تسبب يونس قنديل، الأمين العام لمنظمة "مؤمنون بلا حدود"، بصدمة نفسية – فكرية لدى المجتمع الأردني بعد افتضاح أمره، وكذب ادعائه بأنه اختطف من قبل مجهولين وعذب عبر الكتابة على ظهره بآلة حادة عبارات اختيرت بدقة لتعزز الاتهام لتيار سياسي معين على الساحة الأردنية.
قصة خطف قنديل المفبركة، تزامنت مع نية مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" إقامة ندوة فكرية تناقش قضايا دينية – بروح فلسفية مثيرة وخطيرة على غرار العنوان الذي كان مدرجاً للنقاش ألا وهو "ميلاد الله"، حيث قوبل خبر نية عقدها بموجة من الغضب والاعتراض وتصدى عدد من النواب، ومنهم النواب الاسلاميون للندوة لمنعها ونجحوا في نهاية المطاف. وبعد قرار المنع اختفى قنديل وأخذ عدد من الإعلاميين المقربين منه داخل الأردن وخارجه في السؤال عنه وعن حقيقة اختفائه، ليظهر بعد أيام في وسائل الإعلام على أنه كان ضحية عملية خطف.
غير أن ما لم يكن يتوقعه قنديل الذي قدم نفسه للعالم على أنه أحد المدافعين عن قدسية الرأي الحر والفكر الحر، هو نجاح الأجهزة الأمنية الأردنية في فك لغز الاختطاف وكشف كذبته الكبرى التى كادت أن تتسبب بفتنة داخلية بين المدافعين عن الفكر العلماني وحرية الاعتقاد وبين عامة الناس من الأردنيين الذين يرفضون التعاطي غير المألوف والفج مع القضايا الحساسة في الثقافة والموروث الديني ألا وهي التابوهات الثلاثة: الجنس والدين والسياسة وتجاوز الخطوط الحمر.
لقد مر المجتمع الأردني قبل عامين تقريباً في محنة تحمل درجة عالية من الخطورة على غرار هذه الخطورة ألا وهي محنة الشهيد ناهض حتر الذي راح ضحية "سوء الفهم" بعد قيامه بإعادة نشر كاريكاتور يتهكم فيه على مفهوم الجنة لدى الدواعش، حيث ساهم التحريض المنفلت من بعض الجهات التي كانت تعادي حتر سياسياً إلى وقوعه ضحية اغتيال بشعة على باب قصر العدل في العاصمة الأردنية عمان من قبل شخص يحمل فكراً تكفيرياً اعترف في التحقيق معه أنه لم يكن على معرفة سابقة بالكاتب قبل إعادة نشر الكاريكاتير على "الفيس بوك" ليقوم بعدها بالبحث عن صوره بالإنترنت للتعرف عليه ومعرفة موعد جلسة محاكمته والتربص له للقيام بعملية اغتياله بمسدس قام بشرائه لهذه الغاية.
لقد كان لتدخل جلالة الملك عبد الله شخصياً وزيارته لبيت العزاء الدور الأكبر في إطفاء شعلة حرب اجتماعية طائفية بين المسلمين والمسيحيين في بلد كان ومازال رمزاً للتعايش والعيش المشترك ولولا الجهد الاستثنائي والكبير الذي قامت به الأجهزة الأمنية الأردنية في الكشف عن لغز "خطف قنديل" لكان المجتمع الأردني قد دخل حرباً من الاتهامات والاقصاء والتكفير وفوضى فكرية وسياسية وفتنة كبرى خاصة أنه لم يسبق له أن شهد حالات خطف وتحديداً على خلفية دينية – فكرية.
إن الاحتكام للعقل في مثل هذه القضايا هو الطريق السليم للوصول إلى الحقيقة ونبذ الفتنة ووأدها، وقال تعالى في محكم تنزيله: (بسم الله الرحمن الرحيم : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. صدق الله العظيم.