الذين يهللون للضربات الاميركية، على سوريا، هم ذاتهم الذين ينددون بالضربات الروسية في سوريا، والذين يهللون للضربات الروسية في سوريا، هم ذاتهم الذين ينددون بالضربات الاميركية على سوريا، اي ان كل القصة، ولاعتبارات مختلفة، انقسام بين العرب، ما بين تبعية للاميركان، او تبعية للروس.
لا احد يحدثك عن ثلاثة امور، اولها ان سوريا ذاتها، باتت ملعبا لكل قوى العالم، وبدلا من المطالبة بتطهير سوريا، وخروج كل القوات الاميركية والروسية والايرانية والتنظيمات المتشددة، وبقية الاطراف، نجد الجمهور العربي، ينقسم بطريقة ساذجة، وهذا رأيناه بشكل غريب بعد الضربات الاميركية الاخيرة ضد سوريا، اذ تبين ان لا احد معني ابدا، بخروج كل اللاعبين من سوريا، بل انقسم الناس الى مجموعات، كل مجموعة تدين بالولاء لقوة كبرى، وكل مجموعة تصفق لعمليات هذه المجموعة، وتندد بالقوى الكبرى الاخرى وعملياتها، وهذا بحد ذاتها، دليل على عمى البصيرة، حين يصر اغلب العرب، ان يبقوا اتباعا وفي ذيل التبعية لقوى متعددة الاتجاهات والشعارات.
الامر الثاني يرتبط بسوريا ذاتها، اذ وسط غمرة الانقسام، من حيث التبعية، وتبرير جرائم هذا الطرف ضد ذاك، واعتبار جرائم هذا الطرف، حلالا، فيما جرائم الطرف الاخر حرام، وهذا رأيناه ايضا، من حيث تبرير وشرعنة ضربات الروس التي حرقت سوريا، من جانب مجموعات معينة، وتنديد مجموعات اخرى، والامر ذاته انعكس، عند ضربة الاميركان، اذ ايدهم من يؤيدهم، وندد بهم اولئك الذين كانوا يتعامون عن ضربات الروس، ووسط هذه الاجواء، لم يحدثنا احد عن سوريا ذاتها، التي يتم حرقها يوميا، من كل الاطراف، ولم يقف احد عند حياة السوريين، وموتهم وتشردهم، وخسائر بلادهم، وكل الذي تعرضوا له، بل ان « الترف» في هذا الانقسام ما بين روس واميركان، وتناسي مصائب السوريين ذاتهم، وكأن هذا الانقسام، مفيد او منتج، او وطني اساسا.
الامر الثالث، يرتبط بالانقسام حول الرئيس السوري، وعلى الطريقة العربية ذاتها، فمنذ سبع سنين، ينقسم الناس، مع كل هذا التدخل الدولي، حول شخص الرئيس. من معه، ومن ضده. وما يزال الانسان العربي، يربط كل القصة بشخص الرئيس، بدلا من الحديث عن البلد ذاتها، وما يجري فيها، واين وصلت حياة الناس، والكل يلاحظ ان السوريين والعرب، يتمحورون حول بقاء الاسد، او رحيل الاسد، وبعض العرب، مع الاسد، وبعضهم ضده، واخرون مع المعارضة، واخرون ضدها، وهكذا تغيب سوريا ذاتها، وشعبها عن كل المداولات، فالمهم ان يبقى الاسد، او ان يحترق بصاروخ، وكأن بقاء الرئيس سيعيد الحياة للملايين الذين قتلوا او تشردوا، او ان قتله سيرد الحياة في لحظة لكل هؤلاء، او سيعيد اعمار سورية، في عام او عامين.
الانسان العربي، لم يتعلم من تجارب سابقة، واذا عدنا الى ازمات قديمة، وجدنا ان ادارتها خضعت لذات الطريقة، فالعراق في زمن صدام حسين، وابان الحصار، كان يموت ببطء، غير ان العرب، لم يحدثوك عن موت العراقيين، بل انقسموا الى فريقين، فريق يهلل للرئيس في بغداد، وفريق يندد به، وينتظر ساعة نهايته، اما الذي جرى للعراقيين ذاتهم، فلم يكن في حساب احد.
ادارة الازمات عند العرب، ادارة غريبة، لا تخضع الا لحسابات الاهواء والعواطف، الحب والكراهية، ولا تخضع ابدا لحسابات الرياضيات، وعلى هذا سنبقى على الطريقة ذاتها، ولا نستبصر ما وراء كل هذا الخراب، لاننا نتتبع الوهم ذاته، وبالاسلوب ذاته، بدلا من اعادة المراجعة، للذهنية والطريقة التي تعمل على اساسها، وهي طريقة ثبت سابقا، انها قادتنا الى نتائج كارثية وخيبات امل.
الدستور