استضافت العاصمة السعودية الرياض قبل أيام، وللمرة التاسعة، القمة الأربعين لزعماء وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، في توقيت تمرالعلاقات الخليجية- الخليجية من جهة والخليجية-الإقليمية من جهة أخرى بظروف بالغة الحرج والتعقيد. قمة تاريخية أبت أن تفض أعمالها إلا بإصرار على إعادة ترتيب أوراق البيت الخليجي للمرحلة المقبلة!!
ظلت سماء الرياض، حيث انعقدت القمة، ملبدة ولأيام مضت بالغيوم، حتى جاء يوم الانعقاد فانهمرت بشائر الخير وتساقطت قطرات المطر بشكل غير مسبوق، في أجواء تشير الى الرغبة الخليجية الاكيده لطي صفحة من سوء الفهم وفصلا من المناكفات انعكس بمستوى التمثيل المقبول ونوعية القرارات التي اعتمدها البيان الختامي والتي ترتقي لمستوى طموحات أبناء الخليج العربي.
فلسطين وعروبتها، سوريا ووحدتها، اليمن وشرعية قيادتها، إيران وأطماعها في المنطقة، كل هذه الملفات وغيرها نوقشت على طاولة القمة واتخذت بشأنها قرارات لا تقبل التأويل او المزايدة على الموقف الخليجي الموحد من تلك القضايا. فيما كان التعاون الدفاعي والأمني الخليجي هو العنوان الأبرز على جدول أعمال القمة تلخصت في كلمات صيغت في البيان ان أي تهديد لأي دولة خليجية هو تهديد لأمن الخليج كله!!
قمة الرياض الخليجية جاءت بعد خطوات عملية تتضمن حسن نوايا، ورسائل مدروسة من أطراف خليجية تصب في قناة التصالح وترطيب الأجواء الخليجية والعلاقات بين دول مجلس التعاون والتي كانت ولا زالت للكويت دورا هاما ولحكمة القيادة السعودية كبير الأثر في هندسة التوافق بين الأشقاء والتعالى على الجراح، وإعادة تقديم مفهوم واضح ومحدد لعدو الأمن والاستقرار للخليج بأنه "خارجي" ولا يمكن ان يكون في يوم من الأيام شقيق وجار
بدون تحفظات اقر قادة الخليج بنود البيان الختامي الذي يعكس حجم الجهود الدبلوماسية التي بذلتها قيادة القمة الحالية عبر اجتماعات تنسيقية بين وزراء الخارجية والداخلية والدفاع والإعلام والمالية وصولا لهذا المستوى العالي من التطابق والتوافق، الأمر الذي جعل قمة الرياض مميزة في التنظيم والتنسيق والانسجام في المواقف.
من جديد استطاعت العربية السعودية ان تعيد التأكيد عبر هذه القمة عن قوة الصوت الخليجي والرغبة في استمرار "التعاون"، وعكست بوضوح الهموم المشتركة وان التطلعات متقاربة، والاهم ان التهديدات لأمن الخليج ومصدرها لا يختلف عليها اثنان!!!
بقراءة المشهد الداخلي للخليج وما حوله يمكن القول ان الدبلوماسية السعودية تمضي قدما وبتعاون الأشقاء لترتيب البيت الداخلي الخليجي وتحديد الأولويات، وهذه القمة بمثابة محطة أساسية في تاريخ الخليج الحديث من شانها ان تبعث روحا جديده لمفهوم التعاون، وتعبد طريقا راسخ المعالم للانتقال من مفهوم التعاون الى "الاتحاد"!! وفي خضم ذلك تبقى أزمة العلاقات الخليجية التي في طريقها لان تطوى صفحاتها قريبا جزءا من الماضي ودرسا مهما يتعلم منه كل من يهمه الأمر!!
في الختام، كنت أتمنى وبحرص اكبر ان يلتفت الأخوة في الخليج في قمتهم للأردن الجار التاريخي، والحليف الأمين، والأخ المؤتمن على أمنه واستقراره، و العضيد له في السراء والضراء، فالعلاقات الأردنية الخليجية لم تكن يوما من الأيام هامشية المستوى، ولا ينفك الهاشمي الملك عبدالله الثاني بن الحسين يقوم بواجبات الامه في حماية المقدسات الدينية ورعاية شؤونها في القدس وصيا أمينا مؤتمنا و يردد دوما ان امن الخليج من امن الأردن، ومثقلا بالتزامات تفوق قدراته وإمكاناته يتحمل الأردن إدارة ملف "اللجوء الإنساني" بصمت وكبرياء!!
*عميد كلية الإعلام بجامعة اليرموك/ رئيس فرع نقابة الصحفيين بالشمال
Khalaf.tahat@yu.edu.jo