التعليم العالي تحصد المركز الأول بجائزة الملك لتميز الأداء الحكومي والشفافية العقبة تحتفي باليوم الوطني للقراءة وتعلن الموسم الثاني لمسابقة "خير جليس " تباطؤ نمو الاقتصاد البريطاني في الربع الثاني إلى 0.5 بالمئة "ساعدونا في تحقيق هذا الحلم".. حملة دعائية في إسرائيل لشراء منازل في لبنان (صورة) وزارتا التربية والعدل إلى نهائي بطولة ولي العهد الثالثة لخماسيات كرة القدم استطلاع اسرائيلي: :الليكود" الحزب الأكبر مديرية الأمن العام من خلال الدفاع المدني تحصل على ختم التميز ضمن جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز جلالة الملك يسلم شركة كهرباء إربد جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز للقطاع الخاص لعام ٢٠٢٤ البحوث الزراعية يحصد المركز الاول لجائزة الملك عبدالله للتميز عن قطاع التنمية المحلية لعام 2024 وحدة دعم مبتوري الأطراف المتنقلة تواصل عملها في قطاع غزة الجغبير مديراً لمعرض نيتا الأردن لدى طهبوب للسيارات معدل استخدام منصات التواصل الاجتماعي لمتابعة وسائل الإعلام نحو 3 ساعات يوميًا المستشفى الأردني غزة 79 يستقبل 16 ألف مراجع منذ مباشرة عمله زوجة رونالدو تطلق عطراً جديداً في السعودية تصريح صحفي نعيا لشهداء الجبهة الشعبية في لبنان أبو السمن يستقبل وفد الصندوق السعودي للتنمية الأشغال تنعى مدير إدارة الرقابة عقلة العجالين ‎انجاز علمي عماني باعتماد ١٣ عالماً من جامعة نزوى العمانيه ضمن قائمة ستانفورد لأفضل 2٪ من العلماء لعام 2024 الامانة الثانية في جائزة الملك عبدالله الثاني للتميز و الاولى للموظف القيادي الخارجية تؤكد استمرارها بمتابعة أوضاع الأردنيين في لبنان

دراسة نقدية لرواية ( عندما تزهر البنادق ) ( دير ياسين ) للأديبة و الروائية الأردنية " بديعة النعيمي "

دراسة نقدية لرواية  عندما تزهر البنادق   دير ياسين  للأديبة و الروائية الأردنية  بديعة النعيمي
الأنباط -


قراءة نقدية :
التفاعل بين ثلاثية الذاكرة و الهوية و الواقع المعيش في الذات الفلسطينية من منظور رواية " عندما تزهر البنادق " ( دير ياسين ) للروائية بديعة النعيمي .
 

صدرت رواية " عندما تزهر البنادق ( دير ياسين ) " للأديبة الروائية " بديعة النعيمي ، عن دار فضاءات للنشر و التوزيع ، بالمملكة الأردنية الشقيقة . رصدت الروائية ، فصول النكبة الفلسطينية ، عبر سيرورة زمنيّة ، تمتدّ من آذار 1920 / إلى عام 1958 م .
و بما أن العنوان في النص الأدبي ؛ الشعري أو النثري ، هو عتبته ، فإنّ الروائية بديعة النعيمي ، آثرت أن يكون عنوان هذه الرواية " عندما تزهر البنادق " ، عتبة زاخرة بروح الصمود و المقاومة . و مزجت فيه عنصرين متلازمين ، الحرية / البندقية ، و السلام / المقاومة المسلّحة . فالحرية تزهر بطلقات البنادق ، و البنادق ( المقاومة المسلحة ) هي الحارس الأمين للحريّة .

