عمان – بترا
يحتفل العالم سنوياً في الخامس والعشرين من تشرين الثاني، باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والذي أقرته الامم المتحدة منذ العام 1999 .
والعنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان تعاني منه أكثر من 70 في المائة من النساء في العالم ينتج عنه التمييز ضد المرأة قانونياً وعملياً، ويعكس استمرار نهج اللامساواة بين الجنسين، ويعد واحدا من انتهاكات حقوق الإنسان الأوسع نطاقا في العالم،لأنه يتخطى الحدود والعرق والثروة والثقافة والجغرافيا، ويحدث في كل مكان في المنزل أو في العمل، في الشوارع أو في المدارس.
وما زالت المرأة تعاني من الحرمان والاعتداء أو الضغط والانتقاص من حقوقها وبالذات الحق في الميراث، مما يستوجب إحداث تطور حضاريّ وثقافي في موقف المجتمع من المرأة، ورفع درجة الوعي بحقوقها .
النائب ياغي: تغيير التشريعات المكرسة للعنف ضد المرأة.
وقال النائب الدكتور مصطفى ياغي إن العنف ضد المرأة له عدة اشكال منه المادي واللفظي والجسدي ،وهنالك عنف في التشريعات التي لا تساوي بين الجنسين والعنف الاقتصادي الذي يميز بين الذكر والأنثى في الدرجات والأجور بالرغم من أنهم يقومون بنفس العمل،لافتا الى أن الثقافة المجتمعية المتوارثة التي تميز بين الجنسين تكرس عدم المساواة وهذا يعد عنف ضد المرأة، والعنف الجسدي الذي يمارس ضد المرأة في الغالب يتم تسويته وحله في اطار الاسرة والعائلة والعشيرة ولا يصل الى المحاكم منها سوى القضايا الجنائية وبعض القضايا الاخرى .
واضاف أن من اهم التشريعات التي تعد مكرسة للعنف ضد المرأة المادة 308 من قانون العقوبات الأردني والتي تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية والتي تم الغاؤها مؤخرا ، وكان من الاولى تعديلها وليس الغاؤها لانه سينتج عنها اثار سلبية على المجتمع، كما يمارس العنف في العديد من القوانين مثل التقاعد الذي يجب العمل عليه، لافتا إلى أن الموروث المجتمعي يلعب دورا في تأخير أي مسألة ويشكل عائقا حقيقيا في سبيل التقدم الاقتصادي والثقافي وبالتالي تعطيل عجلة التنمية الشاملة في المجتمع .
وأكد ياغي أن البعض لا يؤمن بحق المرأة في التعليم والعمل، منوها أن الدستور لا يميز في هذه الحقوق وان التعليم مصان للاردنيين.
ودعا ياغي الى نشر الثقافة والوعي في المدارس والجامعات من خلال مناهج التربية الوطنية ودعم مؤسسات المجتمع المدني والقطاع النسائي الناشط في هذا المجال والتوجه الى المجتمعات في الاطراف من خلال تنظيم ورش العمل والمحاضرات للتوعية في مجال الحقوق والواجبات في مختلف القضايا والظواهر التي تعيق التطور المجتمعي .
الدكتورة هلسة : العنف ضد المرأة انتهاك لحقوق الانسان.
وقالت أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة الاسراء حنان هلسة أن العنف ضد المرأة يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية ويتسبب بإيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة.
وتحدد اسباب العنف ضد المرأة بعوامل اجتماعية منها الخلافات الزوجية والصراع بين الزوجين والعوامل الاقتصادية كالفقر الذي تعاني منه الأسرة والبطالة وتبعية المرأة الاقتصادية لرب الأسرة، وعدم كفاية القوانين التي تحكم الاعتداءات على المرأة، وقصور التعامل لدى الجهات الأمنية مع مشكلات العنف ،وعدم وضوح بعض المفاهيم قانونياً،كما أن هناك عوامل سياسية وتتمثل في انخفاض تمثيل المرأة في كافة مواقع السلطة، وفي الإعلام، والقضاء، و عدم إيلاء الاهتمام الكافي لقضايا العنف الأسري وقدسية الأسرة ،والتستر على الانتهاكات الأسرية.
وخلصت هلسة الى أن العنف ضد المرأة ظاهرة متعددة الجوانب صحية واجتماعية وقانونية وحضارية بالإضافة إلى كونها ظاهرة نفسية تتطلب دراسات متعددة لفحص ارتباطها بسمات شخصية المرأة المستهدفة للعنف بأي من أشكاله والآثار النفسية الناتجة عن التعرض للعنف، وخصائص وسمات مرتكبي العنف.
وبينت أن العنف ينتج عن الجهل وغياب الوعي بحقوق المرأة وأيضاً لأسباب اجتماعية لدى فئات المجتمع كافة ومن ظهور الفكر المتطرف المستند الى تفسيرات مشوهة للفكر الديني مما يؤثر سلباً على واقع المرأة ومكانتها في المجتمعات العربية كما ان عدم تشديد العقوبات على جرائم العنف ضد المرأة يؤدي الى ازدياده ضد المرأة.
