بقلم : عيد عبد الحليم عوده الزعبي
تبدأ القصة من شمال السلط بالإتجاه إلى بلدة علان والتي تبعد عن السلط حوالي (12كم ) مرورا بمنطقة زي التي تعانق مرتفعاتها مرتفعات عجلون شمالا وتطل على مدن وبلدات في فلسطين الحبيبة غربا كالنجوم الوضائة وتشاهد خضرة الأغوار كالبساط المزخرف بأبهى الألوان .
أما ( علان ) .... الراقدة على سفح جبل و تحيطها حُبْيبات عيونها ( قرى الدّيرة وأم العمد وعالية ) وما للطبيعة حولها ... سحرها وبهائها ورونقها هدوءا ونظارةً ما تشتهر به من أشجار الزيتون والعنب والتين .... أما أشجار السنديان والبطم والصنوبر والقيقب ... كلها أشجار حرجية ... هبة من الله ... حباها إلى ( منطقة علان ) الوادعة بخضرتها جمالاً ... ويحيط بها شجر السنديان كطوق عنق عروس عند زفافها ، وما أبهى الصورة في المكان .
وبالرجوع إلى معجم المعاني الجامع وقاموس المعجم الوسيط لتعريف ومعنى (علان ) : عالن الأمر أو به: جاهر به ، صرح به علنا ، فعلان سكانها عشائر الزعبية طيبون كباقي أبناء عشائرنا الأردنية.
من يتذكر المسجد القديم في علان المشيد من الحجر والطين والذي كان في الأصل كنيس (معبد) أيام الصليبين وتم تحويله إلى مسجد سمي بالمسجد العمري (عمر بن الخطاب) إلى أن أصبح محجا لصلاة فيه أيام الجمع لكافة المناطق والقرى التي تبعد عن بلدة علان ما بين (5-10 كم) والتي سيأتي ذكرها لعدم وجود مساجد فيها آنذاك وها هو اليوم تم توسعته وتشييده من جديد على الطراز الحديث بتوفيق من الله عز وجل وبفضل جهود أهل الخير والقائمين عليه.
ولمدرسة علان قصة يحكيها التاريخ وستبقى الذاكرة تؤرخ الحكاية من جديد عندما نتذكر الرجال / الرجال ... الذين لم تكن همومهم وشجونهم إلا الأمور العامة وليس تحقيق المصالح الشخصية الضيقة حيث طلب الأهالي من المرحوم رياض المفلح عندما أراد الترشح للمجلس الوطني في ذلك الزمان الوضاء .. زمن الرجال الأنقياء بأن أهالي علان سينتخبونه ومطلبهم لقاء ذلك بأن يقوم بإضافة (بناء غرفتين) لمدرسة علان الإبتدائية ( ذكور) لأبنائهم ولحُسن الحظ كان الفوز للمرحوم رياض المفلح عضواً في المجلس الوطني عن محافظة البلقاء وأوفى (رحمة الله) بالوعد وأنشأ المبنى على نفقته الخاصة والتي أصبحت مركزا تعليميا وحيدا لكافة القرى المحيطة بعلان ( أم جوزه ، زي ، أم العمد ، جلعاد ، سيحان ، بيوضة ، عليقون ، سوميا ) وها هي اليوم مدرسة علان الثانوية للبنين لا زالت شاهدا على عظمة هؤلاء الرجال ومواقفهم وبفضل جهود الخيرين بمواكبة التطوير والإهتمام بالتعليم في بلدنا الحبيب ... وهنا تكمن دلالة أهمية العمران والمكان وإن طال الزمان .