تضم الرواية أربعة أقسام أو أجزاء ، في سياق بيئة زمنيّة معلومة ، حصرتها الروائية بديعة النعيمي ، بين آذار 1920 م إلى غاية 1958 م . و هي ، لعمري ، رواية ترصد ، بلغة سردية و حواريّة أحداثا واقعيّة ، في فلسطين المغتصبة ، و بالخصوص ،( بلدة دير ياسين ) ، في فترتي الانتداب البريطاني ، و بداية الهجرة اليهودية / الصهيونية ، و التهجير ، و النزوح اللذان فرضا – بضم الفاء – على الشعب الفلسطيني . و ذلك من خلال رصد ليوميات عائلة الجدّ الحاج أسعد ، في صراعها اليومي المستميت عن وجودها ، و عن قريتها دير ياسين . و تحمل بطلة الرواية زينب لواء ذلك الصراع اليومي المرير . إلى أن تفقد ذاكرتها بفعل صدمة النكبة ، وسقوط قريتها دير ياسين و دمار و خراب الديوانية الكبيرة ( البيت الكبير للعائلة ) . ثم تبدأ بطلة الرواية زينب في استعادة ذاكرتها المفقودة ، و هي في المصح ، رويدا رويدا . " ناداها صوت خافت كأنّه قادم من مجرة أخرى .." ص 11 ، " تمكّنت أخيرا من تمييز كلمات جاءتها متقطّعة ..." ص 11 . و تبدأ معها أحداث الرواية ، لترسم لنا الكاتبة بديعة النعيمي ، صورة قاتمة ، بل شديدة السواد ، لمعاناة أهالي دير ياسين ، و ما تعرّضوا له من تهجير و قتل على الهويّة ، مارسته العصابات الصهيونية ، لكل الوسائل الجهنّميّة . لكن صمود أهل بلدة دير ياسين ، رمز البطولة و الشجاعة و النخوة و الإباء ، و إلى جانبها البلدات الفلسطينية الأخرى ، أحبط كل محاولات طمس الهويّة الفلسطينية ، و محو ذاكرتها الوطنية الصلبة ( الجد أسعد ) ، و انبعاث الجيل الجديد المتمثّل في بطلة الرواية زينب ، و أعمامها ؛ أبناء الحاج أسعد ، من رماد النكبة و ركامها ، ليحيي ، ذلك الجيل ، روح المقاومة من جديد .انبعاث يشبه انبعاث العنقاء من الرماد . و في نهاية الرواية اكتشف بطلة الرواية زينب ، رفقة ناجي ، أنّهما أمام " خريطة لوطن مهشّم ، بدا لها و هو ينسحب إلى المجهول " ص 178 . كما وجدا نفسيهما ، فجأة ، " أمام بوابة مندلبوم يحدّقان بالقادمين " ص 179 . و عندها قالت : " هنا الحبر الأخضر و الأحمر بأن يمتزجا ، فكيف قبلنا بأن نمتزجا بهما ؟ ؟ " ص 179 . و هي إشارة و رمز لتقسيم مدينة القدس ، إلى جزء شرقيّ و آخر غربيّ . و استمرار ظاهرة الهجرة الصهيونية نحو مدينة القدس و إنشاء المستوطنات للعصابات أبناء صهيون . و صمت العرب و خنوعهم و استسلامهم أمام جرائم الاستيطان البغيض ، بل و إقدام الجبناء منهم على التطبيع من الكيان الصهيوني ، تحت ذريعة السلام و صفقة القرن المذلّة ، التي هي وعد بلفوريّ جديد ، و استمرار لقرار مؤتمر بيلتمور بالولايات المتّحدة الأمريكية عام 1942 م ، بتحوبل فلسطين إلى كومنولث يهودي ، و هي ريشة الإوزّة التي جمعت الهنود الحمر في محميات تشبه محميات الحيوانات ، عندما استولى الغزاة الأوربيين الدخلاء على أراضيهم ، و أبادوا أكثرهم . و هنا ، ، نجد الروائية ، قد وظّفت المنهج الإسقاطي في علم النفس . و منهج يعتمد على تقنية إسقاط الواقع المعيش على الحوادث و الوقائع التاريخية ، من خلال تصور الذات في الحدث ، أو الواقعة التاريخية .

