كتّاب الأنباط

مجالدين ومسارح وصوامع

{clean_title}
الأنباط -

 

   عامر الحباشنة

كيف لمراقب اضطر في زمن التواصل الاجتماعي بكل أصنافه أن ينجو من حالة الفوضى والخلط على تلك المنصات،  وكيف له ان يواجه هذا السيل الجارف من الأخبار والتعليقات والتغريدات والفيديوهات التي تتعرض لكل حدث في الوطن صغر أم كبر،  وتكتمل الحالة باختلاط الحابل بالنابل وتتداخل الخنادق والمصالح بالاهواء، فكل يهرف وكل يعرف ولا ميزان ولا مرجعية للحديث، ولا مسؤولية تجاه المواقف.

منذ أسبوع والجهات الرسمية تحضر لحدث كان يراد منه أن يكون حدثا سينمائيا دعائيا وهو بالأصل حدث فني لاغير، وهنا قد يتحفظ البعض على موضوع الاحتفالية لأسباب، وهي كما قلت ليست جوهرا في عملية إزالة الصوامع القديمة التي تم استبدالها بأخرى أكبر سعة وأعلى تقنية.

فكان أن تمت إحالة الأعمال على شركة وطنية تملكها القوات المسلحة، والتي بدورها احالت الجزئية المتعلقة بالهدم لشركة تركية متخصصة ولها باع بهذا المجال، وحدث أن تم ترتيب مسرح الحدث بالاطار الفني والاحتفال الرسمي، وما أن حانت ساعة الحقيقة حتى فشل التفجير باحدات الهدم المطلوب، وهذا أمر يحدث من الناحية الفنية وإن كان غير اعتيادي.

إذن، حدث بهذه الاحتفالية والتغطية الإعلامية المباشرة يواجه اشكالا فنيا غير متوقع وفي لحظة غير متوقعة، وهذا أمر يحدث من الناحية الفنية وعلى المعني به توضيحه، ولكن ما حصل غير ذلك، ما حصل تحول لمسرح لمجالدين بعضهم برغبة واخرين رغما عنهم كما هو حال مجالدي مسارح روما، وتحول الحدث إلى ملهاة وماساة، والمجالدون هنا بدأوا من اللحظة الأولى وكأنهم ينتظرون الفشل ليعذبوا انفسهم ويفرحوا الجمهور المنقاد خلفهم في حفل التذمر والشتيمة ، لتطفو على السطح كل خلافات وتجاذبات اختلطت نواياها ودوافعها، فمنهم معترض على البيع أصلا وآخرون ربطوا الأمر بحادثة الصوامع السابقة وآخرون، فكل له ليلى يغنى على اطلالها، وكل هؤلاء وان اختلفوا في اهدافهم إلا أنهم التقوا على المجالدة بالحدث.

هذا كله، يطرح سؤالا جوهريا يجب الإجابة عنه، لماذا كل هذا  ولماذا نتصرف هكذا ولماذا لا يريد احد سماع الرواية من مصدرها، مسؤول الشركة المختصة قال نحن نتحمل المسؤولية ونحن أخطأنا، واختصر الحكاية، فلماذا كل هذا الجلد بالمؤسسات، جلد لا يؤدي إلى هدف ودون هدف سوى تفريغ شحنات من الإحباط واليأس غير المبرر.

حادثة الصوامع وما تبعها من ردود فعل واسعة تشير إلى أننا نعيش أزمة، بل أزمات واننا نستخدم الأحداث لتفريغ غضبنا واحباطنا كمن يبكي والديه في عزاء جيرانه.

جالد المجالدون واستمتع بهم جمهور واسع وستنتهي الزفة بأيام، فهل نتعلم وهل نتعظ، وهل يقف البعض عن ممارسة الحكمة باثر رجعي؟ ، فلدينا ما يكفي من أسباب التشاؤم، فهل نتوقف عن جلد انفسنا وذاتنا بسبب ودون سبب؟؟

 

ولله الأمر من قبل ومن بعد//.

 

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )