كتّاب الأنباط

هل ضم غزة إلى الاتحاد الأوروبي يحل المشكلة؟

{clean_title}
الأنباط -

د.أيوب أبودية

في ظل الصراع العنيف الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ أكثر من قرن من الزمان، نطرح السؤال حول مدى فعالية فكرة ضم قطاع غزة إلى الاتحاد الأوروبي كحل للمشكلة المستعرة على أرض فلسطين التاريخية: فهل ضم غزة إلى الاتحاد الأوروبي، وربما ضم أراضي السلطة الفلسطينية أيضا فيما بعد، يحل المشكلة الفلسطينية الاسرائيلية المعقدة التي لم تجد حلا دبلوماسيا ولا عسكريا حتى الآن، كما تشهد الحرب الدائرة في غزة؟

يستند هذا الاقتراح على عدة جوانب إشكالية تتعلق بالصراع المحتدم والتأثير المحتمل على الأمان والسلام في منطقة الشرق الأوسط بأسره، نذكر منها: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يُعد الصراع الطويل الأمد بين الفلسطينيين والإسرائيليين على خلفية سياسية تستدعي حلا شاملا ومستداما. إذ نتساءل هل ضم قطاع غزة للاتحاد الأوروبي يمكن أن يفتح أفقًا جديدًا لتسوية هذا الصراع، وهل هو حل خيالي أم أنه ممكن، وكيف؟

إذا تأملنا في تأثير ذلك الانضمام على أمان إسرائيل،فقديُرَى أن ضم غزة إلى الاتحاد الأوروبي قابل لأن يحقق الاستقرار الأمني لإسرائيل، حيث يمكن أن يعمل الاتحاد الأوروبي كوسيط لتخفيف التوترات وتحقيق التعاون الأمني والاقتصادي والتنموي في المنطقة، على نحو ربما يسعف اسرائيل في تجاوز المقاطعة العالمية ضدها والتي باتت تتعمق يوما إثر يوم، وخاصة بعد الحرب المسعورة على غزة التي انطلقت منذ السابع من أكتوبر 2023. فهل هناك من تجارب يمكن التعلم منها؟

هناك الكثير من الدروس والعبر، منها تجربة انضمام جمهورية قبرص إلى الاتحاد الأوروبي، فيمكن أن يستعرض الاقتراح النجاح الذي حققته قبرص في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مما يُلهم ويشجع على دعم مشروع ضم غزة بناءً على تجربة ناجحة في المنطقة، وخاصة لأن ثقافة القبارصة شرق أوسطية مثلنا، وقبرص نفسها تعد تابعة للشرق الأوسط جغرافيا، بل يعدها القوميون السوريون جزءا من الهلال الخصيب.

ولهذاالانضمام الفريد للاتحاد الأوروبي لدولة محدودة السكان كغزة، ولكن ذات أغلبية مسلمة، مكانة خاصة وتجربة فريدة من حيث إمكانية دراسة مدى الاندماج الذي يمكن أن يتحقق على الأصعدة كافة.وربمايؤكد البعض أن تجربة انضمام دولة ذات أغلبية مسلمة مثل غزة ستكون فريدة، بل قد تكون محفزة للنظر في انضمام دول إسلامية أخرى في المستقبل، وأولها تركيا.

وإذا حدث الضم وأصبح فعلا فاعلا وواقعيا، وخاصة لأن الأعداد ليست كبيرة ولا تتجاوز مليوني نسمة بكثير، فإن من شأنه تأمين الحدود الشرقية الجنوبية للاتحاد الأوروبي ولإسرائيل كليهما، فضلا عن التخفيف من التوتر في المنطقة بأسرها، وذلك عبر وجود قطاع غزة في قلب الاتحاد الأوروبي وجزءا منه. بل يمكن عندذاك أن يشكل ذلك حافزا كي تنضم إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي اذا سمحت لها الولايات المتحدة بذلك.

وهناك الدوافع و الأثار الإنسانية لهذا الضم، إذ يمكن أن ينظر البعض إلى أن انضمام غزة للاتحاد يعتبر تكفيرًا عن مشاركة الأوروبيين في النزاع ضد الفلسطينيين، منذ وعد بلفور حتى اليوم، فكما تستمر ألمانيا حتى يومنا هذا في دفع تعويضات لإسرائيل، ألا ينبغي أن يتم تعويض الفلسطينيين عن الكوارث التي ساهم الغرب فيها. وبالتالي، فإن هذا الضم سوف يؤدي إلى تحسين الوضع الإنساني للشعب الفلسطيني، وينهي حالة الحرب المستدامة في المنطقة، ويوقف ذريعة إيران وحزب الله في مواجهة إسرائيل.

وبناء عليه، يظهر اقتراح ضم غزة، والأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية إلى الاتحاد الأوروبي كمرحلة ثانية، كخيار ممكن ومعقول وبراغماتي وإنساني، يحمل مؤشرات إيجابية لتحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، بل وتجربة حية لامكانية توسع الاتحاد الأوروبي في مناطق غنية بالنفط والغاز بات في أمس الحاجة إليها، وخاصة بعد حرب أوكرانيا. وفوق ذلك كله تصبح الأردن على حدود الاتحاد الأوروبي وغير مهددة بتوسع اسرائيل الكبرى الذي هدد به رئيس وزراء اسرائيل، الذي أكره أن أذكر اسمه، في كلمته أمام الأمم المتحدة في أيلول عام 2023 والتي تشي بالاستعداد للحرب قبل بدء عملية طوفان الأقصى.

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )