نفوذ الإسلاميين: بين الحظر المحلي والتصنيف الدولي
أحمد الضرابعة
في سياق إقليمي مُشجِّع على صعود حركات الإسلام السياسي في المنطقة كردّ فعل على توسع المشروع الإسرائيلي، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً لتصنيف فروع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومصر ولبنان كمنظمات إرهابية أجنبية. تحاول الإدارة الأميركية استباق مسارات الأحداث في المنطقة بقرارات يمكن من خلالها تحجيم القوى السياسية التي يُتَوقع منها أن تقوم بأنشطة ذات طابع راديكالي تُعرضّ المصالح الأميركية والإسرائيلية للخطر، مُستخدمةً غطاء "مكافحة الإرهاب" لتبرير سياستها الخارجية تجاه حركات الإسلام السياسي في المنطقة. رغم أن هذه الأخيرة تواجه بالأصل أزمة داخلية مفصولة عن الاعتبارات السياسية الدولية في كلاً من الأردن ومصر ولبنان، إلا أن إحالتها على قوائم الإرهاب الأميركية لا يعني أن ذلك سيؤدي بالضرورة لتطويق حضورها الأيديولوجي في المجتمعات الحاضنة لها، فعلى سبيل المثال، جماعة الإخوان المسلمين في الأردن يمكن وصفها برأس الأخطبوط الذي يملك العديد من الأذرع، السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي غرست من خلالها أفكارها في المجتمع المحلي وجعلت منها أكبر مؤثر سياسي على الساحة الوطنية، فعن طريق حزب جبهة العمل الإسلامي، والجمعيات الخيرية والمراكز الدينية، والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية التابعة للجماعة أو المرتبطة بأسماء أفراد منها، إلى جانب حضورها في النقابات المهنية وساحات العمل الطلابي، تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من توسيع نفوذها الأيديولوجي في الأردن. مقابل ذلك، لم تنشأ بعد أي قوة سياسية مؤهلة لتكون هي المكافئ الموضوعي لحزب جبهة العمل الإسلامي، فرغم حظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وقطع صلة الحزب بالجماعة المحظورة، ما تزال الخارطة الحزبية على حالها، ولم تحدث أي تغييرات يُلمس منها ولادة تيار مهما كان لونه السياسي قادر على موازاة الإسلاميين، حزباً وجماعة. صحيح أن التفصيلات اللاحقة للأمر التنفيذي الأميركي لتصنيف فروع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ولبنان ومصر قد توضح طبيعة التغييرات المرتقبة في المعادلة السياسية الخاصة بكل بلد من البلدان الثلاثة، إلا أن ما يمكن فهمه أن الإدارة الأميركية لا تسعى إلى ما هو أكثر من تضييق الخناق المالي على شبكات الجماعة المعقدة، بينما تبقى مواجهة نفوذها الأيديولوجي تحدٍ داخلي لا يمكن معالجته إلا بجهود وطنية خالصة، وهذا ما يمكن تفصيله في مقال لاحق