دخل الأردن في ورشة اصلاح اقتصادي ستطال مفاصل اقتصاد الدولة التي دخلت المئوية الثانية من عمرها، بما يمكنها من تجاوز الصعوبات والتعافي من تبعات جائحة فيروس كورونا التي طالت غالبية القطاعات الاقتصادية.
وتجتهد الدولة الأردنية بكل أطيافها لتحقيق التعافي الاقتصادي من خلال إصلاحات شاملة وبرامج واضحة بأطر زمنية محددة تتضمن خطوات قابلة للقياس والتقييم والمتابعة، ويكون لها أثر ملموس على حياة المواطنين، وتحفيز النمو وزيادة تنافسية القطاعات الإنتاجية.
ويحظى البرنامج الإصلاحي الذي تعمل المملكة على تنفيذه، بدعم من جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث رسم في رسالة وجهها للأردنيين بمناسبة عيد ميلاده الستين في 30 كانون الثاني الحالي، ملامح المستقبل للبلاد، أكد جلالته فيها "نريده مستقبلا مشرقا نعزز فيه أمننا واستقرارنا، ونمضي خلاله في مسيرة البناء إلى آفاق أوسع من التميز والإنجاز والإبداع".
وقال جلالته في الرسالة "نريده مستقبلا نستعيد فيه صدارتنا في التعليم، وننهض فيه باقتصادنا، وتزداد فيه قدرات قطاعنا العام وفاعليته، ويزدهر فيه قطاعنا الخاص، فتزداد الفرص على مستوى متكافئ، ونواجه الفقر والبطالة بكل عزم، ونحد من عدم المساواة، وينطلق شبابنا في آفاق الريادة والابتكار.
ويتكئ الاردن في "خارطة الإصلاح" التي يعمل على تنفيذها، على مقومات وركائز عديدة، منها الموقع الجغرافي، وصناعة متطورة تصل 140 سوقا حول العالم، وزراعة على مدار السنة، وكفاءات فنية، وشباب مبدع وريادي، كلها مسنودة بحالة فريدة من الاستقرار والأمن.
وتواجه البلاد جملة من الصعوبات الاقتصادية، بداية من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، مرورا بحالة عدم الاستقرار الأمني بالمنطقة، وانتهاء بضغوطات جائحة كورونا، واستضافة المملكة لنحو 1.3 مليون لاجئ سوري.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى كبح معدلات النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، لتسجل نحو 2.4 بالمئة سنويا بالمتوسط خلال الفترة 2010-2019 بالمقارنة مع متوسط نمو بنسبة 6.5 بالمئة سنويا خلال الفترة 2000- 2009.
وفي ظل تراجع معدلات النمو والاستثمارات الأجنبية المباشرة وارتفاع كلف الإنتاج وتبعات كورونا على الاقتصاد الأردني، ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى نسبة 25 بالمئة في نهاية الربع الأول من العام الماضي 2021، مع ارتفاع ملحوظ بمعدلاتها بين الشباب والإناث على وجه الخصوص لتسجل 50 بالمئة و28 بالمئة على التوالي.
وفي ظل هذه المعطيات، قرر الأردن أن يذهب سريعا إلى المستقبل وينجز برنامجا للإصلاح الاقتصادي لإعادة دوران عجلة النشاط بوتيرة أعلى لتدارك معدلات البطالة وتوليد فرص العمل واستقطاب استثمارات جديدة ذات قيمة مضافة.
وسارعت الحكومة الأردنية من أجل هذا إلى إعادة هيكلة التعرفة الجمركية المعمول بها في البلاد لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، وتخفيض كلف الإنتاج والأعمال، لترتبط بتحسين بيئة الاستثمار وممارسة الأعمال، وكذلك لتحسين القوة الشرائية للمواطنين.
