حذرت أجهزة الأمن الإسرائيلية، القيادة السياسية، من التداعيات المحتملة لخفض المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية، خشية من تضرر التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة، والذي تعتبره إسرائيل إستراتيجيًا لإحباط عمليات ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
وحذر ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي، في محادثة جرت مؤخرا مع القيادة السياسية، من انهيار وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وقال إن الوكالة تمنع الجولة القادمة من القتال. رغم تأكيده مزاعم الحكومة الإسرائيلية، أن الوكالة تعمل على "إطالة عمر الصراع، وديمومة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين".
جاء ذلك في أعقاب تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خطاب له خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس السويسرية، الخميس الماضي، أن الولايات المتحدة لن تواصل تقديم المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين إذا لم يعودوا إلى طاولة المفاوضات.
وبحسب صحيفة "هآرتس" فإن الولايات المتحدة تقدم سنويًا مساعدات تقدر بـ30 مليون دولار للأجهزة الأمنية الفلسطينية، بالإضافة إلى خضوعا لدورات تدريبية يقوم بها ضباط أمريكيون بالتنسيق مع الجيش وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وتستخدم الأموال لشراء الأسلحة والتدريبات ودفع المرتبات.
ووفقًا لتقديرات أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي، من دون هذه المساعدات الأميركية، ستجد السلطة الفلسطينية صعوبة في الحفاظ على قدرات أجهزتها الأمنية، وستتراجع رغبتها في مواصلة التنسيق مع إسرائيل. علمًا بأنه في العام الماضي، حولت الولايات المتحدة 330 مليون دولار لمشاريع إنسانية واقتصادية في الضفة الغربية من خلال وكالة المعونات التابعة لوزارة الخارجية الأميركية.
وبحسب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فإن التنسيق مهم أيضا للرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما هو الحال لإسرائيل، خاصة على ضوء التقديرات الإسرائيلية التي تزعم، بأن حماس تحاول تنفيذ المزيد من العمليات من الضفة الغربية المحتلة، في محاولة للحفاظ على الهدوء في قطاع غزة المحاصر. ومع ذلك، يخشى أمن الاحتلال أن يتوقف عباس عن التعاون مع إسرائيل بعد قطع أو تقليص مستقبلي للمساعدات.
وفي إشارة لمدى استفادت إسرائيل من التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، قالت "هآرتس"، إنه وعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت قوات أمن السلطة في منطقة طولكرم، برصد محاولة لمهاجمة مركبات تابعة لجيش الاحتلال، أمس السبت، وعملت على "تحييدها ونقلت المعلومات إلى إسرائيل".
وبحسب "هآرتس"، حذر ضابط كبير، في الأيام القليلة الماضية، القيادة السياسية في إسرائيل، أن توجيه أي ضربة جديدة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تضم بصفوفها حوالي 30 ألف عامل وناشط، يمكن أن يؤدي إلى انهيار وانتفاضة شعبية في قطاع غزة. ورغم أن القيادة السياسية في لإسرائيل وصفت الإجراءات الأخيرة للإدارة ترامب بدءا من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وانتهاء بتقليص المساعدات المالية لـ"أونروا" باعتبارها إنجازا، تقدر أجهزة الاحتلال الأمنية أنها لن تؤدي إلى تحسن في الوضع الأمني.
وبهذا المنطق، يعتبر جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن الوكالة تمنع المزيد من التدهور في الأوضاع في قطاع غزة، وأن الفائدة التي تجنيها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من "أونروا" أكبر من الضرر الذي قد تلحقه الوكالة بإسرائيل. ونقل مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية رسائل تحمل هذا المعنى في محادثات دبلوماسية خلال الأيام الأخيرة. ويرى الجيش أن الأضرار التي لحقت بـ"أونروا"، نتيجة لتقليص التمويل أو التهديد بقطعه، تطال مجال الصحة والمدارس والتعليم والصرف الصحي والغذاء في قطاع غزة، ويقول إنه إذا ما استمر الوضع في التدهور، فإن الآلاف من سكان غزة قد يحاولون عبور الجدار. وأنه في حال حصول سيناريو مشابه، "ليس لدى الجيش الإسرائيلي أي حل لن يؤدي إلى التصعيد".
واعتبرت وثيقة معدّلة لـ"إستراتيجية الجيش الإسرائيلي"، أن الساحة الفلسطينية، الأكثر احتمالا للاشتعال، وأنه ستكون لحركة حماس في قطاع غزة التأثير الأكبر على احتمال التصعيد في الضفة الغربية، وأن على الجيش الإسرائيلي الاستعداد لـ"سيناريو متطرف" لتطور مواجهة مباشرة مع أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مثلما حدث خلال اجتياح الضفة في العام 2002.
وذكرت الوثيقة المعدلة ما وصفته بـ"تهديد منفذ العملية الانفرادي"، وذلك في أعقاب الهبة الفلسطينية التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر العام 2015، عندما تتالت عمليات الطعن والدهس التي نفذها فلسطينيون لا ينتمون إلى الفصائل الفلسطينية، ويوليها جيش الاحتلال أهمية أكبر من عمليات ينفذها مقاتلون في الفصائل