الأنباط -
لدينا القواعد والحدود والفواصل، ولكننا نعلق في التفاصيل، نحن نعلم تماما حدودنا وحدود الإخر ولكننا لا نستطيع الوقوف، يغلبنا طابعنا الشرقي في المعاملة ونعطي مع فنجان القهوة غداء وعشاء ومبيت، وقد لا يكون الطرف الاخر قدم لنا شيئا يذكر، ولا يستحق اي كرم أو معاملة لطيفة ولكنها أخلاقنا التي يستغلونها للأسف، واذكر هنا ما حدث بين السادات وكسينجر عندما اراد تحديد عدد الدبابات التي يسمح لمصر بادخالها لسيناء، فقال له السادات ضع الرقم الذي تريد، وهنا صدم كسينجر فحتى في وزارة خارجيته هناك أسس ومرجعيات ورئيس يجب اخذ موافقتهم، وحتى الرئيس هناك قواعد وأسس لا يستطيع تجاوزها، وهناك الشيوخ والإعلام واللوبيات.
ولكننا نحن فقط من نتعامل بهذه الطريقة، ولذلك صدم الوفد الأمريكي في المفاوضات مع المقاومة فهم في كل مرة يجب أن يراجعوا ويأخذوا الموافقات، وهنا اعلن المندوب الأمريكي صراحة لماذا انتم لستم مثل الباقين، فأسلوا هندسها عقل تعرض للخداع من قبل الاكاديمين الصهاينة ثم من قبل الخارجية الأمريكية ثم من قبل الرئيس الأمريكي ثم من قبل الحكومة في الكيان ثم في الأخر حصل الوفد المفاوض على ما حصل عليه والذي نعرفه جميعا.
أقف مع تلك المساحة التي اطلقها مانديلا فإنا ان اخذت مكسبا مقابل مقاومتي فأنا مرتزق، وانا ان علقت في المعارضة فقط دون التفكير في الممارسة فانا قد أخذت السهل وتركت الصعب، وكما اشار ثعلب السياسة الأمريكية بأن ما نريد هو ان تخسر جميع الأطراف دون أن نتعرض نحن للخسارة، وهذا ما حرصت السياسة الأمريكية على القيام به، وتبعها في ذلك الكيان، فإذا كنت استطيع تحقيق الهدف من خلال خلق حالة عداء بين العراق وايران، واستطعت بعد ذلك إشعال حرب بينهما، ثم بعد ذلك امريكا تزود العراق بالإسلحة، والكيان يزود إيران بالإسلحة وهذا ماحدث، فلماذا ادخل انا في حرب من حيث المبدأ.
وحالة العداء هذه هل هي كانت السبب في أن إيران انتهجت نهجا مخالفا لما كانت تقوم به في السابق، بحيث قامت بإنشاء مليشيات في الدول العربية تتولى هي القيام بالمهام التي كانت تقوم بها، وتكون يد إيران في هذه الدول، وهنا يطفو على السطح عدد من لماذا، لماذا إستطاعت إيران توظيف وتنظيم ودعم وشراء ولاء هذه المليشيات الشيعية العربية؟. ولماذا لم تقم الدول العربية الكبرى بتأسيس وتنظيم ودعم وشراء ولاء جماعات سنية في هذه المناطق او في غيرها بحيث تتعادل مع هذه القوى الشيعية او تحيدها في تلك المناطق على الأقل؟. واذا كانت هذه الجماعات التي تدعمها إيران تعتبر عميلة، فهل يحق لهذه الجماعات اعتبار الدول التي تمولها الولايات المتحدة عميلة؟. وهي اي الولايات المتحدة لها دور رئيسي ويد ومسؤولية مباشرة في موت وتجويع وتزويد هذا الكيان بكل الإسلحة والدعم اللوجستي والمالي الذي أدى لهذه الإبادة الجماعية والمذابح التي أرتكبت وما زالت ترتكب؟. ولا أبحث عن إجابة.
وهنا نقف مع بعض القواعد الفقهية التي تتعلق بفقه الثغور المتعددة والواجب المتعدد والواجب المعين والجهة المنفكة، وحتى لا نضيع في تفاصيل بحور الفقه والتي لا اتقنها حقا ولا اسعى لذلك هنا، ولكن هناك فرق بين من وقع عليه الإحتلال وهو تحت وطأة هذه الألة القاتلة لكل شيء، وبين من هو جالس في بيته وبعيد عن هذه المؤثرات في الأحكام.
وهناك فرق بين مناصرة وتحالف فئات تتفق او تختلف في الدين والعقيدة ولكنها متفقة في العداء لهذه الجهة، وهناك فرق بين الموافقة في مواقف والموافقة الكاملة في كل شيء، فحتى المسلمين انفسهم لا يتفقون في كل شيء، وهنا نستذكر قاعدة نعمل فيما كان فيه إتفاق وليس فيه مخالفة شرعية طبعا، ولا ندعم ولا نعمل فيما فيه مخالفة للشرع او المبادىء او القيم او الأخلاق.
