الأنباط -
التقيت قبل ايام بمجموعة من اصدقائي واخواني شباب لواء الاغوار الجنوبية - مسقط الرأس ومهوى الفؤاد - وأخذنا نتبادل أطراف الحديث في قضايا مختلفة تهم الوطن بشكل عام واللواء بشكل خاص ...
ما آلمني خلال حديثي مع هؤلاء الشباب ان من بينهم حملة شهادات الدكتوراة والماجستير والبكالوريس منذ سنوات ولم يحصلوا على فرصة عمل .... والله اعلم كيف "دبروا" تكلفة دراستهم !! لا يحلمون الا بوظيفة ودخل ثابت يحفظ لهم كرامتهم.
تحزن على مثل هؤلاء الشباب وينفطر قلبك ليس لأنهم ابناء جلدتك فقط ... ولكن لأن ابسط حقوقهم أصبحت مجرد أمنيات ...
تحزن على مثل هؤلاء الشباب عندما يتركون بلا عمل وبلا استثمار لطاقاتهم ونطلب منهم بنفس الوقت أن يكونوا مبادرين ومنتجين ومؤثرين في مجتمعهم مع أننا تركناهم وقودا هشا لنار البطالة واليأس والاحباط ...
قد يتهمني البعض بأنني جهوي وانحاز للكتابة دائما عن الغور ... لست كذلك ولكنني عشت واقع الغور المرير بكل تفاصيله ... فقر، بطالة، جوع، ظروف جوية قاسية، بُعد عن الصالونات السياسية ومراكز صنع القرار..
لقد اقتضت طبيعة عملي ان اسكن واستقر خارج الغور ولكنني لم أنسى معاناة اهلي وربعي واصدقاء الطفولة الذين تقاسمت معهم الفرح والألم ... وعشت معهم احلاما جميلة وضحكات بريئة رغم أن الفقر كان يطوقنا من كل الجوانب ...
كنا نعيش في مجتمع بسيط لكنه مترابط ومتماسك ...كان يحمل قيما نبيلة ومُثلا عُليا ....
وعندما كبرنا ادركنا بأن بأن هذه القيم والمُثل بدأت تتلاشى ...
وادركنا ايضا بعد فوات الأوان أن الاستقرار والطمأنينة والمساواة لن تتحقق ما لم تكن هنالك عدالة أجتماعية ... والعدالة لن تتحقق الا اذا ابتعدنا عن شبح الظلم والقهر بتوزيع الثروات وفرص التعليم وخدمات الصحة وتضييق الفجوة بين طبقات المجتمع وتولي المواقع القيادية وعدم احتكارها ...
انه الغور الجميل بكل ما فيه ... وكل ما فيه يستحق الرعاية والاهتمام ...
انه الغور الذي يشكل عمق الزخم الانتخابي في الكرك الأبية وخزان الاصوات الوفية ...
انه الغور .... المكان الاكثر فقرا على مستوى الوطن والاقل تمثيلا على المستوى السياسي في الدولة الاردنية ....
الفقر بالنسبة لنا في الغور ليس فقط الافتقار الى مصدر رزق دائم وانما يتعدى ذلك الى الاستبعاد والاقصاء وانعدام فرص المشاركة في صنع القرار ....
انه الغور الذي ما زال يدفع ثمن فاتورة تجاهل الحكومات المتعاقبة له ...