تمر ّ على عائلة الحاج أسعد ، القاطنة بدير ياسين ، في صراعها مع نوائب الحياة ، أحداث جمّة و مختلفة . حزينة و مأساوية و سارة . لكنّ ، ما شغل الحاج أسعد ، و أهالي دير ياسين ، و قض مضاجعهم ، هو صراعهم اليومي مع الاحتلال البريطاني و التمدّد الصهيوني . الذي بدأ يبتلع الأراضي الفلسطينية و قراها الآمنة ، سواء بالطرق السياسية أو بالهجمات الإرهابية التي كانت تقودها عصابات الموت و التهجير و التصفية العرقية .

قال الأب أبو سالم لابنته زينب " لا تخافي يا زينب ، فلن نترك الدار التي مازالت تحن إلى رائحتنا ... و سنقعد لهم بالمرصاد " ص 33 " سنسمعهم وقع خطانا العائدة ، و صوت قرقعة مفاتيحنا " ص 33 .
إنّ كفاح الشعوب ، بكل الوسائل المادية و المعنوية ، من أجل استرجاع حريتها و كرامتها و عزتها و أرضها و شرفها ، لا يقاس بعدد السنين . و إنّما يقاس بمقياس الإيمان بالقضية و روح الصمود و الصبر و قوة العزيمة أو ضعفها .
لقد استمر الاحتلال الفرنسي للجزائر قرنا و ثلثا من الظلام و القهر ، حتى ظنّت فرنسا أنّ الأمر قد استتبّ لها إلى الأبد . و اعتقد بعض الخانعين و العملاء ( الحركى ) ، أن الوجود الفرنسي في الجزائر قضاء و قدر . و قال بعض الأهالي الجبناء ، أنّ رفع السلاح في وجه فرنسا خروج عن نواميس الكون و إرادة الله . ( فالله هو الذي أتى بفرنسا ، و هو الذي ، إن شاء ، أخرجها ) . لكنّ لعلعة الرصاص و صرير البنادق في فاتح نوفمبر 1954 م ، كان الجواب ، و( قطعت جهيزة قول كل خطيب) . فالحق لا يضيع بالتقادم ، مادام من ورائه طالب لا يسأم و لا يتواكل .
و الشعب الفلسطيني مطالب ، بل مجبر على استلهام آيات النضال و معاني الجهاد المقدّس من الشعب الجزائري ، و الشعوب المكافحة . فالنصر قادم لا محالة . ( فالشمس لم تخن الأرض ) ص 24 . تسأل زينب جدّها ( هل أخمّن إلام تنظر يا جدي ؟ ) ص26 ، تردف قائلة : ( الله أعلم ، يا جدي بأنّ نظرك وصل لتلك الصبّارات التي تتكيء على طول المنحدر ) ص24 .
أجل ، هو الإيمب على أرض مغتصبة بقوّة السلاح و النار ، تحت ذريعة السلام و التعايش السلمي ؟ هل يمكن أن يصبح اللص سيّدا ، و صاحب الأرض عبدا ذليلا ، بعقد أو صفقة لقيطة ؟
أمّا زينب ، (المريضة ) ، الفاقدة للذاكرة . فتبدو مصرّة على استرجاع ذاكرتها . و وجودها في المصحّة ، وجود ظرفيّ . و مرضها ، تفاقم نتيجة سوء علاجها من طبيبها السابق ، الذي كتب في إضبارة تقييما لحالتها المرضية ، مايلي : " تعيش المريضة في أوهام من صنع خيالها ، مضطربة ويزداد اضطرابها ليلا ، ثم ....نصف مجنونة " ص 61 . هذا التقييم من طبيبها السابق ، شكّل لديها عقدة مرضية و قهرية ، أجلت شفاءها. " و كانت قد تشكّلت لديها عقدة من طبيبها الذي كان قاسيا معها " ص61 . غير أنّ ناجي ، طبيبها الجديد ، لاحظ ، بعد قراءة إضبارة الطبيب السابق ، هزته حالتها ، و ردد بصوت منخفض : " ... هراء ....أغبياء " ص61 .
. فزينب ( عائدة ) في الرواية ، ترمز إلى فلسطين التي ضيعتها المؤتمرات العربية الفاشلة ، و قراراتها الجوفاء ، التي كانت عبارة عن حقن ، لتطييب الخواطر ، و تخفيف أوجاع الداء ( الاحتلال الصهيوني ) ، لا للقضاء عليه قضاء مبرما . أمّا الجامعة العربية ، التي هي صنيعة بريطانية ، فقد كانت مواقفها ، و ما زالت ، مترّهلة كترّهل قادتها . إنّ الطبيب السابق يرمز ، للجيل الذي مهّد و أنتج النكبة و النكسة معا . أمّا ناجي ، الطبيب الجديد ، فهو رمز لجيل الانتفاضة و المقاومة . الجيل الذي سيصحح أخطاء الجيل السابق . الذي أضاع فلسطين ، مثلما فعل الطبيب الجديد " ناجي ''. و الذي ، سيعيد لزينب وعيها ، " كل شيء رح يختلف من هذا اليوم يا عائدة " ص63 .
لغة السرد في رواية "عندما تزهر البنادق " لبديعة النعيمي :
تظهر لغة السرد و الحكاية عند الروائية بديعة النعيمي في روايتها " عندما تزهر البنادق " ، مراعية لقواعد النحو و الإملاء ، دالة على الفعل والحدث المقترن بحركيّة الزمن ، مع توظيف تقنيّة ( الفلاش باك ) ، أو عملية الاستحضار أو الاسترجاع أو الخطف خلفا في بداية الرواية " تذكّرت ذلك البركان ..الذي كان دائم الثوران بداخلها و الذي تجاوز قطره عمرا كاملا من الألم و الخيبات " ص 11 ، و تقنية مشهورة لدى كتاب القصة و الرواية و السيناريو ، هدفها ، تعزيز فكرة معيّنة ، أو إعطاء تلميحات لتذكّر أحداث مستقبلية ، أو خلق تشويق ، و خلق مزيد من العمق السردي ، و ذلك لفهم العلاقات و الدوافع الشخصية و منظورها . كما وظفت الروائية ، أيضا ، تقنية التسلسل التقليدي للأحداث في اتجاهها الطبيعي ، دون التفافات أو تعرجات من شأنها إرباك القاريء .
و روت الروائية الأحداث ، على ألسنة شخصياتها ؛ الرئيسة و الثانوية ، الجاهزة ( الجد الحاج أسعد ) و النامية ( زينب / عايدة ) ، من منظور سردي حيادي . و تبدو الكاتبة عليمة بالمشاعر الداخلية لشخصيات روايتها . و استطاعت سبر أغوارهم ، و إثراء الفضاء النصّي ، بالكثير من المعلومات التاريخية ، التي ارتبطت بزمان و مكان جريان مشاهد الأحداث الدرامية في الرواية .

و لم تغفل الروائية ، بديعة النعيمي ، جماليات اللغة السردية و الفنيّة . ممّا أضفى على الكثير من المقاطع في ثنايا النص ، تصويرا دقيقا و مجازيا للمعاني ، كالتشبيهات و الاستعارات و الكنايات . و اللغة السرديّة ، غالبا ، ما تكشف عن عبقرية الكاتب الروائي في وصف الأحداث و تفاصيلها . و هو وصف لا يقتصر على المظاهر الخارجية ، المرئية ، و إنّما تغوص في أعماق الأحداث ، و المشاعر الداخلية لشخصيات الرواية الرئيسة منها و الثانوية . النامية و الجاهزة على حدّ سواء ، كما وردت في وصف يوميات الجد الحاج أسعد و عائلته و أبناء دير ياسين في خدمة الأرض و الاعتناء بزيتونها الرامز للأصالة الفلسطينية الراسخة في أعماق الأرض كأشجار الزيتون و كروم العنب و التين ، و صبارات المنحدر الدالة على المقاومة و التحدّي و الديمومة و الصبر على المكاره ، و التمسّك بحق العودة إلى الوطن و استرجاع القدس ، عاصمة فلسطينية ، مقدّسة ، موحدة ، مستقلّة ، من خلال الاحتفاظ بمفاتيح البيوت المغتصبة " سنسمعهم وقع خطانا العائدة ، و صوت قرقعة مفاتيحنا " ص 33 . أجل ، فتذكير الأبناء و الأحفاد بحتمية العودة و قربها ، مسؤولية جيلي الآباء و الأجداد ، كي يضعوها " حلقة في آذانهم " ص 36 .
