غارات إسرائيلية مكثفة على الضاحية الجنوبية لبيروت إصابات واعتقالات في الضفة الغربية منتخبنا الوطني يلاقي نظيره العراقي في البصرة مستوطنون يقتحمون المسجد الأقص والاحتلال يهدم منزلا في القدس هيئة تنظيم قطاع الاتصالات تحظى بتولي مناصب قيادية في المنظمات الدولية للاتصالات (أوابك): السوق النفطية تتأثر بحالة من عدم اليقين وزيرة النقل تشارك في اجتماعات عمومية شركة الجسر العربي بمصر البكار: "الثلاثية" ستحسم قرار الحد الأدنى للأجور خلال الأسبوعين القادمين الشؤون الفلسطينية تشارك في الدورة 108 لمؤتمر لجنة البرامج التعليمية للطلبة العرب في الأراضي المحتلة الكلية الجامعية الوطنية للتكنولوجيا تنظم يوم مفتوح ويوم طبي مجاني تفعيل القوانين الناظمة في أماكن بيع التَّبغ وتقديم الأرجيلة طوق نجاة لتحقيق بيئة صحية للأجيال القادمة 1056 طن خضار وفواكه ترد لسوق اربد المركزي الكويت والسعودية: تصريحات سموتريتش تنتهك القانون الدولي وتقوض جهود حل الدولتين الصناعة والتجارة تطرح عطاء لشراء كميات من القمح المركزي يعمم على البنوك الحفاظ على حد أدنى لنسبة تغطية السيولة ارتفاع أسعار الذهب والنفط عالميا الإسكان والتطوير الحضري تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي مشاركة الأردني الكويتي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التدريبي "صوتُ وليّ العهد في مؤتمرِ المناخ" باها الأردن ينطلق في العقبة غدا

البحث عن الذات بين رماد الذكريات في رواية عندما يهطل المطر

البحث عن الذات بين رماد الذكريات في رواية عندما يهطل المطر
الأنباط -
للكاتبة دينا المعلوف
من إصدارات الآن ناشرون وموزعون/2022

قراءة بديعة النعيمي

مهما حاولنا طمس ذاكرتنا فلا بد دائما من جمار تتقد أسفل رمادها تدفعنا للبحث عن ذواتنا المفقودة بينها..

كشفت دينا المعلوف في تقديمها للرواية ص7 ( عندما يهطل المطر الماضي يعود يوما) عن المحور الرئيسي الذي ستدور حوله أحداث عملها. فالماضي ما هو إلا تلك الذكريات التي تختزنها ذاكرتنا المراوغة التي ستفعّلها متى رغبت بذلك وبطلة رواية المعلوف فعّلت ذاكرتها وما تحمله من ذكريات للبحث عن ذاتها في واقعها المتناقض.
لذلك جاءت رواية عندما يهطل المطر تجسيدا لأحداث الماضي وقد حرصت المعلوف على استذكار بطلتها حنين حياتها الضائعة وصراعها الداخلي اليومي للتأقلم مع واقعها الذي يتمثل بالشطر الأول زوجها مروان الطبيب النفسي الذي حاول علاجها من ماضيها فأحبها وطلبها للزواج فوافقت هروبا من هذا الماضي وظنا منها بأنها ستنجح في التخلص منه بهذا الزواج ففي ص15على لسان حنين ( كنت مرتدية فستاني الأبيض..امشي بخطوات بطيئة كأن شيئا في داخلي يقاوم ويرفض هذا الزواج..) والشطر الثاني حبيبها الأول زياد.
لكن مروان وعلى مر السنين لم يكن سوى ذلك الأمان الذي تلجأ إليه كلما زارها طيف زياد ففي ص24 على لسان حنين( أصابني ذلك الوقت شعور بالألم يمتزج بالخجل والندم....ودون وعي وجدت نفسي أذهب إليه كأني أبحث عن الإحساس بالأمان والطمأنينة التي طالما منحني إياها) .

