هناك الكثير مما يحدث في سوريا وأخطره الهجمات المتكررة للنظام السوري واستعماله "مادة الكلورين" كسلاح يطال المدنيين العزّل في أكثر من منطقة.
وكان من الملاحظ أن النظام السوري توقّف عن استعمال المواد الكيمياوية في الهجمات منذ هجوم خان شيخونوضرب الأميركيين لقاعدة الشعيرات، لكنه عاود القصف منذ حين فيما اكتفى الأميركيون حتى الآن بالتصريحات السياسية والدبلوماسية ولم يكرّروا الضربة العسكرية.
تحدثت "العربية.نت" إلى عدة مسؤولين أميركيين وهم أكّدوا أن لا أثر حتى الآن لهجوم بغاز السارين الذي تمّ استعماله من قبل ضد المدنيين، والمعلومات المتوفّرة حتى الآن للأميركيين وصلت عن طريق طرف ثالث، أي منظمات تعمل على الأرض في سوريا وناشطين ميدانيين، وتشير المعلومات إلى أن النظام السوري استعمل "مادة الكلورين" في هجماته، لكن الولايات المتحدة لم تتمكّن حتى الآن من تأكيد المعلومات كما تأكّدت من ذلك في هجوم #خان_شيخون.
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن الإدارة الحالية "تعتبر استعمال مادة الكلورين بشكل منظّم ضد المدنيين مثله مثل استعمال أي سلاح كيمياوي".
ويترك المسؤولون الأميركيون الباب مفتوحاً أمام الاحتمالات، فثبوت استعمال مادة الكلورين وبشكل منظّم ضد المدنيين، يمكن اعتباره هجوماً بالسلاح الكيمياوي، ويستدعي ردّاً عسكرياً مثلما حدث في الشعيرات، لكن المسؤولين الأميركيين يريدون ترك الانطباع أن الخيارات مفتوحة، وليس الردّ العسكري أمراً حتمياً في إطار "الضربة والردّ عليها".
خلال الأيام الماضية نظّمت الحكومة الأميركية ردّها على أخبار الهجمات، فقد سارع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى التحدث إلى الصحافة في البنتاغون لإيضاح المعلومات، وحاول أن يفرّق بين الأخبار عن استعمال الأسلحة الكيمياوية والمعلومات غير المؤكدة، ثم صعّد المسؤولون الأميركيون لهجتهم وصولاً إلى ما قالته السفيرة نيكي هايلي في الأمم المتحدة من أن #الولايات_المتحدة لن تتخلّى عن مسؤوليتها في محاسبة المسؤولين عن استعمال الأسلحة الكيمياوية في سوريا.
من الواضح أن النظام السوري يحاول استفزاز الأميركيين، لكن الدبلوماسية الأميركية تريد التركيز على مسؤولية روسيا "الضامن" للنظام السوري وتصرفاته، كما أن الولايات المتحدة مهتمة بإقناع روسيا والتعاون معها لدفع النظام السوري إلى طاولة جنيف والجلوس جدّياً مع المعارضة السورية برعاية الأمم المتحدة للوصول إلى مسار ينهي الحرب.
ويعتبر الأميركيون الآن أن مسار سوتشي واجه فشلاً واضحاً، وأن روسيا لم تتمكّن من اختطاف المسار بعيداً عن مظلة الأمم المتحدة والقرار 2254 وأن تهديدات واشنطن بشنّ هجوم ردّاً على هذه الهجمات سيساعد على إقناع روسيا للضغط على النظام السوري للدخول في مسار الحلّ.
ويكرر المسؤولون الأميركيون موقفهم من مستقبل الأسد. وقال مسؤول في وزارة #الخارجية_الأميركية "إن الإدارة الحالية لا ترى مستقبلاً لسوريا مع بشّار الأسد"، مع أن واشنطن لا تواجه قوات النظام في سوريا ولا تسمح لأي فصيل يتلقّى الدعم الأميركي بتوجيه سلاحه ضد النظام السوري.