لغة الحوار في رواية " عندما تزهر البنادق " لبديعة النعيمي :
عادة ما تكون لغة الحوار في النص الروائي ، دالة على المكوّنات النفسيّة و السلوكية للشخصيات . كما تكشف للقاريء موقعها من سيرورة الأحداث و عن مستواها العقلي و المعرفي و العاطفي ، و عن علاقاتها الخارجية ، و عن أزمانها و اتجاهاتها و وعيها حول ما يدور حولها . و الحوار في الرواية ، يكسر رتابة السرد و يمسرحه ( المسرح ) إلى مشاهد تجذب المتلقّي . كما يعتبر الحوار في المتن الروائي سندا قويّا للبنية السردية إلى جانب تقنيات الوصف الخارجي و الداخلي لعوالم الشخصيات الروائية الفاعلة ، و استحضار اللغة و الحلم و الخيال و البيئة و العادات و التقاليد .
و لعل أهم إشكالية ، وجهت الكتاب و النقاد ، الحوار في النص الروائي ، بسبب ازدواجية توظيف اللغتين ، الفصحى و العامية أو اللغة الوسطى ، المازجة بينهما . و بالعودة إلى رواية " عندما تزهر البنادق " للروائية ، الأستاذة بديعة النعيمي . نلاحظ أنّها اعتمدت في إدراة حواراتها بين شخصيات روايتها ، بلغة محليّة بسيطة و سلسة و مفهومة و مشوقة ، تعبّرعن البيئة الشاميّة والفلسطينيّة المحليّة . و ترسم لوحة جميلة للمجتمع الفلسطيني / المقدسي . و قد كان أغلب حوارات الحاج أسعد و أبنائه و زينب و أمها و نسوة دير ياسين ، باللغة المحليّة . منها على سبيل المثال ، لا الحصر ، حين تسأل زينب جدها قائلة : " طيب يا سيدي احكيلي هم الصبارات ما يستوحشوا و هم جالسات هناك لحالهم ؟ " ص 27 ، فيجيبها : " بس تكبري بتعرفي الجواب لحالك " ص27 . " شوفيك يا سيدي ؟ " ص 43 . و أيضا في حوار نسوة بيت أبي أسعد و زينب : " هذا بيسمّوه انتداب " ص 25 . و حوار أسعد مع أم سالم : " شوفي يا أم سالم هالحب زي الذهب " ص 35 ، " ها لزيتونات ولادات مثل نسوان فلسطين " ص35 . و حديث الطبيب ناجي مع زينب ( عائدة ) " كل شي رح يختلف من هذا اليوم يا عائدة " ص63 . " جهزي حالك عائدة ،الزيارة القادمة بدنا نتمشى بالحديقة ، شو رأيك يا صديقتي ؟ " ص 63 . و حين تتكلّم شخصيات رواية " حين تزهر البنادق " للروائية بديعة النعيمي ، بلغتها الخاصة ، فهي تترجم لنا ، كقرّاء و نقّاد رؤيتها للأحداث ، و تعبّر عن انفعالاتها و تاريخها . و من خلال الحوار ، المبني و المنتج ، و الذي جرى باللغة اليومية المحكية ( اللغة العاميّة ) ، بين الجد الحاج أسعد و حفيدته زينب ، و بين زينب و والدها و أمّها و أعمامها ، و خاصة عمّها أيّوب و نساء أعمامها ، تظهر لنا سمات كل شخصية و مميّزاتها ، و وجودها و تفاعلاتها و دواخلها و طموحاتها و حواسها المختلفة . في الرواية ، إلى جانب اللغة المحكية ، التي تمارسها الشخصيات في ثنايا النص ، هناك لغة فصيحة ، راقية ، خلقت عوالم شاعرية ، و موحية ، و مجازية . كشفت للقاريء المتمعّن عن مدى امتلاك الروائية بديعة النعيمي لرصيد لغويّ فعّال ، عبّرت عن مدى قدرتها على تسخير قاموسها اللغويّ لرسم معالم شخصياتها نفسيّا و سلوكيّا . فلغة الحوار داخل العمل الأدبي ، كما هو متعارف عليه بين النقّاد ، تشكّل نقطة إيضاح أو نظريّة تتحكم في البنية السردية للنص ، و تحدّد البيئة ، و نوعية ثقافة الأبطال و الشخصيات المميّزة داخل العمل الأدبي الواحد . ,

استطاعت الكاتبة الروائية ، بديعة النعيمي ، أن توظف عنصر الحوار ، بذكاء و رشاقة ، و جعله وعاء ناقلا لمجموعة من المفاهيم و الأحاسيس و الطموحات . " ما بك يا صديقتي ، و بم تفكّرين ؟ ص 88 " ، " هناك يا دكتور حلمنا ، و هناك توسدنا جميع أحلام الغد من غير أن نعلم شيئا عن ذلك الغد و كيف سيكون ؟ "ص 88 . " أخبرني كيف سيرقص عمّي رقصته الصوفية عندما يعود ؟ ص 115 .
