منذ ان انتشر وباء فيروس كورونا المتطور ( كوڤيد 19 )في العالم ووصوله إلينا كثر الحديث عن مسؤولية الحكومة والمواطن للتصدي لهذا الوباء وعن النواحي الإيجابية والسلبية لكل منهما في هذا المجال .
وفي حديثي اليوم سأطرح وجهة نظري في هذا الموضوع وسوف أسعى ان يكون ذلك بصورة حيادية بقدر الإمكان لا تهدف الا المصلحة العامة ، مع التأكيد ان ما سأقوله يمثل وجهة نظري الشخصية والتي لا ادعي لها الكمال ولا احتكار الحقيقة .
بداية لا بد من الإقرار ان المسؤولية تقع على كاهل الحكومة وأنها هي من سيتحمل في النهاية النتيجة سواء اكانت النجاح أو الفشل . لكن لا بد من الإقرار ان من أسباب نجاح الحكومة أو فشلها هو موقف المواطن وما يقوم به ومدى استجابته للإرشادات الحكومية . وأنه وبالرغم من كل شيئ فيجب الإقرار بالنجاحات التي حققتها الحكومة في هذا المجال والتي جعلت الاردن محط أنظار واعجاب وإشادة العالم كله لما قام به من إجراءات لمواجهة هذا الوباء ومدى النجاحات التي حققها والتي جعلت الاردن من اقل دول العالم إصابات به قياساً لعدد سكانه والأعلاها بنسبة الشفاء والتي تجاوزت الخمسين في المائة في حين ان نسبتها في كثير من دول العالم لا تكاد ان تصل إلى الربع . وان عدد حالات الشفاء اليومي يزيد عن حالات الإصابات الجديدة به ، وان نسبة حالات الوفاة لا تكاد تبلغ الاثنان في المائة من المصابين في حين انها تبلغ في دول أخرى متقدمة تملك إمكانيات كبرى فوق السته بالمائة . وكل ذلك يدل على نجاح الإجراءات التي قامت بها الحكومة مع الإقرار انه كانت هناك بعض الإخفاقات في بعض هذه الإجراءات ولكن الحكم عليها لا يجب ان ينفصل عن الإنجازات التي تحققت وان لا تكون هذه الإنجازات مبررا لهذه الإخفاقات أو تشفع لها .
كما مما لا شك فيه ان هذه النجاحات التي حققتها الحكومة ما كان لها ان تتحقق لولا وعي الغالبية العظمى من المواطنين وتعاونهم والتزامهم بتعليمات الحكومة وتحملهم لتبعات الإجراءات الحكومية . الا ان عدم توفر الوعي الكافي لدى قلة قليلة من المواطنين قد وضع العصي في إجراءات الحكومة في الكثير من الأحيان ومن دلائل ذلك عدد مخالفات تعليمات حظر التجول للأفراد والمركبات اليومية . وحالات عدم الالتزام بالحجر المنزلي من قبل بعض من عليهم القيام بذلك لكونهم مشتبه بإصابتهم أو لكونهم مخالطين لاناس مصابين مما سبب إصابات متعددة بين أفراد عائلاتهم والمخالطين لهم . ولا اريد ان اذكر حالات محددة في هذا المجال لابتعد عن شخصنة حديثي ولكنها كانت حديث الشارع الأردني خلال الفترة الماضية .
وكان من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تعطيل الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة والدراسة والتجمعات العامة بما فيها الصلاة في دور العبادة وما ترتب على ذلك من وقف العجلة الاقتصادية وتوقف الاعمال في المصانع والشركات في عمومها وحتى الصغيرة منها وانقطاع الدخول لنسبة كبيرة من العاملين بالقطاع الخاص وعمال المياومة مما جعل الحكومة تحت ضغط اتخاذ قرارات تعيد الحياة لبعض المفاصل الاقتصادية . عندها قررت الحكومة القيام ببعض الخطوات بهذا الاتجاه ضمن شروط وإجراءات معينة وبدرجة محدودة في البداية مع اتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن مراعاة الشروط الصحية وحسب الأولوية . وهنا اصبح اصحاب كل قطاع اقتصادي يدعي انه هو الأهم وانه الاولى وانه الأقدر على استيفاء الشروط الصحية . وقد قام اصحاب هذه المصالح بالضغط على الحكومة لتسمح لهم بالعودة لممارسة نشاطاتهم من خلال تخليهم عن عمالتهم والتي كانت مصدر نجاحهم وجمع ثرواتهم بفصل بعضهم والتمنع عن دفع رواتب بعضهم . كما ان اصحاب المهن والمصالح الصغيرة وعمال المياومة والذين يعيشون على نتاج عملهم اليومي طالبوا بإيجاد حل لوضعهم مما وضع الحكومة امام ضرورة اتخاذ قرارات تلبي الحد الأدنى من المطالب دون التنازل عن الحد الأدنى من الإجراءات الصحية . فكان امر الدفاع السادس والذي كان له ما له وكان عليه ما عليه والذي ليس في واردي الدخول في تفاصيله الان . الا ان هذا الأمر لم يحقق كل مصالح ارباب العمل ولا حقوق العمال كاملة ولم يضع حلولاً للعمالة اليومية لصعوبة تحقيق ذلك في هذه الفترة مما اثار حملة شرسة عليه لم تراعي الحقائق على الأرض وصعوبة الموائمة ما بين مصالح الطرفين كاملة مع التشدد بالإجراءات الصحية ومحدودية الإمكانيات المادية امام المطالب والاقتراحات التي طالب بها البعض والتي وصلت إلى درجة المطالبة من الحكومة بإنفاق مبالغ مالية قد تبلغ المليارات لسد احتجاجات الجميع دون اعتبار مدى توفرها أو عدم توفرها ، وعن تنازلها عن الكثير من مصادر دخلها دون ان وجود البديل عنها . وهنا تحول الكثيرون من حالة الإعجاب بالإجراءات الحكومية وما قام به بعض أعضائها والى درجة مبالغ فيها إلى حالة من النقد الشديد والمبالغ فيه وخاصة في هذه الظروف والتي استغلها البعض لتصفية حساباته مع الحكومة أو على الأقل مع بعض أعضاءها دون ان يتم طرح أي افكار عملية قابلة للتنفيذ ، أو مع طرح شعارات ومطالب لم تستطع الحكومة الحالية أو الحكومات السابقة لها تحقيقها في ظل ظروف كانت متاحة لتحقيق ذلك . وفي نفس الوقت فقد كان موقف الغالبية العظمى من اصحاب الأموال وأصحاب الاعمال والأثرياء مخيباً للآمال لتخليهم عن القيام بواجبهم الوطني في هذه الظروف مع ان ثرواتهم تم اكتنازها من ثروات الوطن وعرق العاملين لديهم وبعضهم من مصادر غير مشروعة . وحتى التبرعات التي تم جمعها فكانت في غالبيتها من شركات مساهمة تساهم الحكومة في قسم منها مما يعني ان هذه التبرعات هي من أموال الحكومة وأموال المساهمين ومعظمهم من صغارهم . بالرغم من كل المحاولات والمناشدات لأصحاب المال للتبرع بقسم من أموالهم الا ان آذانهم كانت واحدة من طين والثانية من عجين أو وكأنهم صم لا يسمعون وعمي لا يرون .
