د. عصام الغزاوي
فرنسا رائدة الثورات الاوروبية التي بلورت شعار الثورة التحررية الثلاثي، الحرية، والمساواة، والإخاء، وبغض النظر عما تعنيه الشعارات من معان واهداف سامية فإن الثورة الفرنسية شكلت نقطة تحول أساسية في التاريخ الفرنسي والأوربي وفي إقرار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتزامناً مع مرور 50 عاماً على أحداث الثورة الطلابية في أيار 1968 التي أجبرت أحد أقوى الرؤساء في التاريخ الفرنسي "الجنرال شارل ديغول" على الإستقالة عام 1969، في أعقاب استفتاء رفض المصوتون فيه إصلاحاته، تندلع اليوم مجدداً الإحتجاجات والمظاهرات الطلابية والعمالية ممن أطلقوا على أنفسهم اسم "السترات الصفراء" ضد رفع الأسعار وفرض ضريبة على الوقود … البلد الديمقراطي، الذي كانت فيه النقابات العمالية حرة في العمل وتنظيم المظاهرات الاحتجاجية في الشوارع، والمعارضة التي كانت تهاجم سياسة الحكومة كما تشاء وتشتهي في البرلمان، سرعان ما تخلى عن الديمقراطية امام تهديد الامن والسلم المجتمعي، الرئيس إيمانويل ماكرون طلب من الوزراء التعامل بحزم وشدة للمحافظة على النظام العام وجرى قمع المتظاهرين باستعمال العنف والقوة المفرطة، قد يكون من المبكر التنبوء ان كانت المظاهرات ستتطور لتصبح ثورة سياسية تُسقط ماكرون، فالثورات السياسية تحتاج كي تنجح وتُفضي إلى نتائج أن تكون مؤسسة على وعاء ثقافي، ينظم أهدافها، ويوضح رؤيتها، ويحدد وسائلها وأدواتها .. ودون ذلك فإنها سترتد على أصحابها بسبب غياب هذا الوعاء، كما حصل لما سمي ثورات الربيع العربيّ، فكل اللحظات الكبرى في تاريخ البشرية خلقتها ثورات، لكنْ لم تتمخض عن كل الثورات لحظاتٌ كبرى// ..