و لغة الحوار، في رواية الروائية بديعة النعيمي ، أغلبها لغة إنشائية ، إيحائية ، مستفزّة للذاكرة ، مقاومة للنسيان ، محكيّة ، محليّة ، لكنّها ليست منغلقة على ذاتها . أي ، تنطلق من ذاتها ، لتصبّ في ذاتها . هي لغة شامية وسطى ، و محلّقة في آفاق القومية و العالمية . و لا أتصوّر قارئا عربيّا يقف عاجزا أو حائرا في فكّ شفرات معانيها المباشرة و المجازية .
هذا الحوار ، أعطى للرواية صراعا دراميا ، و تواصلا بين الأزمنة الثلاثة ؛ الماضي ، الذي خزنته ذاكرة الجد الحاج أسعد و الديوانية ، و الحاضر الذي يحياه الأبناء و الأحفاد في مخيّمات النزوح و اللجوء ، و المستقبل ، الذي تهفو إليه زينب ، و هو الخلاص من المغتصب الصهيوني . وهو صراع نابع من الواقع المعيش ، و هو عالم مأساوي ، و من أعماق الذاكرة ، و لا يشعر بمرارته إلا من طالته مظالم الاحتلال الصهيوني البشع .
و في الحوار الذي دار بين شخصيات الرواية ؛ بين زينب و جدّها الحاج أسعد ، و بينها و بين الطبيب ناجي ، و بينها و بين عمّها أيوب . يبدو إصرار زينب على معرفة الحقيقة . ما سرّ ضياع فلسطين ؟ و من المسؤول عن ضياعها ؟ و لماذا خذلها العرب ( الأعراب ) و تقاعسوا عن نصرتها ، في حين ساهم الغرب ، شرقه و غربه ، بشتى طوائفه الدينية و إيديولوجياته و مذاهبه الاجتماعية و السياسية ، في قيام كيان صهيونيّ غاشم ؟
يمكننا ، و بكل يقين ، تصنيف رواية " عندما تزهر البنادق " للروائية اللامعة ، بديعة النعيمي ، ضمن أدب المقاومة . يقول محمود درويش ، مقدما لقصيدته ، مديح الظل ، أن عظمة الثورة الفلسطينية ، أنّها ليست بندقية ، فلو كانت بندقية فقط ، لكانت قاطعة طريق ، و لكنّها لفظ شاعر و ريشة فنان و قلم كاتب و مبضع جرّاح و إبرة لفتاة تخيط قميص فدائييها و زوجها .
و أعتبر رواية " عندما تزهر البنادق " للروائية بديعة النعيمي ، إضافة جادة لرفوف الرواية العربية المعاصرة ، و إثراء مميّزا للمكتبة الأردنيّة و العربية . أتمنى أن يلتفت إليها القراء و النقاد .
بقلم : الكاتب الروائي : علي فضيل العربي
سيدي عكاشة / الجزائر / في 21 / 02 / 2021
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير