الأنباط -
– نور حتاملة
وافق مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدها يوم الأحد، برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، على تعديل أسس منح المستثمرين الجنسية الأردنية والإقامة عن طريق الاستثمار، بهدف جذب الاستثمار الخارجي وتمكين البيئة الاستثمارية للأردن.
ونصت التعديلات الجديدة على منح الجنسية الأردنية للمستثمرعند ايداعه وديعة بقيمة مليون دولار لدى البنك المركزي الأردني دون فائدة لمدة 3 سنوات وعدم السحب منها خلال هذه المدة، بالإضافة الى شراء سندات خزينة بقيمة مليون دولار لمدة 6 سنوات، بفائدة يحددها البنك المركزي الأردني، شرط تواجد المستثمر داخل أراضي المملكة لمدة لا تقل عن شهر قبل توقيع التوصية النهائية لمنحه الجنسية الأردنية.
في هذا الصدد، قال الخبير والمحلل الاقتصادي مازن ارشيد ان التعديلات الجديدة فيما يتعلق بمنح الجنسية للمستثمرين هي الجزء الأهم في التعديلات الأخيرة، مشيرا انه لا يرى بأن هذه التعديلات ستضيف شيئا جديدا لسهولة دخول الاستثمار الأجنبي الى الأردن وانشاء مشاريع ضخمة وتشغيل الأيدي العاملة لاسيما ان الأردن يعاني من نسبة بطالة مرتفعة جدا.
وأوضح في حديثه لـ "الانباط"، أنه لا يجب التركيز فقط على دخول الاستثمارات الأجنبية من خلال منح الجنسية للمستثمرين، بل أن يكون على تخفيض تكاليف الاستثمار على المستثمر مع منح الجنسية والتعديلات التي طرأت عليها لان الجنسية تعتبر من باب الاستقرار خاصة للجنسيات العربية التي تعاني دولها من مشاكل اقتصادية وحروب أهلية، فمن الممكن ضخهم أموالا لفترة مؤقتة مقابل ذلك الحصول على الجنسية الأردنية ولكن في نهاية المطاف لم يقوموا بإنشاء مشاريع ضخمة او صغرى وتشغيل أيدي عاملة. ونوه الى انه لا يعتقد بأن الأمريكي او الأوروربي يهمه الحصول على الجنسية الأردنية مثلا، وكأن التركيز فقط على الجالية العربية وفئة عربية بحتة مثل العراقيين والسوريين والليبيين تحديدا.
وأضاف ارشيد، بينما من المفترض التعلم من التجارب المنافسة لنا وتجارب الدول الأخرى مثل الخليج العربي بأن عملية جذب الاستثمار الأجنبي الى الأردن يرتبط بتقليص تكاليف الاستثمار عليهم من ضرائب وجمارك وفاتورة الطاقة المرتفعة مقارنة بمصر وتركيا، وليس فقط منح الجنسية وسحبها وتكون مشروطة بضخ مليون في البنوك أو في شراء الأسهم، حيث ان هذه استثمارات باردة ونحن نطمح للاستثمارات الساخنة التي تشغل الأيدي العاملة وتعطي للمستثمر خارطة طريق تبين القطاعات للاستثمار فيها، ومنحه مزايا مرتبطة بتخفيض الرسوم والضرائب وغيرها من الأمور، أما منح الجنسية وسحبها فاستنادا الى تجارب السنوات السابقة لم تحقق اي نجاح في زيادة الاستثمار الأجنبي للمملكة.
وأشار الى أن الاستثمار الساخن هو الذي يشغل الأيدي العاملة ويقلل نسب البطالة في الدولة، كما يزيد من مستوى احتياطي العملات الأجنبية في الدولة والبنك المركزي ويرفع من الايرادات الضريبية لخزينة الدولة، وهذا هو الهدف من الاستثمار الأجنبي المستدام الساخن، اما عكس ذلك فهو ما يمثله القانون الجديد الذي نتحدث عنه فقط منح جنسية وعملية شراء أسهم من قبل المستثمر مهما قدرت قيمتها، لن تعطي شيئا لاقتصاد الدولة، فقط ستخدم سوق المال والبورصة الأردنية بشكل مؤقت بعملية شراء واحدة بقيمة ملايين دون اقامة مشاريع أو المساعدة في حل المشاكل. مؤكدا أن يجب أن الواجب تخفيض تكاليف الاستثمار على المستثمر ودعمه في قطاعات محددة مثل الطاقة المتجددة والقطاع الزراعي، والأمن الغذائي والصناعات المختلفة.
