بلال العبويني
ربط الكثيرون برنامج الخدمة الوطنية الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز مؤخرا، بخدمة العلم الذي كان الأردنيون يخدمونه حتى مطلع التسعينيات من القرن المنصرم على الرغم من إدراكهم أن المدة لا تزيد على أربعة أشهر.
كان السؤال حاضرا منذ الإعلان عن عودة الخدمة، حول ما إذا كانت ستشمل الإناث والذكور على حد سواء وحول إلزاميتها، وحول آلية انتظام المعنيين بالتجنيد أو كيفية معاملة المتخلفين عن أداء الخدمة.
الخدمة، وبحسب تصريحات وزارة العمل، ليست إلزامية، وهذا الإعلان حل الكثير من الأسئلة التي كانت مثارة من ذي قبل، غير أنه أثار سؤالا جوهريا عن نجاعته في تربية الأجيال المقبلة التربية الوطنية اللازمة وتنشئتهم على كيفية تحمل المسؤولية والضبط والربط، والالتزام بالأخلاق العامة والعادات الاجتماعية الجيدة السائدة، والمساهمة مساهمة فعالة في الحياة العامة وما إلى ذلك من قيم كان يكتسبها المُجند بعد إنهائه فترة خدمة العلم التي كانت تستمر لعامين متتاليين.
المشروع، اليوم تقلص وفقد من قيمته كثيرا، عندما يفلت منه الملتحقون بالجامعات والمعاهد، وعندما يفلت منه الإناث، وعندما يفلت منه غير الراغبين بالتجنيد، إن صحت التسمية، فبالتالي، سنكون أمام أعداد كبيرة لم تستفد بما كان يطالب به الكثيرون بضرورة إعادة النظر في توجيه الشباب نحو الالتزام بالأخلاق الوطنية العامة ونحو توجيه اهتماماتهم إلى ما هو سوي وغير شاذ كما الحاصل اليوم لدى الكثير من الشباب.
ثم أن إعلان الرئيس ومن بعده وزارة العمل أن الشهر الأول سيكون مخصصا للياقة البدنية وتعلم قواعد الضبط والربط، فيما الثلاثة أشهر المتبقية تدريبا مهنيا نظريا وعمليا، طرح أسئلة أخرى من مثل أن فترة الثلاثة أشهر هل هي كافية لتأهيل الشاب تأهيلا محترفا ليكون مهنيا قادرا على خوض غمار الحياة العملية؟.
إن تجاوزنا كل تلك الأسئلة، فإن سؤالا جوهريا يطل برأسه، ويرتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل الشباب المتخرجين من تلك الدورات، ومدى قدرة سوق العمل على استقبال نحو عشرين ألفا منهم كل عام، وهو ما يضع على عاتق الحكومة أن تفكر بشمولية عبر فتح أسواق عمل جديدة لهؤلاء الشباب وعبر التفكير جيدا في ظروف العمل التي تحفظ آدمية العامل وحقوقه الإنسانية واستقراره الوظيفي.
لذا، إن التفكير في تدريب الشباب وكفى لا يكفي البتة ولا يستقيم مع التفكير المنهجي السليم إذا ما تبع ذلك تفكير في فتح أسواق جديدة لهم وتشغيلهم وبظروف عمل صحية مناسبة، وإلا فإن المشروع سيظل ناقصا، وسيظل ناقصا إن لم يتم شمول الملتحقين بالجامعات والمعاهد بالتربية العسكرية لمدة شهر لتعليمهم القيم الوطنية اللازمة وأدبيات الضبط والربط، على غرار ما كان معمولا به في السابق عبر تدريب الجيش الشعبي.
ملامح الخدمة الوطنية بدأت تتكشف، لكن الخشية أن تظهر ملامح أخرى مستقبلا تقزم الفكرة أكثر وتخرجها عن سياقاتها وأهدافها تحت مبررات من مثل ضعف توفير الأموال اللازمة للاستمرار في المشروع أو لعدم تطويره ليصبح إلزاميا كما يأمل الكثيرون. //