أين العدالة في استهداف الطبقة الوسطى؟
بلال العبويني
ليس صحيحا أن مشروع القانون المعدل لضريبة الدخل يحقق العدالة بشموله فئات جديدة من المكلفين، كما أنه يتنافى مع كافة التصريحات الحكومية السابقة والتي أكدت حرصها على حماية الطبقة الوسطى.
الطبقة الوسطى مستهدفة، وما قيل عن حمايتها ليس إلا تسويقا إعلاميا، فمشروع قانون ضريبة الدخل يستهدفها بشكل مباشر، وهو هدف يبدو أن تحقيقه أهم من مسألة معالجة التهرب الضريبي، ذلك أن هؤلاء سيلاحقون قضائيا مثلهم مثل أي متهرب من الحيتان الكبيرة، رغم أن دخولهم أصبحت بالكاد تكفيهم.
مشروع القانون، يُلزم الأسرة التي دخلها شهريا 1333 دينارا والفرد الذي دخله 666 دينارا بدفع 5% من الدخل المتحقق، وأصحاب هذا الدخل يفترض أنهم يقفون على العتبة الأولى من عتبات الطبقة الوسطى، إن كان حقا معيار خط الفقر هو 500 دينار شهريا، رغم أن الواقع يقول إنه أكثر من ذلك، بل والحكومة نفسها قالت ذلك عندما شملت قبل أشهر الأسر التي يقل دخلها عن 1000 دينار في دعم الخبز.
إن عدم العدالة تكمن في إلزام القانون من زاد دخل أسرته على 1333 دينارا، ولو بدينار واحد فقط بدفع الضريبة، دون الالتفات إلى حجم الأعباء والإلتزامات المترتبة على الكثير من أصحاب هذه الدخول من فواتير وأقساط تعليم وعلاج وقروض بنكية وإيجارات منازل وما إلى ذلك.
في النص القديم، كان ثمة إعفاء على الفواتير مقداره 4 آلاف دينار للأسرة، وفي المشروع الجديد تم إلغاء الإعفاء، وهو ما ينفي صفة العدالة عن المشروع جملة وتفصيلا.
ذلك أن الأسرة التي سيكون دخلها أقل من 1333 دينارا وليس لديها التزامات فواتير وأقساط وقروض، ستُعفى من الضريبة؛ في حين أن من زاد راتبها على ذلك بدينار واحد ستدفع الـ 5%، وهو ما يشكل ظلما كبيرا لها.
أي قانون ضريبة، لا يجب أن يخلو من نسبة إعفاء محددة، فكان من الأولى على الحكومة إن كانت حريصة حقا على تحقيق العدالة، كما تقول، أن تُبقي على نسبة إعفاء بمقدار ألفي دينار على الأقل، لأن دخل الـ 1333 دينارا أو أكثر أو أقل ليس شرطا أن يكون كله دخلاً فعليا للأسر تعتاش منه وتترفه به.
ثم حتى تتحقق العدالة، فإن الضرائب يجب أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بما تقدمه الحكومات لمواطنيها من خدمات تعليمية وصحية ونقل وبنية تحتية وما إلى ذلك، وفي حالتنا لا يمكن القول إن مقدار ما تتقاضاه الحكومة من ضرائب يتناسب مع ما تقدمه من خدمات، وذلك بالنظر إلى حجم الضرائب الكبير التي يدفعه المواطنون على اختلاف طبقاتهم شهريا.
الطبقة الوسطى، هي كفة الميزان وضابط إيقاع في كل المجتمعات، ما زالت تتعرض إلى استهداف مباشر من قبل الحكومات، على الرغم من أنها تزيل هما كبيرا عن كتفها بما تساهم فيه، مثلا، من تخفيف الاكتظاظ في المدارس والمستشفيات الحكومية.
ذلك أن أعدادا كبيرة من أبناء هذه الطبقة يُدرّسون أبناءهم في المدارس والجامعات الخاصة، ويتعالجون في المستشفيات الخاصة، غير أن الاستمرار في ذات النهج الاقتصادي من شأنه أن يزيد الهجرة من تلك المرافق الخدمية الخاصة إلى مرافق الدولة، وهو ما سيزيد من الأعباء التي لن تعوضها الأرقام المتوقع تحصيلها من الضرائب المفروضة تحديدا على أبناء الطبقة الوسطى.
نسبة إعفاء الفواتير يجب أن تظل موجودة حماية لاستقرار الطبقة الوسطى التي ذابت أو تكاد مع الطبقة الفقيرة، وهذا جد مؤشر خطير.//