سنة التدافع ...


من المؤلم أن تكون طريق الموت هي طريق الحياة، من المؤلم أن المجتمعات لا تنضج، ولا تخرج الحكمة فيها ولا تعرف الرحمة ولا تعرف الحكمة إلا عبر طريق الألم، هل يبدو ذلك هو المنطق، ومن هنا هل كانت السنن للمجتمعات هي الإدوية التي يرسلها الله لهم، إم هي غرف العمليات التي يتم إستئصال تلك الأعضاء التي اصبحت خطرا على الجسم، وهل المجتمعات تشبه الأجسام، يصيبها ما يصيبه. 

من تتبع الخلق وجد تشابها عجيبا بين الدوائر المختلفة، فلماذا تتشابه الذرة بشكل كبيرة مع الكون، ولماذا تتحكم الجاذبية في حياتنا، وليس في حياتنا فقط بل في ذراتنا ومجراتنا وكل شيء، ولماذا يقف الفراغ حاجزا بين الأجزاء المترابطة عبر الجاذبية، وتبقى المسافة بين المترابطين مسافة ثابتة رغم الجاذبية. فلا هو يقترب ولا أنت تقترب، ولماذا هناك قلب وعقل ورئة في كل مخلوق، ولماذا تحول كل المخلوقات ما تأكله إلى شيء يشبه السكر، وهذا السكر يعطيها الطاقة التي تحتاجها، فإن زاد عن حده تلفت، وإن قل فنت. 

وهل المجتمعات تحتاج إلى أن يسلط عليها الله الكلاب لتخرج خبثها، وتعرف معدنها، وتعيد بناء نفسها، وإستغلال طاقاتها، وإلا ضربها الترف، وأصابها التلف، وعملت تلك الفئة التي إنتشر فيها العفن، على نشر العفن في كل ما حولها، وأصبحت في خدمة العفن الذي يسيطر عليها، فهي لا تنشر إلا فسادا ولا تسعى في الأرض إلا إفسادا، وهي وهذا العفن الذي يصيب الصالح فيفسده يصيب المجتمع فيعطبه شيء واحد، ويتعاون كلاهما فاسد مع الفاسد في إفساده، وينشره فيمن حوله حتى يصيب كل طيب فيعطبه، وكل صالح فيتلفه، وكم رأينا من ظالم يستعين بظالم، وحتى يحول مظلوم إلى ظالم، فإذا الذي جاء ألعن من أخيه، وأشد فسادا في الأرض من أبيه.

وينشر القتل والإغتصاب والسرقة، وينتهك حرية الأشخاص والأوطان والنساء والأطفال، فلا يبقى ولا يذر، فمن أي النفوس جبلت تلك التي النفوس التي تعذب وتقتل وتغتصب مواطنا في سبيل مواطن، ام هي نفوس مريضة أشد عفنا من تلك النفوس التي تعمل معها، وكل الذي قامت حالة العفن هنا، هو إخراج عفن تلك الفئة التي كانت تخفيه بين جنباتها، فإذا المجتمع كله أصابه الوهن، وإنتشر فيه الضعف والعطن.

وأصبحت رائحة الحياة فيه إقرب إلى الموت، وطعم الحرية فيه أقرب إلى السجن الكبير، الكل فيه سجين وسجان، والكل لا يقدر على المغادرة، ولا يسعى في سبيل التغيير، بل يصبح الكل جزء من هذا العفن المنتشر في الأرض، ويصبح طعم الحياة عفن في عفن، لا تشرب ماء ولا تأكل خبزا ولا تقضم تفاحة إلا وجدت طعمه هناك، هل هذا ما يحدث في عالمنا، وهل يقترب الإنسان من أن يصبح مسخا كما أشار كاتب الكأبة كافكا في روايته المسخ، فيصبح المسخ في المجتمع هو الأصل، ويكاد ينقرض الإنسان وتبحث فلا تجده، ولو بحثت في كل مكان فربما ترى تجد بقية إنسان هناك.

وعندما تصبح هذه هي الحال، فترى ما هو الحل لهذه الحال، إلا إن يرسل الله من يحرك هذه الماء الآسن فيخرج عفنه، ويعيد له الحياة بعد أن كاد يفقدها، وهكذا هي سنة التدافع تعيد الحياة للحياة، بعد أن يصبح طعم الحياة أقرب الى السجن منه إلى الحياة، وطعم الحرية إقرب إلى القيد منه إلى الحرية، وتجعل العفن يخرج العفن، وينتشر في الحياة معنى الحياة، هل هذا هو معنى ان تستعيد طعم الماء، وتتذكر طعم الخبز، وعندها يصبح للملح معنى الملح، ويعود للحياة معنى الحياة.

هل هذه هي سنة التدافع يبدو ذلك بالنسبة لي. 

إبراهيم ابو حويله...