ومن هنا مثلا تجد التجمعات المسلمة في الغرب اليوم نفسها في مواجهة مع هذه المفاهيم في كثير من قضايا الحياة اليومية، فمن جهة الأسرة والأخلاق تتفق مع اليمين ومن جهة نصرة قضايا الأمة والحقوق ونصرة القضايا الإسلامية والعربية وحقوق الإقليات تتفق مع الجماعات اليسارية والليبرالية، وهنا تعلق هذه الجماعات كما يعلق غيرها في التوفيق والوصول إلى نتائج، ولذلك هي تعمل مع هذه الجماعات فيما تم الإتفاق فيه، ولا تعمل ولا تدعم في القضايا الأخرى التي تخالف ما هي عليه.
وهذا ما يجد اكثر من باحث انه واجب جماعات المقاومة في كل بلد، فعندما كانت الجزائر تسعى للتحرر من الإحتلال الفرنسي وقف إلى جانبها الدول الشيوعية والجماعات اليسارية فهل هذا يعني بحال ان تتحول المقاومة إلى اليسار، طبعا لا، ولكنها تستفيد من الدعم اللوجستي والمالي والسياسي، وتتعامل مع هذه الدعم وفق هذه الأسس بحيث تدعم مواقفه الداعمة للحرية والعدالة والمساواة ولا تدعم المواقف التي تضطهد وتصادر الحريات والعدل في مواقف اخرى.
ولذلك يختلف السياسي عن الفيلسوف وعن المفكر وعن عالم الدين، فهو يتحرك في هذه المساحة الرمادية كما يشير الباحث في الشؤون السياسية ومعظم افكار هذا المقال هي إثارة لما أثاره وهو الدكتور محمد المختار الشنقيطي، ونعم لا بد لهذه الجماعات التي هي جماعات مقاومة من ان تسعى للتحريك دائما حتى لو لم تستطع التحرير او الوصول إليه.
وان معظم حركات التحرير لم تنجح في المحاولات الاولى ولا الثانية ولا وخذ ما شئت من تضحيات في العدد والمواقع والتواريخ المأساوية التي تعرضت لها هذه البلدان التي وقعت تحت الإحتلال، ولكن الشرط الأساسي في الوصول إلى التحرر هو عدم الإستسلام وعدم اليأس وعدم الوقوف عند التضحيات في سبيل الهدف.
ومن يجب عليه ان يتذكر بإستمرار مآسيه هو الإحتلال الذي يقف مع كل تضحية ويتأثر بكل فعل للمقاومة ولا يمكنه التعامل ولا التجاوز ولا السكوت على افعال المقاومة، ولذلك هو يسعى للتخلص منها وبأي صورة ومهما كانت التكلفة، لأن المحتل لا يحتمل هذه الفاتورة وسرعان ما تبدأ خطوات المقاومة بالتأثير عليه على استقراره وعلى نفسيته ونفسية افراده، وهذا ما رأيناه في كل حركات الإحتلال وما نراه اليوم يحدث في الكيان من هذه الصرفات وهذه الوحشية وهذا العنف، وفي اعداد المهاجرين والأموال المهاجرة والشركات المهاجرة، نعم في مرحلة ما يتكاتف كل محبي ومريدي وداعمي الإحتلال لإطالة عمره، ولكن وكما اثبت التاريخ فإن لكل هذا عمرا محددا وزمنا محدد، وبعدها يسقط كل ذلك.
نحن اليوم نعيش حالة من الإستقطاب الحاد، وهذه الحالة اعادت ترتيب الحقائق لمجوعات كاملة من البشرية، وخلقت هذه الحالة اختراق في الوجدان العالمي، ووضعت القضية الفلسطينية في وجدان الكثير من البشر على اختلاف اديانهم وجنسياتهم وثقافاتهم، ولذلك الخطاب السياسي في المناطق الرمادية التي يتفق عليها مجموعات كبيرة من البشر في هذا العالم أصبح ضرورة، ومراعاة الأخر وفهمه وفهم عقيدته ومخاطبته ضمن حدود إنسانيته أصبح امرا ملحا.
ولا بد من السعي لخلق العالمية اللازمة لإيصال هذه القضية إلى وجدان كل إنسان مهما كانت ملته ومن اي جنسية او دولة كان، وهذا ما كان القائمون على الكيان يقومون به لصالحهم، ويسعون لتوظيف كل الطاقات لتكون في خدمتهم، ويحرصون على خلق النزاعات والخلافات والقضايا البعيدة في التاريخ في الجماعات التي وقع عليه الإحتلال المكاني او الظرفي لتخدم اهدافهم، وهنا نحن نتفق في الهدف ونعمل من أجل الهدف ولا نقر باطلا ولا نسكت على ظلم .
إبراهيم ابو حويله ...