الأنباط -
وأفقتُ من زمنى فأيقظتُ الكُرى... فأبصرتُ عيداً يُقبِلُ نحُونَا مُتجلياً
قد أطلت ليلته بدراً... فلما رآها ظلامُ الليلِ عاد إلينا فأنقشعْ مُتباهياً
قد إنقضى شهـرُ الصيامِ بِفضلهِ... فجلستُ أترقبُ بدراً قد أضاء الكونُ بهِلالُه مُزهواً
كبُرت معى طُقوسِ العيدِ ما بين حُبٍ جديدٍ وفقدٍ... والعمرُ وجعاً يمضى مع أيامهِ مُستكبِراً
وأنا وكما أعتدتُ فى طُفولتى... أنظُر بعيناى فى سماءِ يومَ العيدِ بين النُعاسِ واليقظْ مُتأرجِحاً
تَذَكَّرتُ أطفالاً فى مباهِجُهُم صباح عيدٍ... يصرُخُونَ يا عيداً فى صُبْحِكَ الآتى بدراً مُشرقاً
عرفتُ أُناساً كُلُ عيدٍ، إذا ما إقتربنا إذ نفترق... ومازلتُ على أعتابِ خوفٍ قد أعترانى مُترقِباً
وعِند الفُراقِ تطيبُ نفسى... بأن العيد يروى أوقاتُنا راحة، وهو يعودُ ويمضى كُلّ عامٍ مُتسامِحاً
كم من ثيابٍ جديدةٍ ملئت فُؤادى بالحنينِ... فهنيئاً لنا بالعيدِ بهجتهِ وفرحة لقائنا به بالوردِ مُستبشِراً
طُفتُ بخيالى هذا العيد مُستأنِسة... علنىّ أسترجعُ ذكرياتِ أحبتى وفى عيونى دمعاً سال لتوه مُتدفِقاً
ومضيتُ نحو وسادتى أكتبُ لِكُلِ من فارقونا أو غادرونا... وأنا لتوى أبكى رُغماً عنى غيثاً وأنجُماً
فتذَكَّرتُ كيف بأن ليلةَ أمسٍ كان بشْراً يملؤنهُ حولُنا... لكنهُم ذهبوا جميعاً، ولم يتبقَ إلا بعض الأثر منهُم مُتوهِجاً
طافت بنفسى أُمنيةً لعله بالعيدِ تصفُوا النفوسُ مُتودِدة... وطبائعُ بشراً تكسو الوجوه شُرُوخاً مُتبقياً
فأشرتُ بكفِ يدى الصغيرِ أتحسسْ خُطايا... وأنا أُمجدُ أياماً مع الرِفاقِ، وحين كان موكبُ العيدُ يدنُو منا صاخِباً
وبعد أن طالَ الظّمأ بى مُتلهفة... مازال قلبى يرفرفُ فى إنتظارِ حُباً جديداً قد تلاقى فى السحابِ مُتشوقاً
أينعتُ وجَفَتْ فى تِلكَ السنينِ الطُوالِ أدمُعى... والعمرُ يجرى بى وبأحبتى، وشعرٌ أبيض قد أستقر مُتحسِساً
فكُلُ عيدٍ يأتى ويمضى، وليالى عُمرٍ تنقضى... فما شربنا إلا تلك الليالى التى إنسكبت وأخذت منا شيئاً خافتاً
كُئوساً عديدة قد أكفيتنا وقربتنا... ولكنها فى الوقتِ ذاته قد أخذت منا وعوداً أو حبيباً زائفاً
فأعدتُ شريطَ الذكرياتِ وأنا أرتشفُ فنجان قهوة... وبرفقتى شئٌ تبقى منى أثراً طيباً
لم يبقَ من عيدنا إلا الذى تَرَكَتْ لنا يداهُ... وما أعطى وما وَهَبْ من ذكرياتٍ للصبايا مُورِقاً
وكما العادة فى كُلِ عِيدٍ... أنظُرْ ليختٍ قد أثقلتْه حُمولته، يشقُ طريقه فى البحرِ مُتثاقِلاً
فأحاطت به النظراتُ من كل صوبٍ مُتفرِسة... لعلها تأخُذْ ما قد تبقى من حُمولته بكُلِ مكرٍ غاصِباً
وأنا أُبصرُ وحدى تلك العجوزُ البعيدة... فلا تتوقُ نفسها إلى ما ليس به شأناً لها تعفُفاً
ُقد هزها الجُوع بعد طُولِ صيامٍ... فثبتها بفضله وبعد طُولِ عناء كرماً ماثلاً
قد علمتنى التجرُبة أن نمطاً فريداً من البشر... كتِلك العجوز هُمْ أغنياء النفسِ بما نفيضُ بهم عليه جوداً وكرماً مُتجذراً