- تُثبت الأيام أن الشبكات الاجتماعية، وتحديدا فيسبوك، ما هي إلا أدوات يُساء استخدامها تُنشر عبرها سموم فكرية تهدف تارة إلى تضليل الرأي العام، وتارة أُخرى إلى نشر محتوى غير لائق. سموم كان آخر أنواعها قاتلا وفتّاكا يستهدف الصغار قبل الكبار ويُعرف باسم الحوت الأزرق 'بلو ويل' (Blue Whale)، أو لعبة الحوت الأزرق لتخفيف حدّة الاسم وتجميله.
الحوت الأزرق:
استلمت الشرطة الروسية في فبراير/شباط 2018 بلاغات عن حالات انتحار مُتفرّقة في البلاد حدثت بشكل مُتزامن، الأمر الذي رُبط بداية بكونه ناجما عن ضغوط نفسية يُعاني منها أولئك الأطفال نتيجة لمشاكل عائلية. لكن ازدياد العدد من جهة، وتشابه الفئة العمرية من جهة أُخرى، فتح باب الشُبهات لتبدأ تحقيقات واسعة حول السبب وراء ما حصل.
ما حدث لم يكن وليد المصادفة بالفعل، وكان وراءه حوت ابتلع ضحاياه جاء على هيئة لعبة على الشبكات الاجتماعية، وهي ليست لعبة تقليدية موجودة ضمن متاجر التطبيقات أو مواقع الإنترنت لتحميلها على الجهاز وتشغيلها. لكنها لعبة جماعية تجري أحداثها ضمن مجموعات على الشبكات الاجتماعية، وتحديدا فيسبوك، بحيث ينضم الأطفال إلى تلك اللعبة رفقة أصدقائهم لتبدأ مهمّة الحوت الذي يُدير تلك المجموعة، والذي لا تُعرف غايته حتى الآن.
ومع انتهاء الفترة المُخصّصة، أي مع الوصول إلى اليوم الخمسين، يطلب مُدير المجموعة من الأطفال الانتحار. وبسبب الضغط النفسي والعصبي الذي يمتد طوال تلك الفترة، يُقدم البعض على تلك الخطوة دون خوف أو تردّد، ومن هُنا يشفي صاحب المجموعة غليله ويُرضي اختلاله النفسي.
يعتبر البعض أن الأمر بُرمّته مُجرّد تضخيم إعلامي ولا أساس له من الصحّة، لكن الأرقام التي شاركتها بعض الهيئات الحكومية في روسيا على سبيل المثال تُثبت وجود حالات انتحار في الفترة ما بين عامي 2015 و2016 وصل عددها إلى أكثر من 130 حالة. تشارك الضحايا بكونهم من عائلات مُستقرّة على الصعيد الاجتماعي، لكن أطفالهم أقدموا على الانتحار مع وجود أدلّة على ارتباطهم بمجموعات خاصّة باللعبة.
بعض الأطفال رمى نفسه من أبنية مُرتفعة، وبعضهم الآخر ترك رسائل تحمل كلمات مثل: النهاية مع صور للحوت الأزرق مرسوما على أحد أعضاء الجسم. والحديث هنا، عن أطفال مُراهقين تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 17 عاما تقريبا. البعض الآخر فضّل وسائل أُخرى كتناول جرعات كبيرة من الأدوية، أو القفز أمام قطار سريع مثلما نشرت السُلطات الصينية.
هذه الآفة لم تُصب المُجتمع الغربي فحسب، فعلى الرغم من قدم عهدها فإنها حطّت رحالها قبل فترة في الوطن العربي. وبحسب وكالات إعلامية، فإن آخر ضحاياها كان في المملكة العربية السعودية، وهو فتى يبلغ 12 عاما انضمّ إلى هذا النوع من التحدّيات حسبما أبلغ أصدقاؤه.
حماية الأطفال:
قد يعتقد البعض أن فرض قيود على وصول أطفالهم إلى متاجر التطبيقات يكفي لتجنّب مثل هذه الظواهر، خصوصا بعد تغليف تلك المُمارسات باسم لعبة الحوت الأزرق. لكنها، وبشكل أساسي تستهدف مُستخدمي الشبكات الاجتماعية على اختلاف أنوعها، وبالتالي لا يُمكن السيطرة على انتشارها بسهولة من قِبل المُشرفين على متاجر التطبيقات، آبل وغوغل في مُعظم الحالات.
