التاريخ لا يرحم الأغبياء...
التاريخ لا يرحم الأغبياء...
من لم يفهم الدرس يقع في نفس الأخطاء، وستبقى النتيجة واحدة، ستصفعك الأحداث بكل قوة ولن ترحمك، لذلك عندما يكثر المدعون نعود إلى التاريخ بشيء من التمحيص، ففي صفحاته تكمن الحقيقة التي يحاول البعض النيل منها، ولكن تأبى الشواهد والأدلة إلا أن تؤشر عليها، وهذا لا يقلل من جهاد الشعوب وتضحياتها، فالمرحلة كانت مظلمة وحالكة.
للأسف أيضا نحن لا نسمع لغير المنتصر ، ومهما قال الطرف الآخر لن يكون مقبولا. ولذلك لم استغرب يوما أن تكون هذه هي حال الأمة العربية، في وقت كان التاريخ يسجل خيانة وتواطىء بلدان هنا وهناك، وقيام حدود ودول نتيجة لهذا التواطىء كانت هناك فئات تدفع الثمن .
هناك مقولة عند الايرلنديين ان الشمس لا تغيب عن الانجليز لأن الله لا يثق بهم ، وإذا نظرت بعين التحليل إلى واقع الأمة اليوم تجد أن ما وقع هو بفضل دسائسهم ومكرهم، كان الاتفاق على أمة عربية، فخرج من تحت عباءة الإتفاق من أراد ملك هنا أو ملك هناك، ووجد الشريف حسين نفسه في مواجهة خيانة الأخ قبل خيانة العدو. لم يكن سيقبل ما فرضه عليه الواقع نتيجة لتلك الخيانة، ولذلك قبل بالنفي ولم يقبل بهذا الواقع، لو بقيت أمة العرب أمة واحدة، وكلمة واحدة لوجد الانجليز والفرنسيين وبعدهم الأمريكان أنفسهم في مأزق جديد.
ولذلك عمل الانجليز على إيجاد دويلات وممالك بلا مقومات ولا تستطيع الصمود، حتى تبقى رهينة المساعدات والتحالفات، وتبقى خيرات الأمة وقدراتها وكلمتها مسلوبة، وتم شراء زعماء جدد كان كل همهم هو ذلك الكرسي الذي يجلسون عليه، بلا إدراك لخطورة الخيانة وضريبتها المرتفعة على الأمة جميعا. نعم ستبقى بصمة الانجليز قائمة في هذا الواقع الذي نعيش، ولكن ضيق الأفق وضحالة التفكير، وضعف الوطنية والانتماء عند بعض من كانوا في تلك الفترة، كان له بصمة ايضا ودفعنا جميعنا الثمن.
يقول وصفي (خرج العرب من الحرب العالمية الأولى والسنين الثلاث التي تلتها وقد خدعهم الحلفاء، وجزأتهم معاهدة سايكس بيكو وقسمت ديارهم إلى مناطق إستعمار وإنتداب ونفوذ بين الحلفاء المنتصرين ). ووعد بلفور اليهود بفلسطين وشرق الأردن نعم، وشرق الأردن لمن لا يعلم كان ضمن الوعد لليهود، وعمل الفرنسيون على الإطاحة بحكم الملك فيصل في دمشق 1920 ( التي كان الشريف حسين وعبدالله يسعيان لسوريا الكبرى على أقل تقدير، ولكنه نظام عالمي إستعماري في حينه، وسيطرة لليهود على مراكز القرار ) ، كل هذا جعل العرب وعلى الأخص في الهلال الخصيب، في وضع ذهول ومرارة ونكران وعدم تصديق لما حدث، وبصورة تشبه الذهول والمرارة التي أصابت العرب بعد نكبة فلسطين .
سنين طويلة تحت الحكم التركي ونقص في الخبرة والحكم، والخطط والتخطيط والاستراتيجيات العالمية، والتحالفات الداخلية والخارجية وقلة في المال والعتاد هذا كان واقع تلك المرحلة. واذا لم نفهم الدرس فقد تتكرر النتائج بشكل أكبر وخسارة أكبر .
أخبر مكماهون الشريف حسين بأنه سيكون للعرب وطن واحد يشمل فلسطين ، وأخبر روزفلت- عبد العزيز بن سعود بأن الحل في فلسطين لن يكون على حساب العرب، وأخبر تشرشل - عبدالله الأول بأنه إذا تمكن من تثبيت الأمن في شرق الأردن، سيتم توحيد سوريا بعد ستة أشهر تحت الحكم العربي الهاشمي في الأردن 1921 ، وأخبر البريطانيون النقراشي باشا بأنهم لن يسمحوا بامتداد الحرب وتمكين اليهود في فلسطين، وأخبروا السوريين والعراقيين أيضا برغبتهم المطلقة بحل النزاع العربي الصهيوني وإنصاف عرب فلسطين.