أما مدرسة الأناث الإبتدائية في علان فلها قصة أخرى لا تصدقها هذه الأجيال حيث تدرجت بالصفوف إلى الصف الثاني إعدادي وكان ما يسمى بالصف الثالث إعدادي ( مترك ) غير متوفر نظرا لعدم توفر العدد المطلوب من الطالبات في ذلك الوقت لحد أدنى (10) عشر طالبات حسب شروط وزارة التربية والتعليم انذاك ولصعوبة عدم توفر المواصلات من علان إلى السلط في تلك الفتره وللظروف الأخرى الأمر الذي يتعذر متابعة دراستهم بعد الصف الثاني إعدادي حيث توجه شيوخ البلدة كل من المرحوم خليفة صالح الزعبي والمرحوم محمد العودة الزعبي والمرحوم أحمد صالح الزعبي والمرحوم صالح رضوان الزعبي والمرحوم خليفة عبدالله الزعبي إلى معالي المرحوم حكمت الساكت الذي كان وزيرا للتربية والتعليم للمطالبة بإضافة الصف الثالث الإعدادي ( مترك ) في مدرسة علان للبنات إلا أنه رفض طلبهم لعدم توفر شرط عدد الطالبات (8) طالبات والمطلوب أن يكون عددهن (10) طالبات على الأقل فما كان منهم أن طلبوا من الشيخ سالم أبو رمان أن يرسل طالبتين من بلدة أم جوزه التي تبعد (5 كم ) للحضور في مدرسة علان للبنات مؤقتا ( كقرضة ) لغايات توفير شرط العدد المطلوب (10) طالبات فما كان إلا تجاوب الشيخ أبو صلاح أبو رمان بذلك فتمت موافقة وزارة التربية والتعليم على إضافة الصف الثالث إعدادي (مترك) كونه إستكمل شرط عدد الطالبات (10) والغريب بالقصة تم إعادة الطالبتين لمدرسة أم جوزه بعد ذلك فالحيلة إنطلت على وزارة التربية والتعليم ( فالحاجة أم الإختراع ) .
ونستذكر بابور الطحين الوحيد في علان لكافة المناطق والقرى التي أوردنا أسماؤها سابقا فالناس لا تعرف في ذلك الوقت إلا طحين القمح الذي يجنيه الفلاحين من أراضيهم ( قمح بلادي ) الذي إفتقدناه يومنا هذا وفقدنا (خبز الصاج) الذي كان يدل على حب الأرض وعظمة المكان والزمان ... ولذة طعم خبز الأمهات والجدات العصاميات ... خبز الصاج كوردة لا ورد مثيل له ... وعبق رائحته يشتمه من أقبل ضيفا لمسافات ... وليس كعطر اليوم الذي لا يشتمه إلا صاحبه ... ودلو الماء على رؤوسهن من نبع ماء صاف كصفاء القلوب ونقائهن ... فلذلك كانت بركات السماء وخيرات الأرض ... ولكن ذاك الزمن لا زال هو الزمن .... فالزائر والسائح لمنطقة علان يشعر بالراحة والطمأنينة ... وخاصة في فصل الربيع حيث نمو الأشجار الحرجية الباسقة على جنبات الطرق والغابات التي تكسو التلال و الدحنون والإرجوان والأعشاب البرية التي تبدو كسجادة مُحاكة بيد فنان ... ولكن روعة من نوع آخر من صنع خالق البشر جلت قدرته ... فهي مقصد لزوارها في فصل الصيف لإطلالتها وظلال أشجارها وسر مكانها فالطبيعة هناك ... كما الذكريات جميلة في المكان ... والعشق لا زال لبلدتي علان ...
وسيبقى على مر الأيام ... وسنبقى نردد أهازيج الأمهات والجدات :
علاني يا مرج أخضر ترعى فيها الغزلان كل ما يرعني مرة ينبت ربيع ثان
بلدتي علان ... الوادعة في أحضان الطبيعة ... سيبقى أبناؤك ... عطاءً وإنتماءً للوطن ... كما أنت غرسة يانعة وفيرة بظلالها .
وأخيرا سلام على الوطن ... وقائد الوطن ... وننتظر لقائنا في علان ... وما أبهى المكان ... حين يحل الضيف على أهل علان ... حمداً لله ... وطني واحة أمن وإستقرار .