بدوره قال الخبير الاقتصادي الدكتور وجدي مخامرة، التعليمات التي صدرت ووافق عليها مجلس الوزراء في التعديل الذي طرأ على القانون غير مشجعة، ففي التعديلات التي صدرت عام 2018 لم يتجاوز عدد الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية الأردنية 206 مستثمر، بسبب التعقيدات والمبالغ المرتفعة التي أقرتها التعديلات السابقة.
وأضاف أن التعليمات الجديدة غير منافسة عند المقارنة بتركيا ومالطا واليونان الذين يقومون بمنح الجنسية بأقل من هذه المبالغ، حيث ان ايداع مليون دولار كوديعة في البنك دون فائدة ل3 سنوات بالاضافة الى الاستثمار بسندات خزينة لفترة 6 سنوات "اي للحصول على الجنسية يجب دفع مليوني دولار" أمر مبالغ فيه لا يشجع اي مستثمر للقدوم، لان الدول المجاورة تطلب مبالغ أقل بكثر للحصول على الجنسية.
وأكد مخامرة لـ "الانباط"، وجود تناقض بين هذه القرارات مع تشجيع الاستثمار، فمن غير المنطقي منح الجنسية للمستثمر بوديعة مليون دولار ومستندات خزينة، أما من يقوم بمشروع انتاجي أو خدمي يشغل الأردنيين اعطاءه جواز سفر مؤقت، فالمواطن لن يستفيد من هذه التعليمات وانما تستفيد البنوك التي ستأخذ هذه الأموال وتعيد اقراضها، اضافة الى استفادة الحكومة من سند الخزينة بحيث تقترض وتستثمر أو تصرف هذه الأموال في نفقات جارية لا تفيد المواطن. والمفترض وجود تعليمات لتشجيع المشاريع الانتاجية أو السياحية التي تشغل المواطنين الأردنيين، واعطاء المستثمر الجواز فورا وليس فترة جواز مؤقتة لثلاث سنوات ثم منحه الجنسية.
ودعى الى وجوب اعادة النظر في هذه التعليمات، لانها ليست منافسة ولن تشجع اي شخص بالقدوم للاستثمار والحصول على الجنسية الأردنية، اي منح الجنسية لأي مستثمر يريد الانتاج وتحقيق فائدة للمواطن نفسه، ويرغب باقامة أي مشروع انتاجي في عمان أو المحافظات، لان هنالك دول منافسة ذات قدرات ونمط استهلاكي تمنح أقل من ذلك بكثير.
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي الدكتور حسام عياش أن تعديلات الحكومة على أسس قانون الاستثمار وتجديد الشروط التي بموجبها يمكن منح المستثمرين الجنسية الأردنية، يعني أن هذا المشروع لم يحقق غاياته أو ان الهدف كان الحصول على الجنسية أكثر من الاستثمار، ولربما ان النتائج المتواخاة من هذا المشروع بحد ذاته لم تكن بحجم التوقعات، وبالتالي فإن الكثير من القرارات التي اتخذتها حكومات سابقة جاءت حكومات لاحقة اما لان تعدلها او تغيرها وتاتي ببديل عنها، وهذا ليس بالأمر الغريب أن تثبت حكومة لاحقة على قرارات حكومة سبقتها، مشيرا الى أن هذا الأساس الذي جاءت عليه هذه التعديلات لكي تعكس رؤية الحكومة للاستثمار.
