أنعش الغاز الوطني آمال وطموحات الأردن بتأمين مستقبل آمن لأجياله، إذ ينتج حاليا من حقل الريشة 40 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، فيما تركز جهود شركة البترول الوطنية على تطوير الحقل بزيادة إنتاجه وصولا إلى 50 مليون قدم مكعب عام 2025، و200 مليون قدم مكعب عام 2030.
ويدرك صانع القرار أن الاستثمار في مجال الطاقة المحلية يحقق العديد من المكاسب من حيث تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي، لاسيما وأن قطاع الطاقة من أهم محركات النمو الاقتصادي وتحقيق رفاه المواطنين.
ويعد افتتاح أول مشروع في المملكة لإنتاج الطاقة الكهربائية من الغاز الأردني المنتج من حقل الريشة لمصنع الشركة الوطنية لصناعة الكلورين أخيرا، ثمرة أولى للجهود الأردنية التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني لرفع إسهامات الطاقة المحلية في خليط الطاقة الكلي.
ويعول القطاع الصناعي كثيرا على الغاز الوطني في الولوج الى الأسواق الخارجية والمنافسة بقوة في السوق المحلي، من خلال منتجات ذات جودة عالية ومنافسة والتخلص من معضلة تحدي الطاقة الذي طالما عانى منه القطاع الصناعي، إذ يشكل هذا التحدي النسبة الأعلى من كلف التشغيل.
وتركز رؤية التحديث الاقتصادي على خفض كلف الطاقة وعلى رأسها الكهرباء، وشبك مجمعات الصناعة بالغاز الطبيعي، للنهوض بقطاع الصناعة في المملكة، حيث يمثل قطاع الصناعة 17.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ مساهمة مخرجات قطاع الصناعة في الصادرات حوالي 15.1 مليار دينار، أي ما يعادل 49 بالمئة من إجمالي الصادرات.
وعملت وزارة الطاقة والثروة المعدنية على تطوير استراتيجيتها (2020-2030) والتي جاءت تحت عنوان "الاعتماد على الذات" وتهدف إلى رفع مساهمة مصادر الطاقة المحلية في خليط الطاقة الكلي، لتحقيق أمن الطاقة والوصول بالمملكة إلى الحدود الآمنة عن طريق التحول نحو مصادر أكثر استدامة.
وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور صالح الخرابشة، خلال افتتاح المشروع التابع لمصنع الشركة الوطنية لصناعة الكلورين، أكد أن توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي له آثار إيجابية على القطاع الصناعي، نظرا لتدني كلفته بنسبة 35 بالمئة مقارنة بالديزل، وأكثر من 50 بالمئة مقارنة بالوقود الثقيل.
وقال "إن مثل هذه المشاريع تتماشى مع توصيات رؤية التحديث الاقتصادي والبرنامج التنفيذي للرؤية، التي تقوم على ركيزتين إحداهما إطلاق كامل الإمكانات لتوفير ما يزيد على 10000 فرصة عمل وتحقيق نمو اقتصادي بمقدار 5.6 بالمئة بحلول عام 2030، مؤكدا أن الوزارة تعمل على إعداد قانون لتنظيم الأعمال المتعلقة بالغاز الطبيعي في المملكة.
وأكد أن القطاع الصناعي يعد رافعة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتحقيق معدلات النمو التي أشارت إليها رؤية التحديث الاقتصادي، ويعتبر كذلك محركا هاما للاقتصاد الوطني وله دور أساسي في معالجة وتخفيف أعباء البطالة.
وتستهلك محطة توليد الكهرباء 3 ملايين قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي، لتوليد 10 ميجا واط من احتياجات المصنع.
وينتج حقل الريشة 40 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، فيما تركز الجهود على تطوير الحقل بزيادة إنتاجه وصولا إلى 200 مليون قدم مكعب عام 2030، واعتمادا على هذه الكميات تسعى الوزارة إلى تزويد المدن الصناعية في (الروضة والموقر والقويرة والمفرق والقسطل والهاشمية) بالغاز.
ويعتبر المشروع واحدا من 3 مشاريع لإنتاج الغاز الطبيعي المضغوط في منطقة الريشة والذي من شأنه خفض الكلف التشغيلية للصناعات التي تعتمد على الغاز الطبيعي بنسبة تتراوح بين (25 - 50 بالمئة) وبما يزيد القدرة التنافسية للقطاع الصناعي جراء خفض الكلف، وسيحسن ذلك من إيرادات شركة البترول الوطنية ويمكنها من توسيع برامجها ومشاريعها لزيادة القدرة الإنتاجية من الحقل، كون الشركة تمول أعمالها ومشاريعها ذاتياً من إيراداتها المتأتية من مبيعات الغاز.