ورغم كل الصعوبات والمعوقات فقد سارت الحكومة في طريق التصدي لهذا الوباء . وكان من أساليب ذلك اجراء مسوحات لعينات عشوائية من المواطنين وفي جميع أنحاء المملكة والتي جاءت نتائج غالبيتها العظمى سلبية مع محاصرة البؤر التي تقع فيها إصابات وملاحقتها وعزل المصابين فيها . وقد انعكس ذلك بشكل إيجابي على أعداد المصابين حيث شهد انخفاضا ملموسا وسجل صفر إصابات في احد الأيام مما رفع درجة الأمل بقرب انحسار هذا الوباء لولا بعض الإهمال من عدد محدود من المواطنين الذين ساهمت تصرفاتهم بظهور المزيد من الإصابات وان كان ذلك في مستويات محصورة وقليلة ، حتى ان محافظة اربد والتي كانت قد شهدت إصابات متعددة تطلب الأمر وضعها تحت الحجر الكامل اختفت فيها الإصابات إلى ان انعدمت وأصبحنا نعد الأيام لها لإعلانها منطقة خالية من الوباء حتى بلغ عدد الأيام عشرة ليتم الإعلان عن اكتشاف حالة إصابة فيها لسائق يعمل على الخطوط التجارية مع الدول المحيطة بنا . مما سبب حالة من الصدمة لدى المواطنين وخاصة سكان اربد بالإضافة للمسؤولين والعاملين بمختلف الأجهزة لمكافحة هذا الوباء .
وقد كشفت هذه الحادثة عن وجود قصور في الإجراءات الصحية والوقائية في المركز الحدودي الذي قدم منه السائق حيث لم تجرى له فحوصات كاملة وتم الاكتفاء بالطلب منه حجر نفسه بمنزله الأمر الذي لم يقم به مما أوجد مخاوف من ظهور حالات إصابات متعددة في اربد . وقد انعكس هذا الأمر على شكل حملة شديدة من قبل بعض المواطنين على الإجراءات الصحية هذه ووصلت الحملة لتنال الإجراءات الحكومية بشكل عام واتهامها بالفشل في تصديها للوباء متناسين الإنجازات التي تم تحقيقها والتي لا يزال العمل جارياً على تحقيق المزيد منها ، ومتناسين عدد الحالات التي خالف فيها المواطنين إجراءات حجر أنفسهم في منازلهم . قد وصلت هذه الحملة إلى طلب استقالة بعض المسؤولين من مواقعهم والى إغلاق الحدود أمام الشاحنات متناسين أهمية السماح لها بالحركة في ظل هذه الظروف . أو الطلب بحجر كل القادمين لمدة أربعة عشر يوماً وعلى نفقة الحكومة .
ومع انني اتفق مع مطالب التشدد بالتدقيق على القادمين الا انه يجب الأخذ بعين الاعتبار اننا نتعامل مع عدو خبيث لا زلنا لا نعرف عنه شيئاً . وأنه مهما كانت الإجراءات مشددة فأن ذلك لا يقدم ضمانة كاملة بعدم تسرب مصابين بهذا الوباء حيث يمكن ان يكون فيروس هذا الوباء علق بالشخص القادم للبلاد قبل وصوله الحدود ببضع ساعات وعندها فأن نتيجة فحصه سوف تظهر سلبية إلى ان يتمكن الفيروس منه وتظهر علاماته عليه بعد ان يكون قد دخل البلاد . وان الكثير من هذه الحالات سوف تظهر مستقبلاً سواء مع احد السائقين أو مع بعض المواطنين الأردنيين الذين تقطعت بهم السبل خارج البلاد عندما يتم السماح لهم بالعودة إلى وطنهم الأمر الذي لابد وان يحصل في مرحلة ما . وأنه لا يمكن ان نصل إلى مرحلة الأمان من هذا الوباء الا بعد اختفاء الإصابات به بكل العالم وان الطريق إلى ذلك لا يزال طويلًا وأنه يتطلب المزيد من التحمل واتباع التعليمات التي تصدرها الجهات المسؤولة وخاصة الحجر المنزلي لكل القادمين أو المخالطين مهما كانت فحوصاتهم الأولية سالبة ، وان نعرف انه لا سبيل لدينا الا التعاون ما بين الحكومة والمواطنين وان يقوم كل طرف بالقيام بمسؤولياته وواجباته وان نبتعد عن أسلوب الاتهامات وإلقاء المسؤوليات على الآخرين .