البث المباشر
حالة الطقس المتوقعة لاربعة ايام الاردنية للبحث العلمي" تستذكر ميلاد باني نهضة الاردن الحديثة ولي العهد يستذكر عبر انستغرام جده الملك الحسين في ذكرى ميلاده الاردني انس الرجال يفوز بلقب المهندس الشاب بولاية تينيسي الأميركية منافسات قوية في الجولة الرابعة من الدوري الأردني للجولف 2025 على ملاعب نادي أيلة عجلون تستعد لحزمة واسعة من المشاريع السياحية والاستثمارية استشهاد فلسطينية برصاص مسيرة للاحتلال شمال غزة الصين: اكتشاف رواسب للذهب كبيرة للغاية في شمال شرقي البلاد الملك يلتقي رئيس الوزراء السنغافوري السفير الإندونيسي: العلاقات الأردنية الإندونيسية متينة وتشهد تعاوناً متنامياً صناعة الأردن: اهتمام ملكي لإقامة شراكات مع فيتنام بصناعة المحيكات أسعار النفط ترتفع بعد هجوم أوكراني على روسيا تراجع نمو الإنتاج الصناعي في الصين مع تباطؤ في الاستثمارات وفيات الجمعة 14-11-2025 "الأمن العام" يحذر السائقين من خطر الانزلاقات مع بدء تساقط الأمطار النحاس والألمنيوم يقلصان مكاسبهما الأسبوعية الذهب يرتفع قليلا في طريقه لمكاسب أسبوعية مدعوما بتراجع الدولار انخفاض ملموس على درجات الحرارة مع بقاء الأجواء غير مستقرة الكرملين: بوتين يجدد التزام موسكو بحظر التجارب النووية نائب الملك يعزي بوفاة والدة السفير الأردني في لندن

قراءة انطباعية في كتاب "الكاميرا تشرق من القدس" للكاتب سليم النجار

قراءة انطباعية في كتاب الكاميرا تشرق من القدس للكاتب سليم النجار
الأنباط -

بقلم: د. تهاني رفعت بشارات

يأتي كتاب "الكاميرا تشرق من القدس" للمبدع الكاتب سليم النجار كعملٍ أدبيٍّ توثيقيٍّ فريد، يلتقي فيه الضوء بالدم، والحقيقة بالذاكرة، والعدسة بالكلمة. هو ليس كتاباً عابراً في سيرة مصوّرٍ أو مشهدٍ من مشاهد الصراع الفلسطيني، بل هو ملحمة إنسانية مقدسية تنسجها روح الوطن وترويها الكاميرا بلغةٍ لا تعرف الصمت. القدس هنا ليست مسرحاً للحدث فحسب، بل هي روح النصّ، وملهمته الأولى، ومركز إشعاعه الذي لا ينطفئ.

منذ الصفحة الأولى، يضعنا النجار أمام القدس ككائنٍ حيٍّ يتنفس من بين الصور، كمدينةٍ تنزف وتبتسم في آنٍ واحد، وكذاكرةٍ لا تشيخ مهما طال الاحتلال. فالكاتب يقدّم الكاميرا لا بوصفها أداةً مادية، بل بوصفها ضميراً وطنياً واعياً، يسجّل الحقيقة لا ليتفرّج عليها، بل ليحفظها للأجيال القادمة في وجه النسيان والتشويه. فالصورة في هذا الكتاب ليست مرافقة للنص، بل هي نصٌّ آخر موازٍ له، يروي ما تعجز الكلمات عن قوله، ويُعيد رسم ملامح المكان والإنسان.

الكاتب المبدع سليم النجار يكتب بعدسة القلب قبل عدسة الكاميرا؛ يصوغ المشهد بروحٍ شاعريةٍ عميقة، ويحوّل اللقطة الفوتوغرافية إلى لوحةٍ تنبض بالوطنية والوجدان. في كل فقرة، نلمح فلسفةً عميقةً عن علاقة الفلسطيني بالصورة، وعن معنى أن توثّق وطناً يُحاول العالم محوه، وأن تجعل من الضوء سلاحاً في وجه التزوير.

الشهيد هاني جوهريه... حين تتحوّل العدسة إلى شهادة

يُفرد الكاتب مساحةً واسعةً في كتابه للحديث عن الشهيد هاني جوهريه، ذلك المصوّر المقدسي الذي جمع بين الإيمان بالرسالة والجرأة في توثيق الحقيقة، فكانت حياته سلسلةً من المواجهة مع الخطر، حتى ارتقى شهيداً وهو يحمل كاميراه في قلب الميدان.