كل ذلك كان في مقابل التعاون واخماد الثورات، ومساعدة بريطانيا في حربها العالمية، والرضا بأن يكون هناك موطىء قدم لليهود، وبدون التأثير طبعا على ديموغرافية وشكل وحكم المنطقة، الرضا بموطىء قدم لليهود في فلسطين بما يشبه كنفدرالية، وتتحقق الوعود بدولة عربية واحدة وحكم واحلام كانت بعيدة، قد تتحقق بالاستقلال والسعي لشبه خلافة عربية واحدة، لن يضر هذا الجسد اذا كان هناك كيان لليهود فيه، ولم يدروا بأنه ليس كيان ولكن سرطان خبيث، والمستعمر كان يخادع بهدف الانتصار على بقايا الحكم العثماني، وتقسيم الكعكة بين فرنسا وبريطانيا والصهيونية العالمية.
وخرج العرب نتيجة هذا التعاون بإستعمار وتقسيم، وحلم ضائع بالوحدة ومجرد وعود، وما أشبه وعود الأمس بوعود اليوم، ما أقف عنده حائرا هي تلك الكلمة التي قالها ( شكري القوتلي رئيس سوريا الذي وقع إتفاق الوحدة عن سوريا، قال لجمال عبد الناصر بأنه سلم له ٦ مليون نسمة نصفهم يعتبرون أنفسهم أنبياء والنصف الآخر يعتبرون أنفسهم زعماء فقال له عبد الناصر مازحا لماذا لم تقل ذلك قبل التوقيع ) ، كان سعي فئات كبيرة هنا وهناك لهدف شخصي، ولكنه لم يكن سعي أمة نضجت وأرادت التحرر من ربقة حكم عثماني لتصنع مجدها ومستقبلها، كان لكل فئة حلم، ودفعت فلسطين ثمن إحلام الطامعين في السلطة.
لكن كيف إستطاعت الانظمة الوليدة بعدها طمس هذه الحقائق وإخفاءها، وأصبح المواطن مجرد دمية في إيد الأنظمة الوليدة الجديدة، ما أدين به نتيجة لهذه الدراسة المستفيضة أن الشريف حسين، تم التغرير به من قبل الانجليز وانه كان يسعى لتوحيد الأمة العربية تحت راية واحدة، فقد كتب من منفاه...لا أقبل إلا أن تكون فلسطين لأهلها العرب، ولا أقبل التجزئة ولا أقبل بالانتداب ولا أسكت وفي عروقي دم عربي، عن مطالبة الحكومة البريطانية بالوفاء بالعهود التي قطعتها للعرب.
ولكن كيف تعرف الأمانة والصدق والوفاء بالعهود الطريق إلي الإنجليز. نعم لقد أغرى الإنجليز العرب الذين تعرضوا للظلم والتهميش، للوقوف ضد بقايا الخلافة العثمانية، وظن البعض أنهم أخيراً يستطيعون التخلص من الفساد الذي أصاب العثمانيين وسيكون لهم دولتهم أخيرا. وسعى الإنجليز لشراء ولاء الشريف حسين، وبعد أن اكتشف خيانتهم رفض عروضهم بمملكة للعرب بدون سوريا وفلسطين، ولكن الشريف لم يكن يعرف أن الذين عندهم إستعداد للتعاون والتهاون والتنازل كثر ، وان هؤلاء سيتنادون لاحقا بالشرف والوطنية والعروبة والإسلام والحفاظ على المقدساتؤ وهم ما نالوا عروشهم إلا ثمنا لتعاونهم مع الانجليز .
ومن كان يطمع بجزء من الكعكة قبل عروضهم، وقد كان الثمن التنازل عن فلسطين وتقسيم العرب ، نعم سيلعن التاريخ الخونة وتلعنهم قبورهم، اما الذين خسروا ديارهم واوطانهم واعراضهم بسبب هذه الفئة وسعيها للسلطة، فلن تكفي لعائن الأرض والسماء لأن هناك يوم يدفع فيه الظالم الحساب للمظلوم.
تاريخيا كان للهاشيمين موقف مشرف وسعي دؤواب في الحفاظ على هوية الأمة ومقدساتها، ودفعوا ثمنا بالغا نتيجة لهذه المواقف، طبعا لم ترحمهم سياط التشهير والخيانة والعمالة، فمن سلط عليهم سياطه كان يملك دولا وحكومات واعلاما ورجالا مثل فاروق والأسد وغيرهم، وهم كانوا قد خسروا تقريبا كل شيء تقريبا، ويسعون لموطىء قدم ينطلقون منه، فلك أن تتخيل من قبض ومن دفع الثمن لتعرف الحقيقة .
الكثير من المعلومات هي من كتاب لعبة الأمم ..محمد العدوان
ابراهيم ابو حويله ...