بذلك يبدو الأميركيون وكأن طريقهم الوحيد للوصول إلى حلّ هو مسار جنيف وما اتفق عليه الرئيسان دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في بيان فيتنام الشهير.
وفي خطوة تساعد على إقناع #روسيا، وضعت الولايات المتحدة ورقة عمل مع مجموعة خبراء من دول "صديقة" ومهتمة بالشأن السوري على أن تقدّم الورقة للمبعوث الدولي ستيفان ديمستورا، ومن المثير في هذه الورقة التي اطلعت عليها "العربية.نت" أنها تشير إلى خطوات عملية يمكن لمسار جنيف اتباعها، وهي مفاوضات بين المعارضة والنظام على مضمون دستور معدّل، ووضع وسائل عملية للانتخابات وخلق بيئة آمنة في سوريا.
من اللافت أيضاً أن الورقة التي اطلعت عليها "العربية.نت" تناولت بعض التفاصيل عن تعديل الصلاحيات الرئاسية، لكنها لم تشر إلى مصير بشار الأسد.
وتعتبر إدارة دونالد ترمب أنها فعلت ذلك في خطوة "عملية"، فهي من جهة تريد إقناع روسيا بالضغط على النظام ليدخل في المفاوضات الجدّية، وروسيا لا تقبل مناقشة مصير الأسد، ومن جهة ثانية، يفهم الأميركيون أن مسار جنيف لن يؤدّي إلى بقاء الأسد في السلطة على أي حال، ولا ضرورة للتمسّك بالمطلب لدى وضع الآلية أو النصّ.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ"العربية.نت" إن الولايات المتحدة "عملت بشكل لصيق مع الأمم المتحدة ودول صديقة ومع روسيا واللجنة العليا للمفاوضات السورية للتأكد أن صلاحيات الأمم المتحدة وبما يتطابق مع القرار 2254 لإقامة وتحديد سلطة وهيكل وتفاصيل تأليف اللجنة الدستورية في جنيف يتمّ احترامها من قبل كل الأطراف، وهذا العمل سيستمر".
وفيما يسعى الأميركيون إلى ردم الهوّة مع روسيا، يبدو أن لديهم تحدياً آخر في تصرفات تركيا ومشاكلها مع الأكراد.
وتؤكد واشنطن الآن رغبتها بضمّ الأكراد السوريين إلى المفاوضات، وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة "تدعم أوسع مجموعة ممكنة من الممثلين السوريين للمشاركة في النقاشات المتعلقة بحل النزاع السوري".
وكما يحدث مع روسيا والنظام السوري، تحاول الولايات المتحدة تلمّس أفضل الخطوات مع تركيا، فيقول الأميركيون إنه لا حضور لديهم في منطقة عفرين حيث تقود الوحدات العسكرية التركية ووحدات من المعارضة السورية الموالية لها هجوماً ضد الأكراد، لكن الأميركيين يسعون لإبقاء العملية في إطار محدود لا يلحق الضرر بعلاقتهم بالأكراد ووحدات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى.
وقد كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية في حديث مع "العربية.نت" أنه "ومنذ الهجوم التركي ترك عدد من المقاتلين الأكراد العمليات ضد تنظيم داعش في منطقة شمال شرق سوريا وأن المطلوب أن يبقى العمل مركزاً على القضاء على التنظيم الإرهابي"، لكن الرائد أدريان رانكين غالوواي لم يؤكّد إن كانت تلك العناصر الكردية تركت المعركة ضد داعش وتوجّهت إلى منطقة عفرين لمساعدة باقي الأكراد في صدّ الهجوم التركي.
من المؤكد أن الأزمة السورية تسير في بعض المنعطفات، لكن العمل الأول بالنسبة للأميركيين هو دحر داعش، وهذه عملية تشارف على نهايتها، أما المهمة الثانية فهي دفع الجميع إلى طاولة المفاوضات في ظل هدوء أمني.