الأنباط -
أبا عامر يا سيّد الفقد، وشيخ الود أوجعنا الرَّحيل، وغرَّ بِنا الدليل في مساحات الفاجعة ، وأثقل علينا الصبر في مسافات الدموع الحرّى بعتابك الذي تبدّى لنا يوم غبنا عنك مضطرين لا راغبين بعد أن أنهكك الصمت، وتسلل إليك ذاك الألم العنيد الذي أصرَّ على أن يفقدك النصيحة لجيل بأسره، وإخلاص عزَّ نظيره لوطن بأكمله حتى غبت عنا وغاب وجهك الوضّاء الذي انار عتمة أيامنا وأشعل شموع انتظارنا.
يا شيخ الوفاء العنيد لقطرة ماء الأردنيين يوم تخلّى العلماء والسَّاسة عن جرأة الاعتراف؛ فكنت الصوت الحرّ الذي أخلص للوطن، والقيادة، والتراب، والكلمة الصادقة التي ارتدت عن آذانهم نكراناً وردّة، وملح الأرض الذي حاز أرفع الجوائز العالمية في الإبداع، والبحث العلمي، والتَّميز، وخدمة الوطن، فقد بقيت وفيَّاً لمبادئك، ووطنيتك بروح الباحث المنصف الذي لا يذلل المبادئ لتصاريف السياسة المقيتة.
يا سيّد الحلم مع أهلك، وأشقائك وأنا منهم، كم قسينا عليك فاستوعبتنا بالحلم، وتجليات الصبر حتى اذا تجلى العناد مرة تلو أخرى استبقيت الرجاء وتجشمت العناء إلى محاولة أخرى فكنت الحكم، والحكيم مع كل الذين عرفوك وأحبّوك، فلك مِنّا دمع القلوب قبل العيون الذي لن يعزّ عليك أيها النبيل، ولك علينا الدعاء بإن يجمعك الله مع كريمة النساء، وسيدة الوفاء (أم أنور) وتاج الصبر والتضحية (أبو أنور) ونهلة رحمكم الله جميعاً في جنَّات عدن مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقًا.
لا أدري -أيها الراحل الكبير- إن كنت أرثيك عالماً فذَّاً، أم أستاذاً مميزاً، أم نصيراً لطلبة العلم والفقراء، أم حكيماً خدم الدولة الأردنية وأسس جامعة أضحت مثار فخر الأردنيين وأوفد مئات الأردنيين بشفافية ونزاهة ومساواة إلى أعرق الجامعات العالمية في الجامعة الهاشمية، والعلوم والتكنولوجيا، الأردنية، وأخلص في كل المواقع التي شغلها في الجامعات، والمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيات، ومجالس الأمناء، وجمعية البحث العلمي التي أثرت البحث العلمي في الوطن ام ارثيك لنضالك العنيد من أجل رفع نسبة مخصصات البحث العلمي في موازنة الجامعات وربط البحث العلمي بالاحتياجات الوطنية في كافة القطاعات.
اليوم، نحن أولئك الذين أوجعنا رحيلك ندرك حجم الفراغ بغيابك، ومساحات الغربة والاغتراب بدونك، اليوم سندرك كم هو قاسٍ فقدان مهابة حضورك، وعندما يسود الصمت المطبق مع تجليات بوحك، اليوم لن يحسم أمر في أرواحنا المتعبة كما هو منطوق قرارك، اليوم سنذرف الدمع كثيراً؛ لأن الحلقة لا يمكن أن تكتمل أو تزداد ألقاً وأملاً إلا بلقائك، اليوم ذهبت معزياً فوجدت أن كل الأشياء الجميلة التي أضاءت حياتنا رغم وجودها قد غابت بغيابك.
أواه عليك يا شقيق الروح، أواه عليك يا أنيق الطلعة، وبهيّ الطلَّة ستبقى العيون شاخصة إليك رغم رحيلك في أول يوم من كل عيد، وأعدك أن أبقى وفيّاً لكل أهلك ومحبيك.
رحمك الله يا أخي، وأسكنك فسيح جنانه، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله....