العتوم يكتب: إنجاح مشروع التحديث السياسي .. ما المطلوب ومن المسؤول؟
بعد مبادرة ملكية سامية وتاريخية تتسم بالتقدمية والجرأة، هدفها تحديث الأردن سياسيا وجعله انموذجا على مستوى المنطقة في العمل السياسي المبني على توسيع المشاركة السياسية والعمل الديمقراطي، ووسط ترقب من جميع الأوساط السياسية والشعبية، بدأت تظهر الملامح الأولية لنتائج هذه التجربة، فقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة الكثير من الإيجابيات والسلبيات التي تستدعي التحليل لتقييم التجربة، وقد اختلطت المشاعر ما بين الراضين عن نتائجها، وما بين الطامحين للوصول إلى نتائج مؤثرة بشكل أكبر على أرض الواقع وبحيث تلامس هموم المواطنين.
والسؤال هنا، كيف نقيم تجربتنا وما المطلوب من كل منا لإنجاحها؟
من النظر إلى النتائج، فجميع الاحزاب تفاجأت، ومن ضمنها تلك التي حصدت مقاعد أقل أو أكثر مما كانت متوقعة، وسبق ذلك ترقب كبير حول نوايا الدولة، وجديتها في المضي قدما في هذا المشروع، وخاصة أن هذا المشروع أتى بعد عقود تم خلالها اجهاض محاولات حزبية عديدة لإعادة تنظيم المجتمع سياسيا، إلا أن نتائج الانتخابات عكست بوضوح جدية الدولة في مشروعها، وتهيئتها للظروف لإنجاح هذا المشروع، أما المواطن، فبلا شك قد تغير مزاجه، وأصبح يرى وجود أحزاب، حتى وإن كان ذلك بعين الترقب والتشكيك، فتغيير قناعة مجتمع لا تأتي بين ليلة وضحاها، فهي عملية تدريجية تحتاج إلى وقت لإنضاجها.
وقد أدركت الأحزاب كذلك بأن طروحاتها لم تلقى آذانا صاغية كما يجب، فبرامجها لا زالت لا تلامس واقع المرحلة وطموحات الأردنيين ومحددات الدولة، وهي لم تتعدى بدايات مشاريع حزبية بحاجة للكثير من الجهد والعمل والتضحية لإنضاجها وهذا أمر طبيعي وخاصة في ظل الضعف المالي للأحزاب ففي ظل هذا الضعف المالي قد تلجأ بعض الأحزاب لتمويل نفسها عن طريقة مبدأ القوي يحمل الضعيف فالمال هو ليس كل شيء ولكن احتماليات نجاح أي مشروع كان ، تتعاظم كلما كان هنالك مال أكثر، فهذه هي سنة الحياة لذلك فالتنظير حول وجوب أن تكون هنالك أحزاب مثالية دون التعامل مع الواقع هو ضرب من الخيال فكيف نريد أحزاب برامجية ديمقراطية وطنية شريفة نظيفة عفيفة في طرفة عين وفي أول تجربة ديمقراطية حقيقية وكل ذلك بلا مال وبلا متبرعين فمن هو الذي يتبرع هذه الأيام لاحزاب بلا مصلحة.
أما مشروع التحديث نفسه والأسس التي بني عليها فهو مشروع سليم ومن صالح الجميع، أما آلية التنفيذ فهي دوما يجب أن تكون خاضعة للنقاش والتقييم والمراجعة، إن مشروع التحديث السياسي بني على تعديلات دستورية وتعديلات لقوانين الانتخاب والأحزاب وقانون الانتخاب هو دوما حجر الرحى في أي عملية تحديث سياسي ومن تجربة قانون الانتخاب ففيه الكثير من الإيجابيات التي تتمثل بتخصيص مقاعد للأحزاب على القائمة العامة وانتقال تدريجي لدور أكبر للأحزاب، اضافة لإيجابيات أخرى عديدة، ولكن السلبيات موجودة كذلك فللأسف لا يزال مبدأ المرشح الشكلي أو ما يسمى شعبيا بمرشح "الحشوة" موجود كنتيجة حتمية للنظام الانتخابي، وهذا الأمر لا بد من تغييره بحيث يكون من يترشح جدي في طرحه، غير ساعي للمشاركة الشكلية والتنفع المالي، وبيع مؤيديه لمرشح آخر، أو أحيانا الترشح خجلا فأغلب مرشحي الدوائر العامة ترشحوا ولم يسعوا إلى إقناع الناس بافكارهم وبرامج أحزابهم، وذلك لأن ترشحهم كان شكليا لا امل للنجاح فيه وأغلب مرشحي الدوائر المحلية ترشحوا لإكمال القوائم، دون أمل بالنجاح ولمن يعرف ما هي الانتخابات وجربها وجرب معاركها يعرف تأثير ذلك على تمزيق المجتمع، وتحفيز التنافر والتباغض وغياب الثقة في مشروع التحديث لذلك فالمشروع يجب أن يعود إلى غايته الأصلية، وهي تنظيم المجتمع لتأطير أفكاره والسعي لتنفيذها تجاه مشاريع لبناء الوطن.
إن إنجاح مشروع التحديث لا يقع على عاتق طرف دون الآخر، هي مسؤولية الجميع من دولة وأحزاب ومواطنين وعلى كل منهم أن يضطلع بدوره ويتحمل مسؤولياته لا أن يلقي كل منهم اللوم على الآخر، فالجميع يجب أن يدرك بأن بداياتنا جيدة ولكن المشروع بحاجة لوقت، والدولة يجب أن تنفتح على تقييم المشروع بايجابية ومعالجة الإشكاليات وعدم الاكتفاء بما تم فالتحديث هو عملية مستمرة لا يجب أن ترفع الدولة يدها عنها وقد يكون أحد المقترحات استمرار عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسة وإجراء تعديلات تشريعية تتعلق بقانون الانتخاب ونظام تمويل الاحزاب والنظام الداخلي لمجلس النواب، بالإضافة إلى السعي نحو تنمية الوعي السياسي لدى الأردنيين، والأحزاب يجب أن تعمل على نفسها لتصبح أكثر تنظيما وإقناعا للمواطن، والمواطن يجب أن يكون جزء من هذه العملية وأن يتعامل معها بوعي وانفتاح وايجابية وأن يحاول أن يضيء شمعة بدلا من أن يلعن الظلام.