وأضاف الى أن الحكومات غير قادرة على ادارة ملف الاستثمار بالشكل المطلوب، اما أنهم يواجهون صعوبة وتعقيدا في توجيهه بحيث تجرب السياسات والاجراءات والأنظمة حتى الأشخاص القائمين على العملية الاستثمارية وبالتالي تختلف الرؤى والأفكار والمواقف، وتختلف الحلول بحيث أن هناك حلولا "فايعة" أي ليست استراتيجية وانما مرحلية. وأوضح أن البيانات والمعلومات متباينة بين الجهات الرسمية الأردنية فيما يتعلق بالاستثمار، فالبنك المركزي يتحدث عن 497 مليون دينار استثمار أجنبي مباشر في الأردن بنمو 2% في العام 2020 عن 2019، مستنكرا أن يكون العام الماضي يمكن التحدث فيه عن فرص استثمارية الا اذا كان في بعض القطاعات المحددة مثل الطبية والزراعية والغذائية، أو أن تكون استثمارات انتاجية واستهلاكية ومؤقتة أو استكمالا لاستثمارات سابقة. في المقابل تشير هيئة الاستثمارالى أن حجم المشروعات الاستثمارية المستفيدة من قانون هيئة الاستثمار الأردنية ارتفع 26% عام 2020 مقارنة بالعام 2019، وبقيمة اجمالية بلغت 618 مليون دينار مشاريع.
وأشار عياش من باب اطلاع الرأي العام والشفافية، لا نعلم اذا كانت المشاريع حقيقية وأغلب الظن انها مشاريع تم التوافق عليها أو أنها مشاريع جديدة بدأ العمل بها أو استكمالا لمشاريع سابقة، أو مشاريع متفق عليها قد تتم وقد لا تتم، والعمالة المتوقعة في هذه المشاريع كما قيل حينها ما يعادل 24 الف فرصة عمل، الا أنه لم يتم التأكيد على أن هذه العمالة متوقعة أو أكيدة. مؤكدا أن هناك فوضى فيما يتعلق بالبيانات والمعلومات المتعلقة بالاستثمار بالأردن، ناهيك عن أن القوانين والأنظمة والسياسات والتشريعات تختلف باختلاف النظرة اليها والرؤى الشخصية للاستثمار تختلف من شخص لآخر، في أن القوانين تنظيمية أم انها سياسات اجرائية "السياسات الناظمة للعملية الاستثمارية".
وأكد أن ما قامت به الحكومة أمر متوقع في سياق هذه التغييرات المستمرة، علما بأن عدد الذين حصلوا على الجنسية الأردنية خلال الثلاث سنوات السابقة 206 مستثمر فقط، بمعدل 68 مستثمر سنويا، وحجم الاستثمارات الاجمالية لهولاء كان أحد المبررات التي دفعت لتعديل السياسات والأنظمة التي بموجبها يتم منح الجنسية، كما علينا أن ندرك أن هناك منافسين كدول عظمى في الاقليم تستطيع أن تنافس وتستقطب ليس فقط المستثمر الأجنبي، وانما المستثمر الأردني المحلي. لذلك منطلق التفكير لجذب الاستثمارات يجب أن يكون أكثر مرونة وتنافسية، مشيرا الى عدم الرغبة بإستثمارات كيفما اتفق وفقط للاستثمار بحد ذاته وانما استثمارات مستدامة موفرة لفرص العمل، اضافة الى أن الأنظمة والتعديلات المستمرة عليها هي واحدة من العوامل الطاردة للاستثمارات وليست مستقطبة لها، لذلك هذه كلها عناصر لا يفترض أن تغيب عن باب المسؤول الأردني.
وفي نهاية حديثه قال، "طالبت وأطالب" بإلغاء هيئة الاستثمار وفق مدرجاتها الحالية وإقامة مؤسسة جديدة وفق قواعد جديدة ومنطق مستقبلي فيما يتعلق بإدارة الاستثمارات والتعامل معها، وليس ضمن قوانين وأنظمة من الواضح أنها لم تعد فاعلة بالشكل المطلوب خصوصا بعد جائحة كورونا، وهذا يستدعي ثورة في ادارة العملية الاستثمارية وفق الأسس والاحتياجات الفعلية الأردنية التي ليس شرطا أن تكون استثمارات ضخمة وهذا ما يناسب المجتمع والاقتصاد الأردني وايجاد فرص العمل في أماكن مختلفة في المملكة.