مصدر محلي متوفر بكميات وبأسعار منافسة
خبير الطاقة هاشم عقل، أكد أهمية المشروع في إنتاج طاقة كهربائية من مصدر محلي (غاز الريشة) ومتوفر بكميات كبيرة وبأسعار منافسة ومناسبة للقطاع الصناعي.
وقال إن الكرة في مرمى القطاع الصناعي للتحول من الاعتماد على المصادر التقليدية في عملية الإنتاج إلى مصادر محلية وطنية من شأنها تعزيز تنافسية المنتجات الأردنية في الأسواق المحلية والخارجية.
وأضاف أن التحول إلى مصادر نظيفة ورخيصة يسهم في تخفيض كلف الإنتاج على القطاع الصناعي بنسبة تصل إلى 45 بالمئة، ما يعزز الصادرات الأردنية للخارج وبالتالي رفع نسبة نمو إيرادات الدولة من العملة الصعبة.
وأشار عقل، إلى أن تعزيز مصادر الطاقة المحلية يضع الصناعات الأردنية على طريق الأسواق الإقليمية والعالمية، وهو ما يستدعي القطاع الصناعي للتوجه إلى هذه المصادر وبخاصة الغاز الطبيعي لتخفيض كلف الإنتاج ورفع جودة منتجاتها.
بدائل الطاقة المحلية تعزز الاستثمار المحلي والخارجي
ولفت إلى أن تعزيز بدائل الطاقة المحلية يعزز الاستثمار ويجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية وبالتالي المساهمة بشكل كبير في حل مشكلة البطالة وتشغيل المزيد من العمالة المحلية، بالإضافة إلى التقليل من انبعاثات الكربون، داعيا كذلك إلى استغلال محطة تسييل الغاز في العقبة.
وأكد أن الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة المحلية ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني، والتي تركز على تعزيز الاستثمار في مختلف مجالات الطاقة والاعتماد بشكل أساسي على المصادر المحلية.
نسبة الخفض المتوقعة على الكلف التشغيلية للقطاع الصناعي
وقال نائب رئيس غرفة صناعة الأردن وممثل قطاع الصناعات الغذائية والتموينية والثروة الحيوانية محمد الجيطان، إن كلف الطاقة تشكل ما نسبته لجميع القطاعات الصناعية داخل الأردن بين 30-35 بالمئة من كلف الإنتاج، والتي تصل لأكثر من 40 بالمئة في بعض القطاعات مثل قطاع الصناعات البلاستيكية والمطاطية وقطاع الصناعات الإنشائية.
وأضاف "يستهلك القطاع الصناعي ما نسبته 16بالمئة من إجمالي مصادر الطاقة المستخدمة في الأردن، باعتباره القطاع الثالث المستهلك للطاقة بعد القطاع السكني والنقل، وثاني أكبر مستهلك للطاقة الكهربائية بواقع 21 بالمئة من إجمالي الكهرباء المستخدمة في الأردن، وبالتالي فإن التحول إلى مصادر الطاقة المحلية يُعتبر خطوة محورية في دعم الصناعة الوطنية وتعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، من خلال تقليل تكاليف الإنتاج ومنح القدرة على تحسين جودة المنتجات وتحقيق أعلى المعايير البيئية، ما يساهم في تعزيز مكانة الأردن كمركز صناعي مستدام وفتح فرص وآفاق واعدة وجديدة".
وأشار إلى أن هذا التحول يؤدي إلى خفض تكاليف الطاقة على القطاع في حال التوجه نحو استخدام الغاز الطبيعي المضغوط الذي يعد أقل من الوقود الثقيل من 20 - 50 بالمئة، خاصة وأن كلف الطاقة تُشكّل حالياً ما نسبته 40 - 70 بالمئة من إجمالي تكاليف الإنتاج في بعض الصناعات.
وتابع "مع استمرار ارتفاع تكاليف الإنتاج، وخاصة كلف الطاقة، فإنه يبرز هذا التحول كعامل مؤثر في زيادة قدرة المنتجات الوطنية على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، حيث أن الفجوة في تكاليف الإنتاج للصناعات المحلية ونظيراتها في دول الجوار تتراوح ما بين 25 - 40 بالمئة، ما يمثل تحديًا رئيسيًا أمام النمو المستدام والتطور في القطاع الصناعي".
تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف في رؤية التحديث الاقتصادي
وقال الجيطان، إن التوجه نحو الاعتماد على بدائل وطنية للطاقة يمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز الأمن الصناعي ودعم النمو الاقتصادي، من خلال تعزيز كفاءة عمليات الإنتاج وتقليله للانبعاثات الضارة وتحفيز الاستثمار، لما يوفر من بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية نتيجة الاعتماد على مصادر طاقة أكثر استقرارًا وفعالية.
وأشار إلى أن هذا التوجه يحمل أثاراً إيجابية على القطاع الصناعي، وخاصة الصناعات الغذائية، وذلك في ظل ما طمحت إليه رؤية التحديث الاقتصادي نحو تنميــة قطــاع الصناعــات الغذائيــة فــي الأردن عــن طريــق خفــض كلــف الإنتاج، وتعزيــز الأنشطة ذات القيمــة المضافــة، ما يمنح القطاع فرصة التركيـز على التوسـع فـي الأسواق المحليـة مـن خلال تقليـص الـواردات وإحلال المنتجــات المحليــة مكانهــا، بالإضافة إلى المساهمة في مساعدة الشركات على الامتثال البيئي وتحسين الإنتاجية وتنافسية الكلفة للقطاع.
زيادة فرص العمل للأردنيين في القطاع الصناعي
وأشار عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأردن وممثل قطاع الصناعات الجلدية والمحيكات المهندس إيهاب قادري، إلى أن التوجه نحو خفض الكلف سيؤدي حتماً إلى زيادة حجم الإنتاج وبالتالي تعزيز فرص عمل جديدة للأردنيين، لافتا إلى دراسة أعدتها غرفة الصناعة خلصت إلى أن الاثر الإيجابي لخفض كلف الطاقة بما نسبته 10 بالمئة على الصناعة، يحدث ارتفاعاً بنسبة 2 بالمئة على حجم الإنتاج الصناعي، ويسهم بنمو الناتج المحلي بحوالي 0.4 بالمئة، ويخلق حوالي 10 آلاف فرصة عمل في الاقتصاد.
الغاز الوطني يحقق الأمن الصناعي ويعزز النمو الاقتصادي
ونوه إلى أن التوجه نحو استخدام الغاز الطبيعي يساهم بشكل جوهري في تحقيق الأمن الصناعي ودعم النمو الاقتصادي، خاصة في ظل رؤية التحديث الاقتصادي وما طمحت إليه من مستهدفات للقطاع الصناعي وقطاعاته الفرعية، ليصار إلى تحقيقها خلال فترة تطبيق الرؤية.
وقال إن هذا التحول يحمل فوائد على مستويات عدة، خاصة على قطاع المحيكات، بما في ذلك دعم الكفاءة التشغيلية والاستدامة البيئية والاستقلالية الطاقية والعمل بالتوازي مع مبادرات جذب الاستثمارات الرأسية والأفقية باعتبارها خطوة مهمة تتيح للقطاع فرصة العمل ضمن إطار خفض الكلف، وبالتالي رفع القيمة المضافة لمنتجات القطاع وزيادة تنافسيتها السعرية، والذي بدوره سيعزز من قوة المنتجات الوطنية.
مطالب القطاع الصناعي لتعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المحلية
وقال القادري، إن القطاع الصناعي يواجه تحديات تتعلق في تحقيق الجاهزية الفنية للتحول نحو الطاقة باستخدام مصادر الطاقة المحلية بما فيها الغاز الطبيعي، حيث تتطلب هذه الجاهزية تحسينات جوهرية في عدة مجالات رئيسية، سواء من خلال تطوير البنية التحتية وتوسيع شبكة محطات تعبئة الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب، لضمان توصيل الغاز بشكل فعال إلى المناطق الصناعية، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن تكون التكنولوجيا الحالية في العديد من المصانع لا تتوافق مع استخدام الغاز الطبيعي، ما يستدعي تحديث المعدات وتبني تقنيات حديثة، ناهيك عن ضرورة تأهيل القوى العاملة والحاجة لتدريب الكفاءات البشرية والفنيين على تشغيل وصيانة المعدات التي تعمل بالغاز الطبيعي.
وأشار إلى أن الدعم الحكومي والتشريعات الناظمة تلعب دوراً حاسماً، من خلال السياسات المشجعة لتسهيل عمليات التحول، ولعل التحدي الرئيسي للربط في الغاز الطبيعي أو تحفيز الصناعات لاستخدامه يكمن في كلف مدّ خطوط الغاز والربط مع الخط الرئيسي وعدم قدرة المصانع على تحمل هذه الكلف المرتفعة.
-- (بترا)