وليد حسني
بالرغم من أن الأردن هو الدولة العربية الثالثة التي تقيم علاقة سلام علنية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد مصر والسلطة الفلسطينية إلا أنها تبدو الدولة الأكثر تأثراً بما يجري في الإقليم الذي يكاد يقيء من تزاحم الخطط والخرائط التي بدت أكثر من خطرة حين أطلت برأسها في مؤتمر وارسو.
رئيس وزراء احتلال الإسرائيلي نتنياهو أظهر اطمئنانه لسلسلة الاختراقات التي أنجزها في التقارب مع دول عربية ظلت حتى وقت قريب الأبعد عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الإقليم ، ظهرت سلطنة عُمان وكأنها الدولة الرابعة المرشحة للحاق بركب السلام العربي الإسرائيلي ، ولتكون بوابة اسرائيل المنفتحة على إقليم الخليج الفارسي بما فيه بالطبع إيران نفسها.
وبالقرب من سلطنة عُمان ثمة اختراق فاضح لليمن في جناحه الشرعي الذي يتمتع برعاية خليجية مباشرة في مواجهة التمرد الحوثي، هناك في وارسو ظهر اليمن في موقف سلطته الخليجية الشرعية وكأنه يغزل سجادة علاقاته مع إسرائيل وكأنما يراد لليمن كما لعُمان ان تكونا بوابتا السلام الإقتصادي العظيم بين دولة الإحتلال ودول الحزام النفطي العربي.
اسرائيل التي تريد سلاماً اقتصادياً واستثمارياً مع الفلسطينيين والعرب دون الأرض، لم تعد معنية تماما بشريكها الأقرب في فلسطين المحتلة"ألسلطة الفلسطينية" ، وهذا ما تدعمه خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يريد هو الآخر سلاماً اقتصادياً بلا أرض أو سلطة أو حتى شعب، ولم تعد إسرائيل تبدي شيئاً من الإحترام لجارها الأكثر قرباً من القضية الفلسطينية " الأردن" الذي قد يكون قربه منها أكبر حجماً وتأثيراً من قرب بعض رجالات السلطة الوطنية الفلسطينية من القضية نفسها.
هناك في وارسو تحدث وزير الخارجية أيمن الصفدي بوضوح عن عقيدة الأردن الفلسطينية "لا سلام في المنطقة بدون حل عادل للقضية الفلسطينية، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في إقامة دولتهم الحرة المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1967".
هذا الجدار الأردني السميك سيجعل من الأردن لاحقاً صخرة تغلق الطريق على إسرائيل وأمريكا بعد ان يعلن ترامب عن صفقة قرنه في نيسان المقبل ، وسيجد الأردن نفسه في أتون معركة ضارية قد
تجعل منه هدفاً مباشراً ومفتوحاً لإجباره على القبول بما سيقبل به العرب شركاء إسرائيل المحتملين في الوقت القريب، ولربما سيكون منهم رجالات في سلطة رام الله.
الأردن ما بعد مؤتمر وارسو سيبقى يجدف منفرداً في تسونامي التمدد الإسرائيلي في الجغرافيا العربية، وهو بالتأكيد تمدد مجاني قدمه العرب لنتنياهو على طبق من ذهب وهذا ما جعله يكتب على حسابه في التويتر" نصنع التاريخ" وهو يجلس بالقرب من وزير خارجية السلطة اليمنية الشرعية خليجياً خالد اليماني.
والأردن ما بعد بعد وارسو قد يجد نفسه في عزلة حتمية إذا ما ظل متمسكاً بموقفه الذي لا يمكنه التنازل عنه ، أو مغادرته الى موقف آخر أقل ليناً واستسلاماً لواقع قد يكلف الأردن والفلسطينيين الكثير من الخسائر الباهظة إذا ما أصبحت المواجهة حتمية مع مشروع ترامب وصفقة قرنه ، وانفتاح دولة الاحتلال على شواطئ الخليج الفارسي.
في مرحلة ما بعد بعد وارسو سنفاجأ بتحول البوصلة الصراعية من فلسطين إلى إيران وهذا هو الهدف الأساسي من مؤتمر وارسو، وفي مرحلة ما بعد بعد وارسو ستتعزز مكانة إسرائيل علناً مع دول عربية عديدة قد يتحول الخليج معها الى مجال حيوي استراتيجي لإسرائيل اقتصادياً ومالياً وسياسياً، وستصبح القضية الفلسطينية بكاملها مجرد زائر غريب غير مرغوب فيه .
والأردن ما بعد بعد وارسو يحتاج هذا الأوان لخطة اسراتيجية صلبة لمواجهة مرحلة التنازلات الكبرى التي سيشهدها عالمنا العربي لصالح إسرائيل أولاً، بما سيجعلنا في الأردن نحصد الحصرم على مضض.