بلال العبويني
تسربت إلينا معلومة مفادها أن مسؤولا مهما طلب من مؤسسة إعلامية أرادت استضافته لمناقشة قرارات الحكومة الأخيرة المتعلقة بالضرائب والأسعار الجديدة، عدم سؤاله عن ذلك وتحديدا ما تعلق منها بسلع تندرج تحت مسؤوليته.
حجة المسؤول، أنه لم يكن يعلم بالقرار المتعلق بالسلع التي تقع تحت ولايته وأنه تفاجأ بها كثيرا عندما سمع بها أول مرة .
لم نكشف عن اسم المسؤول ولا عن السلع هنا، لاعتبار بسيط يتمثل في صعوبة التأكد من المعلومة من ذات المسؤول، بيد أن ثمة ما يؤكد على أن الحكومة لم تناقش القرارات مع المعنيين في القطاعات المختلفة سواء أكانوا اقتصاديين أو أكاديميين أو نقابات مهنية وعمالية أو تجارا أو ما إلى ذلك من أصحاب الاختصاص، والذين قد يكون منهم وزراء عاملون أو سابقون.
ودليل ذلك، الأزمة التي أحدثتها الحكومة بقرار الضرائب المفروضة على الأدوية، والذي رفضته نقابة الصيادلة ومجلس النقباء، لأسباب كثيرة منها ما تعلق بالمرضى الذين سينعكس القرار عليهم سلبا، وسيضيّق العيش عليهم كثيرا بحرمانهم من الدواء المناسب بالسعر المناسب، ومنها ما ارتبط بإجراءات فنية يستحيل معها تطبيق القرار بالسرعة التي حددها القانون الأربعاء الماضي عندما صدرت قائمة الأسعار بالجريدة الرسمية وأصبحت واجبة التنفيذ.
في المملكة 3200 صيدلية و500 مستودع أدوية و23 مصنعاً لها، بحسب نقيب الصيادلة زيد الكيلاني، والقانون لا يسمح للصيدلي العبث بالأسعار ويوقع عليه غرامة من ألف إلى خمسة آلاف إن فعل ذلك، وأن قائمة الأسعار لم تصدر بعد عن الغذاء والدواء وأن من يحق له تغيير السعر فقط مستودع الأدوية، ما يعني، بحسب تصريحات سابقة للكيلاني، أن تغيير أسعار الأدوية في جميع صيدليات المملكة يحتاج إلى سنة على الأقل.
هذا القرار وحده كاف ليدلل على أن الحكومة لا تستشير أحدا، إذ كيف بقرار متعلق بالدواء لا تكون نقابة الصيادلة مشاركة فيه وعلى علم بحيثياته قبل صدوره؟.
الحكومات لدينا تنصب نفسها دائما على أنها "أبو العريف" الذي يعلم بكل شيء، وأن سواها ليسوا أهلا لتقديم المشورة وأن ما لدينا من كفاءات ليسوا بالنسبة إليها إلا صفرا على الشمال، رغم اعتراف كثير من دول العالم بالكفاءات الأردنية والتي يشغل بعضهم فيها مناصب مهمة.
الأكاديميون في الجامعات لا يُستشارون، والنقابات المهنية والعمالية يبدو أنها ليست بيوت خبرة كما كان يقال، والوزراء ومسؤولو الوزارت السابقون ليسوا أهلا للاستشارة وما لديهم من خبرة وعلم ومعرفة أصبح باليا ولا يرتقي إلى بحر العلوم الذي تحوزه الحكومات العاملة.
بالتالي، يكذب من يقول إن الحكومات تجري دراسات مستفيضة على تداعيات أي قرار قبل صدوره، ولو كان الأمر كذلك لما وقعت الحكومة في مأزق مثل مأزق تسعيرة الأدوية، ولو كان الأمر كذلك لشاركت نقابة الصيادلة وغيرها من نقابات وقطاعات معنية بحيثيات قرار زيادة أسعار السلع وتعديلات الضريبة للمساهمة في صياغته قبل صدوره، ولو كان الأمر كذلك لما خرج وزراء سابقون ينتقدون القرار مقدمين اقتراحات وبدائل أخرى وبصيغ مختلفة عن الصيغة التي أعلنتها الحكومة.
للأسف الحكومات لدينا ليست شفافة، رغم ادعائها ذلك، وهي تنظر إلى الاقتصاد على أنه أرقام مجردة ليس له تداعيات أو آثار على المجتمع والناس أو حتى على حركة السوق، والأدهى والأمر أنها لا تشارك أحدا فيما تعتزم من قرارات.//