لقد استطاع النجار ببراعة أن يُعيد إلى الذاكرة الفلسطينية وجه هاني جوهريه بوصفه شهيد الضوء والكلمة، لا مجرد مصوّرٍ صحفيٍّ رحل في خضمّ المعركة. فقد جعل من قصّته تجسيداً لمعنى البطولة في بعدها الإنساني والمهني، حيث تتحوّل الكاميرا إلى شاهدٍ على الحقيقة، والمصوّر إلى رمزٍ للفداء.

إنّ الكاتب لا يقدّم جوهريه كسيرةٍ فردية، بل كرمزٍ جمعيٍّ يعكس ضمير كل إعلامي فلسطيني يقف في وجه العدوان حاملاً عدسته كدرعٍ من نور. نرى في الكتاب كيف يصف الكاتب لحظات الشهادة كأنّها شروق جديد للقدس، إذ امتزج النور بالدم، وتحوّلت الكاميرا إلى مشعلٍ لا ينطفئ. بهذا الأسلوب المرهف والعميق، نقل النجار القارئ من دائرة الحدث إلى فضاء التأمل، وجعل من مأساة الرحيل ميلاداً جديداً للحقّ وللصورة الفلسطينية التي لا تموت.

وقد برع الكاتب في رسم الشخصية من الداخل، فجعلنا نرى جوهريه لا بعدسته فحسب، بل بوجدانه، بإيمانه بأن الصورة تستطيع أن تُخلّد ما يعجز التاريخ عن حفظه. ومن هنا جاء حضور الشهيد في النصّ أبديّاً ومضيئاً ، يذكّر القارئ بأن الحقيقة لا تموت ما دام هناك من يرويها بعدسته ودمه.

النجاح الأدبي والفني في أسلوب الكاتب سليم النجار

يتميّز سليم النجار في هذا العمل بقدرةٍ نادرة على الدمج بين الكتابة الأدبية الرفيعة والتوثيق التاريخي الدقيق. فقد أجاد توظيف اللغة العربية بجمالها وثرائها دون أن يفقد النصّ دقّته وموضوعيته. لغته مشحونة بالعاطفة لكنها رصينة، قوية لكنها شفّافة، تمزج بين الجملة الخبرية والتحليل التأملي، لتخلق نصاً يمسّ الروح والعقل معاً.

كل فصل من فصول الكتاب يشبه لوحةً فنية تُضاف إلى معرضٍ كبيرٍ للقدس، حيث تتعاقب الصور والمشاهد في تناغمٍ فريدٍ بين المأساة والأمل. استخدم الكاتب الرمز ببراعةٍ عالية، فجعل من الكاميرا رمزاً للحق، ومن الضوء استعارةً للحرية، ومن الصورة مرآةً للخلود. هذه البنية الرمزية الغنية جعلت الكتاب نصّاً مفتوحاً على التأويل، قادراً على أن يعيش في وجدان القارئ طويلاً.

كما يتجلّى نجاح النجار في قدرته على جعل الصورة نصاً أدبياً ، والنصّ وثيقة بصرية تنبض بالحياة. لا يمكن للقارئ أن يمرّ على الكتاب مروراًعابراً، إذ يجد نفسه مأخوذاً بسحر السرد، ودفء الذاكرة، وصدق العاطفة. لقد جعل الكاتب من الكلمة فعل مقاومة، ومن التوثيق فنّاً راقياً لا يقلّ تأثيراً عن الشعر والرواية.


تخليد النور بالشهادة

في ختام هذا العمل البديع، يثبت سليم النجار أنّ الكتابة يمكن أن تكون نوعاً من الوفاء، وأنّ الأدب حين يحمل عبق الشهداء يتحوّل إلى رسالة خالدة. لقد أحسن الاختيار حين كتب عن الشهيد هاني جوهريه، فلم يكتب عن شخصٍ رحل، بل عن نورٍ باقٍ يسكن ذاكرة الوطن ووجدان الأمة.

أسلوب النجار في هذا الكتاب يتّسم برهافة الحسّ وعمق الفكرة وجلال اللغة. كتب بضميرٍ حيٍّ يرى في الشهيد رفيقاً للضوء، وفي الكاميرا شاهداً للحقّ، وفي القدس قلباً للوجود الفلسطيني. إنّ روعة هذا العمل لا تكمن فقط في موضوعه، بل في الطريقة التي جعله بها وثيقة فنية وإنسانية تحفظ الذاكرة من الاندثار وتُعيد تعريف البطولة في زمنٍ تتنازع فيه الروايات.

هكذا، يُشرق الكتاب كما تُشرق الكاميرا التي تحدّث عنها؛ من القدس، من القلب، من الذاكرة التي لا تنام. ليبقى صوت سليم النجار شاهداً على أن الكلمة حين تكتب بصدقٍ عن شهيدٍ، تتحوّل هي الأخرى إلى شهادةٍ خالدةٍ في ضوء الذاكرة الفلسطينية.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير