"الكرك الكبرى".. إرث عريق وتحديات قائمة ومشاريع تنموية

 

رئيس البلدية يُخاطب "الإدارة المحلية" عبر "الأنباط" بدعم البلدية والإسراع في إعطائها القروض

"الكرك الكبرى".. إرث عريق وتحديات قائمة ومشاريع تنموية

 

المعايطة: الحكومة السابقة تركت العديد من التحديات التي أثرت على سير بعض المشاريع

المعايطة: نتطلع لتصبح الكرك منطقة تنموية تساهم في تنشيطِ الاقتصاد الوطني

 

الأنباط – رزان السيد

 

بعمر ممتد منذ العهد العثماني، وبسجل يعجُ بالإرث التاريخي، تتطلع بلدية الكرك إلى مزيد من التطور والابتكار في إيصال الخدمة إلى مواطنيها المتواجدين على مساحة تناهز 540 كم.

وعند التأسيس في العام 1885 سُميت ببلدية الكرك ومع مجيئ الثورة العربية الكبرى وتأسيس إمارة شرق الأردن، كانت مسؤولة عن كل الخدمات ضمن مناطق شاسعة في محافظة الكرك، وبعد سن القوانين التي تُعالج الشؤون القروية سنة 1924، حدثت تعديلات على الحدود الجغرافية، مرورًا بقانون 1955، والذي يعتبر أشهر قانون للبلديات في الأردن، ومع مشروع الدمج الذي جاء عام 2001 تمَّ ضم 15 منطقة محيطة في البلدية، وأصبحت تسمى بلدية الكرك الكبرى.

 

ولتسليط الضوء على بلدية الكرك الكبرى وما أنجزته وما تحتاجه، أجرت الأنباط مقابلة مصورة مع رئيسها المهندس محمد المعايطة، الذي أكدَّ أن البلدية أقدمت، خلال دورة المجلس الحالي، على تعبيد العديد من الطرق داخل حدود البلدية، بعطاء بلغ ما يقارب 1.7 مليون دينار، كما جاء هذا العطاء بعد فترةٍ من التوقف عن صيانة الشوارع، حيث لم تشهد البلدية منذ العام 2017 أي أعمال صيانة أو تعبيد للشوارع، مشيرًا إلى أنه ورغم هذا العطاء الضخم، لم تستطع البلدية إلا تغطية 35% من شوارع مناطق البلدية المتهالكة، والآن بقي 65% من شوارع البلدية متهالكة ومهترئة وبحاجة إلى تعبيد.

وأضاف المعايطة أن لهذا الأمر تكلفة على البلدية وعلى المواطنين كذلك، فالمواطن هو من يدفع ثمن اهتراء الشوارع لإصلاح الخراب الذي تحدثه لسياراتهم بمبلغ يقارب 40 إلى 50 دينار شهريًا، كما أن أغلب المواطنين ذوي دخل محدود، مؤكدًا أن البلدية طلبت من الحكومة الدعم في هذا المجال، كما تقدمت بطلب قروض من بنك تنمية المدن والقرى، وما زالت القروض معروضة على مجلس الإدارة منذ أكثر من عام، مناشدًا بتسريع إعطاء البلدية القروض.

وأكد أن جلالة الملك عبدالله الثاني كان قد أشار خلال زيارته الأخيرة إلى الكرك إلى أن الطرق أصبحت مشكلة أمام المواطنين، وأمر الحكومة بالاهتمام بملف الشوارع.

وقال المعايطة: "من خلال هذا المنبر اليوم نخاطب وزير الإدارة المحلية لدعم البلدية والإسراع في إعطائها القروض حتى تتمكن من صيانة الشوارع في محافظة الكرك".

وتابع، أن البلدية ومن خلال فرقها العاملة في الميدان تعمل على إدامة النظافة في كل المناطق، علمًا بأن الأسطول العامل في جمع النفايات متهالك وبحاجة إلى صيانة باستمرار، نظرًا إلى أن الآليات الموجودة قديمة، وصيانتها كثيرة عدا عن كلفتها العالية، كما تعاني البلدية من نقص في عدد العمال، وأكد أنه تم رفع طلب للوزارة لزيادة عدد العمال لتغطية كافة المناطق، كما تتضطر البلدية في بعض الأحيان لتشغيل العمال لأكثر من فترة دوام ما يشكل عبء على العاملين.

وبين المعايطة أن البلدية وضعت خطة استراتيجية بيئية، يتم العمل عليها في الوقت الحالي، ومن أهم عناصر هذه الخطة الموارد الطبيعية المتوفرة، والموارد البشرية المتوفرة، وأضاف أن الكرك تعد منطقة زراعية، وكانت هناك مشكلة في الأغوار وهي "الذباب الدائم"، وهي بمثابة تحدٍ للمزارعين والزائرين وللمواطنين، وسبب هذه المشكلة كان استخدام المزارعين للسماد الطبيعي غير المعالج مباشرة في الأرض الزراعية، كما تشتهر المنطقة بتربية المواشي والدواجن، ما زاد نسبة وجود الذباب.

وفي سياق سعي البلدية لحل هذه المشكلة، تمت مخاطبة منظمة ألمانية، وتم عرض المشكلة والإمكانيات، أي أن البلدية لديها مشكلة، وفي ذات الوقت تمتلك موارد طبيعية وبشرية، مضيفًا بأن المنظمة وافقت إقامة مصنع لمعالجة السماد بكلفة تقارب 2.5 مليون دينار، واستطاعت البلدية تطوير المشروع وإدامة العمل فيه، ويتم حاليًا العمل على تطوير المصنع، بفتح خط إنتاج آخر لصناعة حبيبات من السماد.

أما فيما يخص مشروع تدوير النفايات الصلبة، فقال المعايطة إنه عند بدئهم بهذا الأمر، كان الهدف غرس ثقافة تدوير النفايات بين المواطنين والاستفادة منها، وبدأ المشروع بمحطة لفرز الورق والكرتون والبلاستيك، ونجحت الفكرة وتم تطويرها في أكثر من موقع، وبعد أن نجحت الفكرة، تم فتح مصنع آخر للاستفادة من المصنع الأساسي، إذ قام بتصنيع أطباق البيض، كما وفر فرص عمل لأهالي المنطقة.

وضمن المجال البيئي أيضًا، بين المعايطة أن البلدية قامت بمحاولة إيجاد مشاريع لتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة، وانسجام البلدية مع إعلانات الأمم المتحدة وأهداف البيئة، وخاصة أن الأردن وقع أكثر من اتفاقية فيما يخص هذا الموضوع، كما تعتبر بلدية الكرك سباقة بالطاقة الصديقة للبيئة، حيث تم إنشاء مزرعة على الطاقة الشمسية تنتج بحدود 4.5 ميجا، مما خففت فاتورة الكهرباء على البلدية.

ومن المشاريع المهمة التي عملت عليها البلدية أيضًا، الحصاد المائي، إذ تم إنشاء حديقة كاملة وتم تجميع المياه في آبار تجميعية وتتم سقاية كافة المزروعات عن طريق الحصاد المائي، ويعتبر المشروع هام جدًا نظرًا للوضع المائي الصعب في المملكة، إذ يعتبر الأردن من الدول الفقيرة جدًا في الماء، كما تسعى البلدية إلى إنشاء آبار تجميعية في الأودية القريبة من الطرقات، وهذا ما سيخدم البلدية، كما تم إنشاء مشاتل للبلدية وبيوت زجاجية لزراعة كل أصناف الأشتال والشجيرات التي تستخدم في مجال تجميل المدن، حيث يتم أيضًا تزويد مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية بهذه الأشتال، وتم تجميعها في منطقة واحدة، وسُميت بالمناطق الخضراء، بحسب المعايطة.

وبين أنه تم وضع العديد من الاشتراطات البيئية في مناطق البلدية، باستخدام أبنية خضراء، حيث يتم قلب مفهوم الأبنية الموجودة لمواصفات الأبنية الخضراء، وأكد أن كافة المشاريع التي قامت بها البلدية لم تكن من موازنة البلدية أو من خزينة الدولة، بل كانت باجتهادات من قبل البلدية مع المنظمات الدولية واستطاعت الحصول على منح، وبعضها كان ضمن مسابقات دولية، مثل مشروع الحصاد المائي.

وفي باب التحديات، أكد المعايطة أن البلدية تواجه العديد من الصعوبات، موضحًا "إذا استطعنا إيصال مجالس بلدي ذو خبرة وذات كفاءة"، مشيرًا إلى ضرورة أن يكون المجلس قادرًا على وضع خطط استراتيجية وبناءة لتحقيق التنمية في البلديات من خلال إيجاد تشريعات مناسبة.

وأضاف، أن الدول المتقدمة ودول العالم الثالث التي تطورت بدأت في التنمية المحلية من مربع البلديات، "لأنه إذا لم يكن هناك تنمية محلية يعني عدم وجود بلديات قوية، ولا بلدان قوية، ونظرًا لأن رئيس البلدية أقرب للمواطنين وأعلم بحاجتهم وحاجة المنطقة، فلا بد من أن يكون هناك ضوء أخضر للبلدية وصلاحيات أوسع".

وأوضح أنه تم تغيير قانون الانتخاب في البلديات وأصبح بنظام الصوت الواحد، وهذا ما "دمر البلديات"، حيث كان القانون سابقاً للانتخابات هو قانون القائمة حيث يتم انتخاب قائمة مكونة من رئيس وأعضاء، مشيرا بأن هذا الأمر كان مدعاة بأن يقوم رئيس البلدية باختيار قائمة تضم عشر أعضاء، وهذا ما كان يساعد الرئيس بأن يختار الأفضل والأكفأ، وأن يكون بينهم اتفاق على البرامج التي تود البلدية تنفيذها.

وبين أن التحدي الثاني الذي تعاني منه البلدية هو المال، وأوضح بأن مخصصات البلدية تعرضت الى إعتداء من قبل الحكومة السابقة، إذ أن الرسوم المخصصة لها من عدة مجالات لم تصل الى البلديات أو تم الخصم منها، وبين بأن البلدية طالبت الحكومة السابقة بإستمرار ولكن لم تحصل على أي استجابة.

وعول المعايطة على الحكومة الجديدة أن تلتزم بالأنظمة والقوانين لدعم البلديات، بعد الإعتداءات الكبيرة التي قامت بها الحكومة السابقة بحقوق البلديات، إذ ان مديونية البلديات اليوم تتجاوز الـ350 مليون دينار، وبلديات القرى تتجاوز مديونيتها الـ30 مليون دينار، كما أن الحساب المكشوف يتجاوز 18 مليونا، وبين بأن الحساب المكشوف ظهر بعد عام 2017 نتيجة غياب حصافة الإدارة.

كما بين أن الكرك تعاني من مشكلتي البطالة والفقر بشكل كبير، مؤكدا أن ما يقارب الـ20 الى 30 مواطنا يقومون بمراجعته يوميا لطلب الوظائف، لذلك تسعى البلدية جاهزة لإيجاد مشاريع، ومن خلال هذه المشاريع تقوم بخلق فرص عمل، وتشغيل أيدي عاملة من أبناء المنطقة.

وفي هذا السياق، أشار إلى قيام بلدية الكرك بطرح مشروع شاطئ الكرك السياحي كفرصة استثمارية وتنموية، وتم أخذ الأرض من سلطة وادي الأردن، وقامت شركة البوتاس بدعم المشروع، لكن الحكومة السابقة عرقلت المشروع.