وهذا الإصلاح الجمركي سيتزامن مع بدء تنفيذ التعرفة الجديدة للكهرباء، التي سيبدأ العمل بتنفيذها في الأول من نيسان المقبل، حيث سيتم تخفيض كلفة الطاقة على عدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية بما فيها القطاع الصحي والسياحي والزراعي والتجاري والصناعي لرفع قدرتها التنافسية، وبالتالي تحريك عجلة النمو الاقتصادي وتوفير مزيد من فرص العمل.
وأعلنت الحكومة الأردنية عزمها البدء بتأسيس البنية التحتية لخدمات الجيل الخامس في قطاع الاتصالات، من خلال تمكين شركات الاتصالات الأردنية من مشغلي الاتصالات المتنقلة للبدء ببناء شبكة الجيل الخامس للاتصالات المتنقلة وتوفير خدماتها.
ويعتبر الأردن قطاع الاتصالات وخدمات الجيل الخامس ممكّنا ورافعا اقتصاديا عاما، ويرتبط بشكل أساسي بتعزيز التنافسية وجذب الاستثمارات، وبما ينعكس بشكل إيجابي على خدمات التعليم والصحة والنقل ونشاط الصناعة والتجارة والزراعة والبنوك والطاقة ووسائل الإعلام والتثقيف والترفيه وتشجيع الريادة والابتكار، وزيادة فرص التشغيل وبناء الخبرات في مجال الاتصال والبنى التحتية.
وسيعمل الأردن ضمن برنامجه الإصلاحي على وضع قانون جديد لتطوير بيئة الاستثمار والأعمال بالتشارك مع القطاع الخاص لتعزيز الاستثمارات القائمة في المملكة والحد من الإجراءات البيروقراطية التي تعيق عمل المستثمرين وأصحاب الأعمال واستقطاب الاستثمار العربي والأجنبي.
ويسعى الأردن إلى توحيد التشريعات المرتبطة بالاستثمار والأعمال في البلاد تحت مظلة قانون عصري وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، وإنشاء نافذة واحدة لتأسيس وتسجيل وترخيص الأنشطة الاقتصادية، بحيث تحصل الشركات على رخصة ممارسة العمل خلال يوم واحد، بالإضافة إلى تنظيم التشريعات المرتبطة ببيئة الاستثمار والأعمال.
ويرى رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين حمدي الطباع، أن توجه المملكة نحو برنامج إصلاح اقتصادي برؤية جديدة يؤكد ان البلاد بصدد الدخول إلى مستقبل اقتصادي أفضل.
وأكد الطباع الذي يرأس كذلك اتحاد رجال الأعمال العرب، ان المملكة حريصة على بناء رؤية وطنية ثابتة ومحددة وواضحة المعالم تُترجم على أرض الواقع بما ينعكس ايجابا على البيئة الاستثمارية ويزيد من ثقة المستثمرين.
وقال، إن وجود نهج ثابت لخطط اقتصادية يجري إعدادها بالتشاور الحقيقي مع القطاع الخاص ستحسن من موقع ومكانة الأردن على خريطة الاستثمار العالمية وتحسن ترتيبه في المؤشرات الاقتصادية العالمية واستقرار البيئة الاقتصادية الكلية مستقبلا.
وأكد الطباع أهمية التركيز من خلال البرنامج الاقتصادي على الأهداف التنموية وتحسين البيئة الاستثمارية وزيادة تنافسية الصناعات المحلية خاصة الموجهة للتصدير.
من جهته، بين عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمان الدكتور اياد ابو حلتم، ان رؤية الأردن في المرحلة المقبلة التي وضع خطوطها جلالة الملك عبدالله الثاني، تركز على التشاركية بين مؤسسات الدولة والقطاعين العام والخاص، ومنظمات المجتمع المدني وممثلي القطاعات الاقتصادية للخروج بخريطة طريق ورؤية ثاقبة ضمن سقوف زمنية محددة بحيث تخدم اقتصاد البلاد والنمو المستدام.
واشار إلى أن محور وتركيز الدولة الأردنية في البعد الاقتصادي يكمن في جاذبية الاستثمارات الأجنبية وتوطين ودعم وتحفيز الاستثمارات الوطنية، بالإضافة إلى إزالة التحديات أمامها، مشددا على ضرورة تحفيز قطاعات محددة أيضا، وعلى رأسها الزراعة والتكنولوجيا المتقدمة والسياحة.