واشارت الى اشكالية تقبل النساء للعنف وتبريره، والضغوط العائلية التي تتعرض لها المرأة المعنفة من عائلتها والمجتمع والتي يعززها تفسيرات مغلوطة ،الى جانب غياب التمكين الاقتصادي الذي يضعف قدرة المرأة على الخروج من دائرة العنف التي تعيشها.
وتدعو لمواجهة القبول المجتمعي للعنف، أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بتنظيم حملات توعية قانونية مكثفة ومحاربة زواج القاصرات والعنف النفسي واللفظي والجسدي والجنسي وأهمية التبليغ عن العنف وخطورته خصوصاً أن الكثير من النساء ضحايا العنف لا يتقدمن بشكوى للجهات الأمنية خوفاً من الوصمة الاجتماعية.
وتؤكد وجود العديد من الفجوات المتعلقة في حماية النساء من العنف على الصعيدين الإجرائي والتشريعي،والمتمثل في قانون الحماية من العنف الأسري وغيره من التشريعات، وغياب مرجعية وطنية تتحمل المسؤولية الاستراتجية البعيدة المدى لبرامج التوعية المتعلقة بالوقاية الأولية من العنف الأسري.
جزراوي : العنف الممارس ضد المرأة ثقافي
وتلفت الباحثة والمتخصصة في الفلسفة النسوية الدكتورة لينا جزراوي الى أن العُنف المُمارس ضِدّ المرأة؛ يُؤسّس لكلّ أنواع العُنف ، مشيرة الى أن أشكال العنف ضد المرأة تتنوع بين العنف الجسدي، والجنسي، والنفسي والاقتصادي، والعنف السّياسي.
وقالت إن العُنف الثّقافي يمارس تحت مِظلّة القيم والعادات والتقاليد فيحرِم المرأة من حقوقها، ويُعيّن عليها أوصياء يتعاملون معها على أنّها كائِن غير أهل لاتّخاذ أي قرار، فالمرأة التي تُحرم من ميراثها بسبب العادات والتقاليد هي امرأة مُعنّفة ، والتي لا تتساوى مع الرجل في الأجر لنفس المُسمّى الوظيفي هي امرأة مُعنّفة، والمرأة التي لا تنُصفها قوانين الطلاق، والنفقة، والمُشاهدة لأطفالها هي أيضا امرأة مُعنّفة، والتي تُحرم من حقّها في مَنح جنسيّتها لأبناءها لأنها مُتزوجة من أجنبي هي امرأة مُعنّفة، والمرأة التي تُستثنى من مناصب ووظائف ، وعِلاوات، وتدريبات لأنها امرأة والتي لا تملِك القرار في اختيار تخصّصها الدّراسي، ووظيفتها، وشريك حياتها .
وأكدت أن كل هذه الممارسات تتمّ تحت عنوان (الثّقافة الذّكوريّة) ولا يأبه لها المُجتمع مع أنّ تأثيرها أشد وطأة حيث تكمن خطورة هذا النوع من العنف في تعطيل كافّة أشكال المُساواة مع الرجل، و تُعيق الحِراك النّسوي الرّامي لتحقيق العدالة والانصاف بحُجّة الخصوصيّة الثّقافيّة.
وترى جزراوي أنّ التّحديث الّذي طال المُجتمعات العربية لم يمسّ جوهر الحياة الثّقافيّة، ولم يستهدف تغيير البُنية الذّكوريّة الّتي تحكُم العقل المُجتمعيّ فهو لم يتطوّر من منظور حضاريّ وثقافي في موقفه من المرأة، وحال المرأة العربيّة اليوم لهو دليل على العجز في الوصول إلى عقل المثقّف العربيّ، ورفع درجة الوعي بحقوق المرأة وأهمّيّتها، وحتّى المرأة العربيّة نفسها لا تزال أسيرة للنّظرة الأبويّة وتستخدم أدوات المجتمع الذّكوريّة وتقبل بالثّقافة الذّكوريّة التي تُعنّفها.
وأشارت الى الِحاجة لبرامج مُنظّمة تستهدف الأنماط التّقليديّة الّتي تحكم العقل العربيّ، وهذا لن يتحقّق ما لم يتمّ تبنّي النِّسويّة كنظريّة يتمّ نشرها على أعلى المستويات، تتناول كافة الدّوائر الّتي يستمدّ منها العقل العربيّ قيمه كالإعلام، والمؤسّسات الدّينيّة، والمؤسّسات الأكاديميّة كما يجب استهداف بُنية العقل الثّقافيّة، و البحث في طرق إصلاح الثّقافة العامّة، والتّربية، وقيم العقل المُجتمعيّ، فالتّابوهات الثّقافيّة تؤسّس لعُنف ضدّ المرأة تكمن خطورته في أنّه غير مُلاحظ ويندرِج تحت مُسمّى الخصوصيّة الثّقافيّة.
ويأتي الاحتفال بهذا اليوم لارتباطه بحادثة اغتيال الاخوات ميرابال والتي تعود الى العام 1960 ووقعت في جمهورية الدومنيكان الواقعة في الكاريبي على مشارف كوبا وهايتي، في عهد الدكتاتور رافاييل تروخيلو، واصبحن لاحقاً معلماً من معالم الحرية في الدومنيكان والعالم ولاحقا مصدر إلهام للعالم فيما يتعلق بقضايا مناهضة العنف ضد المرأة.