صدر كتابي "عيوب الأبنية" في طبعته الأولى عام 1991 وخصصت فيه فصلا عن الزلازل، من حيث هي نشاط في الصفائح التكتونية للكة الأرضية، ومن حيث هي قوى مؤثرة على الأبنية ومشروعات الانسان المتنوعة. وبعيد صدور كتابي حدث زلزال العقبة عام 1995 فهرعت لزيارة العقبة ووثقت الأضرار التي حدثت في الأبنية هناك، وخاصة في أحد الفنادق الخاصة العالية حيث تعرضت جدرانه إلى تشققات متوسطة إلى طفيفة تم ترميمها بنجاح، وكذلك فندق العقبة الذي تعرض إلى تشققات حول فواصل التمدد. وقد تم هدم هذا الفندق لأسباب استثمارية فيما بعد.
بداية يجب التأكيد على تنوع المخاطر الزلزالية من منطقة إلى أخرى، فأكثر المناطق خطورة في الأردن هي تلك الواقعة حول البحر الميت صعودا على جانبي نهر الأردن وصولا الى الحدود الشمالية، إضافة إلى خليج العقبة. أما المناطق الأقل تعرضا فتقع حول مدن مثل إربد وجرش وعمان والزرقاء وصولا إلى الشوبك ومعان جنوبا. وكلما ذهبنا شرقا انخفضت المخاطر أكثر. ويعتمد حجم الضرر الذي يمكن أن يصيب الأبنية على عدة عوامل منها: موقع البناء الجغرافي، ونوع مواد البناء، وطريقة البناء، وشكله، وارتفاعه، وبراعة تصميمه، وخصائص التربة الجاثم عليها.
أكثر الأبنية استقرارا ومقاومة للزلازل هي تلك التي تجثم على الصخر، لأن التربة الطرية قد تتعرض للانزلاق أو التميع اذا كانت مشبعة بالماء (كحال الرمال المتحركة)، وأقوى الأبنية في مقاومة القوى المتسارعة المرافقة للهزة الأرضية هي الأبنية الخرسانية المسبقة الصب المتماسكة معا جيدا، وكذلك الأبنية التقليدية من باطون الدك المصفح بالحجر , الى ارتفاع ثلاثة أو أربعة طوابق، بشرط أن تكون طريقة البناء ونوعية مواد البناء جيدة. ولا شك أن الأبنية المصممة أصلا لمقاومة الزلازل من المفترض أن تقوم بمقاومة الزلازل على أحسن وجه.
أمّا أكثر الأبنية تعرضا للضرر في حال الزلازل القوية هي تلك التي ترتفع فوق أعمدة مكشوفة، كتلك الأبنية التي تخصص فيها مواقف للسيارات في الطابق الأرضي، وتلك الأبنية العالية المتلاصقة، والأبنية ذات الأشكال المعقدة غير المنتظمة والمتناسقة. وهي اجمالا قليلة العدد نسبيا في الأردن ولا داعي للقلق. ولكن كي نتجنب الفزعة عند حدوث الزلازل ينبغي الشروع في دراسة الأبنية المهددة بالخطر ودراسة سبل تقويتها، وهذا ممكن وليس بمستحيل، فتجربة اليابان بعد كارثة فوكوشيما 2011 غنية ويمكن التعلم منها ومن غيرها حول العالم.
ختاما، نود القول أن ما نرغب به هو أن نتعلم من تجارب الآخرين، فبعد صدور كودات البناء في الولايات المتحدة الأمريكية لتصميم الأبنية ضد الزلازل بعد زلزال سان فرانسيسكوا الهائل عام 1906، فرضت بعض البلديات القريبة من صدع سان أندرياس الشهير على الأبنية القديمة غير المصممة لمقاومة الزلزل بأن تضع لافتات عند مدخل المبنى تشير لذلك. إذ نأمل أن نركز أكثر في المستقبل القريب على شهادات في الأردن تصدر عن نقابة المهندسين كشهادات المطابقة الحالية والتي تضمن لمالك البناء، عبر المكاتب الاستشارية والفحوصات المخبرية، أن مبناه قد تم تصميمه وتنفيذه حراريا (أي وضعت فيه مواد العزل الحراري والمائي حسب المواصفات)، وأيضا أنه قد تصميمه وتنفيذه لمقاومة الزلازل.
واذا كانت هناك أولوية في موضوع "فزعة الزلازل" فيجب أن تكون متمثلة في التأكد أولا وعلى وجه السرعة من صلاحية المباني العامة كالمشافي والمدارس ومراكز الشرطة والدفاع المدني وغيرها، والتي تقدم خدمات الأيواء والعلاج والأمن في حالات الكوارث. والأجمل والأهم من ذلك هو أن نرى تصنيف الأبنية حراريا وزلزاليا على سندات التسجيل للأبنية والشقق كي تعطيها قيمة مضافة وتكون حافزا للمستثمرين كي يتقنوا عملهم وفق المواصفات الوطنية والقانون الأردني.