وتابع، أنه لا يوجد أسباب قيمة وذات معنى للرفض، لذلك أفرجت الحكومة الجديدة عن هذا المشروع، ويتم الآن تنفيذ المرحلة الأولى منه، ويعمل به ما لا يقل عن 15 مواطن بشكل مباشر، وما يقارب الـ30 مواطنا بشكل غير مباشر وجميعهم من أبناء المنطقة.

وأشار المعايطة إلى عدة مشاريع متعثرة في الكرك، مثل مشروع مجمع السفريات الذي أقامته هيئة تنظيم النقل في العام 2014، وهو متوقف عن العمل حتى الآن، كما أغلق بعهد الحكومة السابقة مصنع في المدينة الصناعية كان يشغل 3 الاف مواطن، وتم إغلاقه لأسباب بسيطة.

وأشار الى مشروع مضمار الخيل الذي جاء ليلبي حاجة المواطنين، بعد أن رأى أن عددا كبيرا من المواطنين يهتم بالخيل العربي الأصيل، وعلى هامش مهرجان الكرك الثقافي لسباق الخيول العربية الأصيلة، جاءت المطالبة بعمل مضمار للخيل على مواصفات دولية، وتم توفير مخصصاته من القطاع الخاص، وليس من البلدية.

وأوضح، أن الحكومة السابقة تركت العديد من التحديات التي أثرت على سير بعض المشاريع، ومع الحكومة الحالية، تمكنت البلدية من المضي قدماً في تنفيذ بعض المشاريع، وأصبح من الواضح الآن الفرق بين الحكومة السابقة والحكومة الحالية في تسهيل الإجراءات وتيسير سير الأعمال.

وأكد أنه لا يتحدث عن هذا الأمر من باب المجاملة، بل بناءً على ما رآه من تقدم، إذ أن الحكومة الحالية بالفعل عملت على تحريك العديد من المشاريع، وهذا يخلق شعوراً بالثقة بأن هذه الحكومة تعمل بشكل مختلف عن سابقتها.

وقال المعايطة: "أود أن أؤكد هنا أنني لا أبالغ أو أجامِل، بل أتحدث عن الواقع كما هو"، مشيرا إلى أنه في الحكومة السابقة.

وأضاف أن البلدية تشهد حالياً تقدماً ملحوظاً في بعض القطاعات مثل الأشغال العامة والنقل والسياحة، وهو ما يعطي شعوراً بالتفاؤل، إذ أن المشاريع التي كانت متعثرة بدأت تجد طريقها إلى التنفيذ بفضل التعاون الجاد بين الحكومة الحالية والبلديات.

وفي الختام، بين المعايطة أبرز مطالب البلدية، تتمحور في معالجة قضية الهجرة من الكرك، إذ أن المواطنين يتجهون بشكل كبير نحو عمان والمدن الأخرى بسبب غياب فرص العمل، مضيفا أن الحل بجذب الاستثمارات من خلال توفير امتيازات خاصة للمستثمرين في الكرك.

وأشار إلى أن الكرك بحاجة إلى تحسين بنيتها التحتية، حيث أن نسبة التغطية بالصرف الصحي في المحافظة لا تتجاوز 20%، وهو أمر كارثي، وهذه المشكلة تؤدي إلى أعباء مالية على المواطنين، الذين يضطرون إلى دفع تكاليف إضافية للتخلص من النفايات في الحفر الامتصاصية، مما يؤثر سلباً على بيئة المنطقة.

وأضاف أن البلدية تعاني أيضا من نقص في الطرق والبنية التحتية، حيث أن العديد من المشاريع المتعثرة مثل تأهيل طريق الكرك القطرانة الذي يعود إلى سنوات طويلة ولم يكتمل بعد، وهناك حاجة ماسة إلى تسريع تنفيذ هذه المشاريع لضمان تحسين الوضع المعيشي في الكرك.

وأكد ضرورة وجود مساءلة حقيقية حول المشاريع المتوقفة، لافتا إلى أنه يأمل أن تكون الحكومة الحالية قادرة على تحقيق التغيير المنشود، لتصبح الكرك منطقة تنموية تساهم في تنشيط الاقتصاد الوطني.