ودعا ابو حلتم الحكومات المقبلة الى الالتزام بالثوابت الاقتصادية التي وضعتها الرسالة الملكية، بحيث يكون هدفها النمو المستدام، وتحفيز القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الخارجية ودعم وتعزيز الاستثمارات الوطنية، مؤكدا أن برنامج الإصلاح في الأردن يجب ان يرافقه إصلاح إداري عميق، والحد من البيروقراطية، وإعادة هندسة العمليات والخدمات الحكومية، وإزالة المعيقات الإدارية في القطاع العام من خلال تبسيط بيئة الأعمال.
بدوره، لفت الخبير الاقتصادي الاردني حسام عايش الى أن من متطلبات الدول العصرية، أن تكون قادرة دائما على تطوير نفسها وإضافة كل ما هو جديد إلى مفاصلها خاصة الاقتصادية والسياسية.
وأضاف، ان التطوير الاقتصادي يعني تطويرا في الحياة السياسية، وهو جزء من أداء تكاملي مستمر في حركته قدما للأمام بالاستفادة من التجارب السابقة، وهو ما يتطلب تحديثاً وتطويراً، ما يعطي رسالة إيجابية للخارج عن الدولة.
وقال، إن ثقافة الإنجاز والابتكار والتطور، تدفع بالخارج الى دعم استمرارية الإصلاح بالنهج الصحيح نحو الاستدامة والقدرة والجودة والتجدد والشمول، مادياً ومعنوياً، من خلال فتح الأسواق أمام الصادرات المحلية.
واوضح عايش أن كل عملية إصلاحية تحتاج إلى المساعدات والخبرات والدعم والاستثمارات، التي تدفع لاستمرار الإصلاح، وتعكس صورا سياسية تحترم الممارسات الديمقراطية، وتؤسس لمستقبل أكثر اتساقاً وشمولاً على مستوى الأنظمة والقوانين والسياسات والأفراد والمدخلات.
من جانبه، قال الأستاذ في قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة اليرموك الدكتور سهيل مقابلة، إن أساس الإصلاح الاقتصادي يستدعي إصلاح الاستثمار والإجراءات المتعلقة به، داعيا إلى إزالة كل العراقيل المتمثلة بالمنافسة القوية مع ما تقدمه دول الجوار، وتقديم الحوافز الاستثمارية التي تفوق ما تقدمه دول أخرى محيطة بالمملكة.
واقترح مقابلة، الاستمرار في تحقيق النافذة الاستثمارية الواحدة، وعدم الاكتفاء بها، بل ربطها بجدول زمني محدود للحصول على الموافقات بسرعة، دون احتكاك المستثمر المباشر مع الجهات ذات العلاقة، داعيا إلى تشجيع الاستثمار بالطاقة المتجددة، خاصة الشمسية، وتخفيض الكلف بما يعزز القدرة التنافسية للسوق المحلية.
إلى ذلك، بين المستشار الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن البلبيسي، أن الأردن يتمتع بالأمن والاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني رغم وجوده وسط منطقة ملتهبة، ومواجهته للعديد من التحديات، الامر الذي ينعكس ايجابا على الاستقرار في السياسة النقدية، من حيث استقرار سعر صرف الدينار ووجود احتياطيات أجنبية كافية، حيث تمثل كل تلك العوامل نقاط قوة للأردن.
وأشار إلى أن بيئة الاستثمار المستقبلية، ستتميز بوجود كفاءات ناتجة عن مخرجات تعليمية متميزة، تعزز وجود الأردنيين في أسواق مختلف الدول كمنافسين عاليي المستوى، مؤكدا أن وجود بنية تحتية جيدة من صحة ونقل وتعليم يعد نقطة تفضيلية رغم شح الموارد ووجود عجز في الموازنة.
(بترا وفانا- سيف الدين صوالحة)