الغام من العيار الثقيل في خطاب العرش السامي
رسائل واضحة الى الاقليم رغم عدم التطرق الى التفاصيل
الاعتماد على الذات اولا ولا مجال للتردد والارتباك
الملقي مطمئن والطراونة التقط الرسائل
الأنباط: قصي أدهم
حتما يعيش الرئيس هاني الملقي لحظات راحة سياسية بخصوص مستقبل حكومته، فالاشارات الواردة في خطاب العرش السامي منحته بعض راحة بمستقبله السياسي كرئيس للحكومة لمدة اربع سنوات قضى منها الرجل قرابة المنتصف، فالرئيس حصل على تفويض ضمني من خلال الاشارة الى خطة الحكومة الاقتصادية وضرورة دعمها وتحفيز التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
الملف داخلي بامتياز، كما اشارت بوضوح عبارات الخطاب الملكي في افتتاح الدورة العادية الثانية من عمر مجلس الأمة، لكن من يعرف الملك جيدا، يدرك انه من محترفي الانقضاض السريع وانه طوّع مفهوم القوات الخاصة العسكرية الى نموذج سياسي قابل للتطبيق في اية لحظة، ليس بوصفه عسكريا محترفا وقائدا للقوات الخاصة فقط، بل لأنه يستشعر ضرورة التغيير بحاسة سادسة متطورة.
كل من شاهد خطاب العرش وقرأ تفاصيله الدقيقة رغم «حصر» الخطاب في الشأن المحلي بما في ذلك الاشارة الواضحة بدعم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس دون الحاق «الشرقية» في العبارة وهي بالتأكيد رسالة سياسية واضحة الدلالة، ادرك عدم ارتياح الملك للظرف الاقليمي وارتداداته على اللحظة الوطنية، فالخطاب تجاوز عن الاقليم واحداثه الا في اطار ظلالها على الاردن الذي يعيش وسط تحديات اقليمية غير مسبوقة حسب منطوق الخطاب الملكي.
الانقضاض السياسي الذي قدمه الملك في خطاب العرش ولم يتوقف عنده المحللون السياسيون الكلاسيكيون، كان في الجزء الأخير من خطاب العرش والذي تحدث فيه الملك عن الوضع الاقليمي قائلا «سيستمر الاردن بالنهوض بدوره التاريخي في الدفاع عن قضايا امتنا العربية والاسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس، وحماية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف» وليس صدفة او من باب السقوط سهوا، سقطت عبارة القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية حسب التعبير السياسي الرسمي العربي والفلسطيني، فحالة الغضب الاردني على حكومة نتنياهو المتطرفة بلغت الحلقوم الاردني وكان لا بد من رسالة قاسية لاطماع واحلام اليمين المتطرف.
القدس، ثم المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف، تحول يحتاج الى قراءة مضاعفة من جمهور السياسيين، خاصة انه يأتي من رمزية الاعتدال السياسي ورمزها العربي في العالم الخارجي، وهي رسالة قاسية للمجتمع الاسرائيلي قبيل الانتخابات الاسرائيلية تعني ان السياسة المتطرفة والايغال فيها تدفع الى خسارة اسرائيل لكل الاصوات المعتدلة وعلى رأسها الجار الذي يقف على اطول حدود، وهي رسالة ايضا الى الجانب الامريكي قبل ان يتورط اكثر في صفقة القرن ومحدداتها، وقد نجح العسكري المحترف في توجيه قذيفة سياسية مزدوجة الأهداف واصابتها بدقة.
الاعتماد على الذات وتوجيه رسائل الى الأقليم هي السياسة الاردنية القادمة، رغم مشهديه - ان الاردن يلتزم الحياد الايجابي في قضايا الاقليم، لكن الواقع على الأرض عكس ذلك تماما، فالاردن ليس غائبا رغم محاولات تغييبه، بالاضافة الى انه يمتلك ادوات لايصال رسائله القاسية بكل نعومة سياسية وهذا ما حدث في خطاب العرش المقتضب والذي يحتاج الى صفحات لتحليل مضامينه الخارجية، اما محليا فعلى الجميع ان يعرف ان مرحلة جديدة بدأت لا مكان فيها لمرتبك او متردد، واظن أن الرئيس الملقي التقط الرسالة جيدا وكذلك رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة.