انشغل العلم اجمع في الأيام والأسابيع الماضية بالتحدث عن فيروس كورونا الذي اجتاح العالم انطلاقًا من الصين لينتشر في العديد من دول العالم وليصبح اكبر خطر يهدد البشرية كما يعلق المعلقون ويكتب المحللون .
وأنا لن اتحدث عن هذا الفيروس كما تحدث المتحدثون ولا كيف ظهر ولا كيف انتشر وهل هو طفرة في عالم الفيروسات ام صناعة تمت في احد المختبرات البيولوجية . وهل هو نتيجة التعامل مع بعض الحيوانات ام هو حرباً اقتصادية موجهة نحو الصين . لن اتحدث كيف انتقل من الصين إلى دول أخرى ولا عن التهديد الذي يمثله لبقية دول العالم . لن أقوم بتصنيفه كأشد أو اخف من الأمراض الفيروسية التي اجتاحت العالم في السنوات الماضية. ولن اتحدث عن الأخطار الاقتصادية التي سيتعرض لها العالم نتيجة لانتشاره وأي الدول الأكثر تأثراً به . لن اتحدث بأي المواضيع الجادة المتعلقة به فقد أشبعه الآخرون كلاماً وتحليلاً وتوقعات . ولكني سوف اعلق على بعض ما كتب وقيل من ناحية إنسانية ومنطقية
فعلى اثر ظهور هذا المرض في الصين ذهب بعض المعلقين للقول ان هذا انتقام من الله عز وجل لما تعرض ويتعرض له المسلمين الإيغور فيها من تمييز وعنف بحقهم على يد السلطات الصينية متجاهلين ان في الصين مسلمين من غير قومية الإيغور يبلغ عددهم اكثر من مائتي مليون نسمة يعيشون في جميع أنحائها وأنهم سوف يكونوا هم ومسلمي الإيغور معرضين للإصابة بهذا المرض عند انتشاره . وان هذا المرض لن يبقى حبيس أسوار الصين وإنه لن يصيب غيرهم وها هو ينتشر تدريجياً في مختلف دول العالم بما فيها دول المسلمين .
وعندما وصل هذا المرض إلى إيران أخذت بعض الاصوات تهلل له وتقول ان هذا انتقام الله من الشيعة على ما فعلوه بالمسلمين السنة ، وكان البعض يبدي سعادته كلما زاد المرض انتشاراً فيها ومتجاهلين انه ليس كل من في إيران شيعة وأنه ليس كل الشيعة أعداء لنا ، وان هذا المرض لن يقف على حدود إيران فقط . ثم والأهم هل هذا الموقف يتفق مع سماحة الإسلام ورحمته ؟
وعندما كان العالم يتحدث عن طريقة انتشار هذا المرض وأعراضه وكيفية الوقاية منه وعن الأبحاث والتجارب التي تجري في العالم لأكتشاف مصل مضاد له كان البعض منا مشغولا بكتابة وصفات شعبية مختلفة والادعاء ان استعمال هذه الوصفات تحمي الإنسان من هذا المرض أو تشفيه منه إذا اصيب به من غير ان يفسروا لنا لماذا لا يتبع العالم وصفاتهم هذه لمعالجة مرضاه . والأكثر من ذلك القول ان الحماية من هذا المرض والشفاء التام منه يتم بالدعاء لله تعالى وان يردد الإنسان في الصباح دعاء وفي الظهيرة دعاء وفي المساء دعاء وفي الليل دعاء وأنه لن يرى بعد ذلك سقماً وإذ ابتلي به فسوف يشفيه الله تعالى .
صحيح ان الدعاء لله تعالى واجب و أمر محبب من كل مسلم وفي كل وقت وحين وان الله يستجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، ولكن تبسيط الأمور على هذا النحو ليس بالأمر السليم وليس من الإسلام في شيىء والذي ورد فيه على لسان نبي الله عليه الصلاة والسلام مخاطباً الأعرابي عندما سأله هل يترك ناقته ويتوكل ام يعقلها حيث قال له اعقلها وتوكل . وما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب عندما سأل الأعرابي عن إهماله لإبله وعدم معالجتها وان الأعرابي رد عليه بقوله عندنا عجوز تدعوا لها بالشفاء ، فقال له سيدنا عمر هلا جعلت مع الدعاء شيئاً من القطران .
وفي حين كان العالم مشغولاً بالبحث عن طريق النجاة من هذه الكارثة التي
أخذت تضيق الخناق عليه فقد وجدها البعض مجالاً لإطلاق النكات والتعليقات والفيديوهات الساخرة بطريقة تنم عن عدم المبالاة بهذا الخطر المحدق بنا. صحيح انه من الجيد ان ان نستقبل المصائب بروحاً مرحة ولكن المرح عندما يكون متعلقاً بارواح الناس ومستقبلهم يكون كمن يرقص على أشلائهم .
المطلوب الجدية بالتعامل مع هذا الحدث الذي أخذ ينتشر في جميع أنحاء العالم وان نعد أنفسنا لمواجهته وان نتخلى عن بعض عاداتنا وتقاليدنا واولها قبلات النفاق التي نمارسها بمناسبة ومن غير مناسبة . وأنه وفي حال لا سمح الله وان ظهرت حالات من هذا المرض بيننا وهو امر غير مستبعد ، ان نتبع الإرشادات التي اصدرتها الجهات الصحية المعنية مهما تضمنت من تحديد لحرياتنا وحركاتناوعاداتنا . ان الصين والتي بدء بها هذا الوباء قد حجرت على مدن ومناطق يبلغ عدد سكانها عشرات الملايين دون ان يعترض أو يحتجعلى ذلك احد ، ولكن سلطاتها تمكنت من تأمين كافة حاجات مواطنيها وهم في منازلهم . وان الصين قامت وتقوم بمجهودات جبارة للسيطرة على هذا الوباء واحتوائه .
ولهذا فيجب ان نعد أنفسنا حكومة وشعباً لمثل هذا الاحتمال . ولكن وبنفس الوقت من غير هلع وذعر ، فأن هذا المرض ورغم وصوله إلى ستون دولة في العالم فأنه حتى الآن كانت الإصابات به محدودة وكذلك حالات الوفاة نتيجة الإصابة به فيما يزداد عدد ونسبة من يكتب لهم الشفاء منه والذي أتوقع ان ينسحب قريباً من موقعه الذي يتربع به حالياً ليلتزم السكون إلى جوار اشقائه من الأمراض التي انتشرت خلال السنوات الماضية لتطل برأسها بين الحين والآخر لكن في حالات فردية ومحدودة وخاصة بعد ان تتكلل جهود إيجاد مصل مضاد له بالنجاح .
وحمى الله الاردن وحمى العالم كله بمختلف شعوبه وأممه ودوله وأديانه ومذاهبه من كل سوء .