتمال نطقه تماما.
وأضاف، عندما شعرنا برغبته في ممارسة أنواع متعددة من الرياضة، أشركناه بعدة فعاليات، كالكشافة ودورات الطهي، حتى التقى بمبادرة الهدب، وجرى تدريبه على الفروسية، داعيا في الوقت نفسه، المجتمع إلى تقبل الأشخاص المختلفين، وإعطائهم فرصة لإدماجهم والتعايش معهم كأفراد فاعلين لا مهمشين، خاصة أهالي المصابين بمتلازمة داون، وعدم تخبئتهم والخجل منهم أمام الآخرين.
كما دعا الجهات المعنية بهذه الفئة إلى زيادة الاهتمام بهم ورعايتهم، وتقديم التسهيلات اللازمة لتعليمهم وبناء قدراتهم، أسوة فلهم حقوق كبقية أفراد المجتمع.
الناطق باسم مبادرة الهدب الأردنية لمتلازمة داون، باندا مساعدة، أوضحت أن ترشيح الشاب أسامة من مركز الأمل، لتدريبه على الفروسية جاء بعد ملاحظة إبداعه في مجال الكشافة والطهي والإنزال الجبلي 30 مترا، الأمر الذي دفع إلى تبني موهبته بالتعاون مع مدير اسطبلات إربد عبد المجيد الهياجنة، والمدربين إحسان الشطناوي وفلاح حسونة، لتجهيزه ابتداء من التعامل مع الخيل إلى القفز عن الحواجز البسيطة.
وقال الهياجنة، إن هذه التجربة شكلت تحديا في بدايتها، لأنها الأولى في تدريب أحد مصابي متلازمة داون، ولكن بعد التعرف على أسامة، وجدنا سهولة التعامل معه كأي شخص طبيعي، ما شجع على تعليمه الفروسية، بعد تأهيله وتدريبه بشكل جيد، ليكون أول فارس من مصابي متلازمة داون.
أخصائي أمراض الأطفال والتوحد، الدكتور محمد المومني، قال إن الضعف العقلي للمصابين بمتلازمة داون ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ الخفيف والشديد والمتوسط، ويكون تقييم نسبة ذكاء الضعف الخفيف من 80 إلى 90 بالمئة، والمتوسط من 60 إلى 70 بالمئة، والشديد أقل من 50 بالمئة، مشيرا إلى أنه يمكن تعليم القسم الأول والثاني ودمجهم بالمجتمع وتعليمهم المهن اليدوية والحركية، لأنها ممارسات متكررة لها علاقة بالإجراء الروتيني، ويستطيعون تعلمها واكتسابها من خلال المراقبة والتجربة.
وأضاف أن العلوم الأكاديمية غالبا ما يكون تعليمها صعبا لهذه الفئة، أما تفوق أحدهم في هذا المجال، فهي حالات نادرة تعتمد على نسبة ذكاء المصاب ودور أسرته في تنشئته والاهتمام به منذ الصغر.
من جهته، قال استاذ علم الاجتماع بالجامعة الأردنية، الدكتور مجد الدين خمش، إن منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية تعودت على إعطاء الأشخاص ذوي الإعاقة حقوقهم المشروعة، ووظفت بعض المؤسسات أشخاصا من هذه الفئة بأعمال بسيطة أو متوسطة تتناسب مع حالاتهم في ظل وجود التشريعات الخاصة بهم.
ولفت إلى أن المصابين وأسرهم أصبح لديهم توجهات وقيم ومهارات للاستفادة من الفرص التعليمية والعملية والترفيهية، بالرغم من صعوبة تقبل المجتمع لهم كما ينبغي، داعيا إلى زيادة توعية المصابين بالمتلازمة وأسرهم، لتقبل واقعهم الذي فرض عليهم ابتداء، انتقالا لتوعية طلاب المدارس وأهاليهم بالتعامل مع هذه الفئة، دون إثارة المشاعر السلبية تجاههم، بل محاولة إدماجهم.
كما دعا إلى تكثيف الجهود الإعلامية التوجيهية حول هذه الفئة، والحث على احترامهم كمواطنين وتقديرهم، مؤكدا أن تقديم الدعم المعنوي لهم يزيد من بناء قدراتهم ليصبحوا أفرادا فاعلين في المجتمع.
بدورها، أشارت مديرة إدارة الفئات الأكثر حاجة للحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، المحامية بثينة فريحات، إلى أن الدستور الأردني في المادة السادسة، كفل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وصادق الأردن على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2008 دون التحفظ على أي بند من بنودها، والالتزام بإعطاء هذه الفئة حقوقها كافة الواردة بالاتفاقية.
ولفتت إلى أن من أهم بنود الاتفاقية، عدم التمييز، وتكافؤ الفرص واحترام القدرات، وقبولهم كجزء من التنوع البشري، وإشراكم في كل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل عام.
ووصفت فريحات قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017، بالعصري والجيد، ما يؤكد التزامات الأردن بجميع قطاعاته الحكومية والأهلية، بإعطاء الأشخاص ذوي الإعاقة حقوقهم، والتركيز على أن هؤلاء الأشخاص لهم نفس حقوق الآخرين في مختلف مجالات الحياة.
وطالبت فريحات بتعديل التشريعات الناظمة لحقوق الفئات الأكثر عرضة للانتهاك، ومواءمتها مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن تتماشى المصطلحات الحقوقية مع الاتفاقية في قانوني الأحزاب والانتخاب، وإشراك هذه الفئة بالحياة السياسية، وتوفير التسهيلات البيئية والترتيبات التيسيرية للوصول، بالإضافة إلى تدريب الموظفين على كيفية التعامل مع هذه الفئة.
ونوهت بوجود مؤسسات تعنى باستقبال الشكاوى الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، كالمجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، وغيرها من المؤسسات.
--(بترا)