بناء على ما سبق، يحتاج الأهل إلى مُراقبة الأطفال وسلوكهم بشكل رئيسي، فاللعبة تقوم على تنفيذ مهام غير مُعتادة من قِبل تلك الفئة العُمرية كالسهر لوقت مُتأخّر للقيام بشيء ما، أو مُشاهدة نوع مُحدّد من المحتوى أو المواقع، الأمر الذي يترك مُخلّفات نفسية على ما يبدو تدفع الطفل إلى الإقدام على الانتحار نتيجة لصعوبة ما شاهده أو لعدم تحمّل عقله لمثل تلك الأمور.
وإلى جانب مُراقبة السلوك يحتاج الأهل إلى مُراقبة نشاط الأطفال على الشبكات الاجتماعية أيا كانت، فاسم اللعبة قد يختلف مع مرور الوقت، وقد تأخذ أشكالا أخرى. لكنها تتبع نموذجا واحدا يقوم على إرباك إدراك الطفل ودفعه إلى القيام بأمور لا يفهم هو لماذا يقوم بها. ولا يقف الحد عند الشبكات الاجتماعية فقط، فالهواتف الذكية قد تكون وسيلة على اعتبار أن المطلوب من قِبل الجاني هو وسط يجتمع فيه الضحايا، وبالتالي تطبيقات مثل 'واتس آب' أو 'تيليغرام'، إنستغرام أو فيسبوك وتويتر، أو حتى الرسائل النصيّة القصيرة، جميعها قد تكون وسطا مُلائما لإملاء الأوامر على الشريحة المُستهدفة.
الحل الأمثل، يتمثل في تعزيز التواصل بين الأهل والأطفال، توعيتهم حول مثل هذه الظواهر وعدم تجاهلها، لأن الذي يقع ضحيّتها ليس من الضروري أن يُعاني من اضطرابات نفسية، فأي شخص في تلك الفئة العمرية لن يكون قادرا على استيعاب التغييرات النفسية التي تحصل له نتيجة لتلك الأوامر، وخير مثال على ذلك شذوذ سلوك النفس البشرية في بعض الأوقات كحالات الغضب، فالإنسان يُقدم على أشياء لم تكن بالحُسبان عند الانفعال، فما بالك بالانفعالات الداخلية التي تجري داخل طفل غير مُدرك، وغير قادر على شرح أو نقل ما يشعر به إلى غيره.
يُمكن للمسؤولين عن الأطفال، سواء الأهل في المنزل أو الأساتذة في المدرسة، تعليم الأطفال أن قول كلمة لا أمر مُمكن في المُجتمع، فأي طفل لا يحتاج إلى إجبار نفسه على التأقلم في وسط لا يشعر فيه بالارتياح، ولا يحتاج كذلك إلى الاستسلام لضغوط المُجتمع والسير في اتجاه البقيّة نفسه فقط لأنهم ذهبوا فيه، وبالتالي فإن زيادة ثقته في نفسه ومُناقشة القرارات التي يتّخذها من شأنها تشجيعه على الابتعاد عن أي شيء لا يقبل به. وإلا، فإن رؤيته للجميع وهم يذهبون لتنفيذ أوامر مُدير المجموعة سيدفعه هو الآخر إلى القيام بالشيء نفسه.
علاوة على ما سبق، حرصت غوغل على توفير أرقام للاتصال بالمراكز المُختصّة بتهيئة الأطفال نفسيا، ففي مجموعة كبيرة من الدول، وبمجرد البحث عن 'لعبة الحوت الأزرق' (Blue Whale Game)، ستظهر ضمن نتائج البحث أرقام مراكز مُساعدة الأشخاص الذين يُفكّرون بالانتحار.
ظهر التجارب العملية أن الامتثال الاجتماعي (Peer Pressure) ظاهرة مُنتشرة بكثرة لدى الكبار قبل الصغار، لذا فإن الحذر منها واجب، فهي الأساس لمثل هذه المُحاولات، وإكراه الطفل -دون سبب مُقنع- على القيام ببعض الأمور التي لا يرغب بها ستدفعه إلى اللحاق بالجميع دون تفكير ظنا منه أن ما يقومون به هو الصحيح. لذا فإن الحل يبدأ من المنزل والمدرسة أولا، قبل الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المحادثات الفورية