والمتتبع لأحداث عندما يهطل المطر سوف يلاحظ بأن تقنية الاسترجاع هي عنصر أساسي ساهم في بناء ديناميكية العمل وجماليته اللغوية. وقد أحسنت المعلوف توظيف هذه التقنية بدءا من حياتها مع مروان والزواج به ثم العودة إلى سنوات بعيدة والطواف بين أروقتها حيث شقة زياد رجلها الأوحد كما كانت تسميه والحنين إليه ففي ص32 على لسان حنين ( ففي كل يوم تمر أشياء توقظ في قلبي الذكريات وتعيدني إلى ذلك الزمن حيث كنت طفلة وكان زياد رجلي الأوحد).
وقد احتفظت حنين بصور ماضيها بل وأطرتها على جدران ذاكرتها بأطر صلبة صعبة الكسر ففي ص68 على لسان حنين( حملتني تلك الصور معها إلى ذلك اليوم وذلك الباب الذي أغلقته خلفي....تلك الحالة التي خرجت بها من بيت زياد حاملة معي حقيبة من الفرح).

ومع مرور الزمن تزداد الجمار اتقادا ،إنها ذاكرة حنين التي تأبى إلا أن تصمد في وجه الزمن وترفض الاندثار بالرغم من كل محاولاتها الكاذبة للنسيان فمهما سعينا لقتل الماضي ونسيانه إلا أنه باق فينا حيّ جزء منا لا نستطيع اجتثاثه ففي ص33 على لسان حنين( ورغم معرفتي بأن قصتي مع زياد قد انتهت قبل أن تبدأ إلا أن شيئا بداخلي يبقى متمسكا بها). وفي ص11( لم أفهم حينها أن ما أقوم به ليس إلا محاولة يائسة مني لأنسى وأمضي في حياتي).
واستعادة الماضي هو فعل لجأت حنين إلى استخدامه للتلذذ به ففي ص29( تذكرت كيف هطل المطر بغزارة في لحظة مجنونة فأسرع زياد ليغلق نافذة البيت ورآني هناك أختبئ تحت شرفة أحد البيوت...فسمعت صوتا يناديني..حنين.حنين ركضت بسرعة في اتجاه مدخل البناية) فبالرغم من هذا الماضي المؤلم إلا أنها كانت تطرب له لما يحمل لها بين ثناياه المتعة والسعادة.
وحنين ما هي إلا ذات عليلة تبحث عن السعادة في ماضيها.
وذات حنين تخوض صراعا وجوديا مع نفسها وتواجه عللها بمفردها محاولة فهم ذلك الخوف الساكن بأعماقها ،خوف من الزمن ومن الحب ،من المجتمع ونظرته. ذات عجزت عن التكيف مع واقعها مما دفعها إلى الماضي في رحلة بحث عن السكينة. ذات هشة لا تكف عن تأمل هواجسها وتناقضاتها سعيا إلى إثبات وجودها وإعطاء معنى لحياتها سواء تمسكها بالإرادة أو بقيم الحب ونبذ نظرة من حولها ففي ص25 ( بدأت ألملم الأخزان التي تشوه روحي وأستعيد من الماضي ذاتي).

وقد صورت لنا المعلوف ذاتا إنسانية تعاني إحباطا ويأسا سببه التمزق والصراع بين الماضي والحاضر بين حب زياد وأمان مروان وعبرت الكاتبة عنه على لسان حنين عن مروان ص13( كانت كلماته دوما تأتيني كالسحر ..فأخرج بعد لقائنا كأنني ولدت من جديد ! لكن بعد مرور بعض الوقت أعود لحزني كأن شيئا لم يتغير).

إن الخوف الساكن في الأعماق والتناقضات الدائمة والرغبة في انطلاق المشاعر والإفصاح عنها علانية وتحقيق الذات ،جميعها قيم سعت المعلوف إلى بثها في شخصية بطلة عملها حنين حيث أرادت أن تجعل هذه الذات صوتا يصدح في الكون ووعيا يعكس موقفها نحو المجتمع.
وقد سعت المعلوف إلى التغلغل في أعماق هذه الذات الإنسانية والغوص في أفكارها وتأملاتها لتمنح المتلقي القدرة على فهم طبيعتها.

وما بين الحنين الجسر الصلب الذي يفضي إلى ذلك العالم الملموس ،والأحلام الجسر الهش الذي يؤدي إلى عالم الأوهام هل وجدت حنين ذاتها أم أنها أضاعتها بين كلمات رسالة مروان التي عثرت عليها في إحدى صفحات كتاب خواطرها القديم؟.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير