البناء السريع: خيار اقتصادي أم قنبلة موقوتة


أبو دية: إهمال الأساسيات في العملية البنائية تزيد التكلفة وتنقص الأمان

القاعود: عدم عزل الأساسات سبب تشكل الرطوبة والعفن داخل البيوت

مسعد: مواصفات البناء تضعها النقابة والشركة المنفذة والمهندس هو من المسؤولين

الهريني: تقليص مدة البناء يسهم في خفض التكاليف وزيادة الربح

الأنباط - ألاف تيسير
في ظل غياب التخطيط السليم يواجه قطاع البناء تحديات كبرى تهدد سلامة المنشآت وجودة الحياة داخلها، إذ تُبنى المنازل غالبًا دون مراعاة أفضل الأسس العلمية لاختيار الأرض أو الالتزام بمعايير العزل والتسليح، ماقد يؤدي إلى مشاكل مثل التشققات والرطوبة والعفن وضعف البناء على المدى الطويل.
ومن أخطر الإشكاليات التي تواجه القطاع، التعدي على الأراضي الزراعية بسبب التوسع العمراني العشوائي، وسرعة إنجاز الأبنية دون مراعاة للفترات اللازمة لجفاف الخرسانة أو تثبيت الأعمدة.
وفي ظل تسارع وتيرة البناء واستمرار الشركات في تقليص مدة الإنجاز؛ لتحقيق أرباح سريعة، يبرز السؤال حول مستقبل جودة الأبينة السكنية وأمانها، فبين متطلبات السوق ومحدودية الموارد، يبقى الالتزام بالكودات الهندسية هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على جودة الإنشاءات وسلامة القاطنيين فيها.
وترصد "الأنباط" في هذا التقرير أبرز الأخطاء الشائعة في مراحل البناء بدءًا من اختيار التربة مرورًا بعزل الأساسات والأسطح، وصولاً إلى الإهمال في استخدام المواد الإنشائية وفحصها، ويستعرض التقرير توصيات الخبراء لتفادي هذه الأخطاء وضمان استدامة المنشآت وسلامتها.

التربة والبناء: أخطاء قاتلة تهدد استدامة المنشآت

الدكتور أيوب أبو دية يقول إنه عندما يتعلق الأمر بتحديد موقع البناء المناسب غالبًا ما يتجاهل البعض أهمية التربة والمُناخ، ويتم التركيز بناء على الرغبة الشخصية في إختيار قطعة الأرض وأن تكون في منطقة معروفة، مبينًا أنه من المهم عند اختيار موقع البِناء المناسب فحص التربة والتنبه إلى الموقع إذا ما كان باردًا شتاء وحار صيفًا أو مضرب هواء شديد ويؤثر على البيت من الداخل، ولذلك وجب اختيار مكان البِناء بعيدًا عن مجرى السيول.
ومع أن هذه المعايير يحددها المهندس المختص، لكن تبقى العشوائية هي الغالبة في اختيار صاحب البِناء، ولذلك فالمتعارف عليه في الأردن يحدد موقع الأرض حسب السعر دون أي مراعاة إن كانت أرضًا زراعية أم لا، بحسب أبودية.

ويلاحظ أن ذلك أدى لزيادة الإعتداءات على الكثير من الأراضي الزراعية في الأردن؛ ومع تمدد غابات الأسمنت على حساب البيئة الطبيعية تبرز الحاجة لتسليط الضوء على هذه المشكلة البيئية والاجتماعية المتفاقمة.
ونبه أبودية إلى أن إهمال الأساسيات في العملية البنائية تدخلها في زيادة التكلفة ونقص الأمان البنائي، فقبل مرحلة البناء عند شراء الأرض وجب على المشتري فحص التربة ونوعها والتأكد إذا ما كانت هناك مياه جوفية في الأرض أم لا، وإن وجدت ذلك يستدعي ضرورة أخذ الإحتياطات وضخ المياه، بالإضافة إلى التنبه لمرحلة التخطيط الجيد قبل البناء، مؤكدًا أهمية دراسة مرحلة العزل وفحص التربة وقياس مستوى الأرض إن كانت منخفضة قبل بدء بناء المنشأة، وجميع هذه العوامل قد تؤدي إلى زيادة الحفر وتجبر المشتري على بناء تسويات وزيادة التكلفة عليه.

 
البناء القائم على الصخر: الخيار الآمن والأكثر كفاءة

وأوضح أبودية أن اختيار الموقع المناسب للبناء أحد أهم العوامل التي تؤثر على جودة وسلامة الأبنية، خاصة عندما يتعلق الأمر بطبيعة الأرض، مبينًأ أن البناء القائم على الصخر يعد الخيار الأفضل من حيث مقاومة الزلازل والإستقرار الهيكلي، مقارنة بالبناء على التربة التي تحتاج إلى تكلفة أكبر في الأساسات وحماية إضافية من الرطوبة.

اختيار التربة المناسبة: خطوة البداية نحو البناء الآمن

وحري بنا التطرق إلى أنواع التربة فالتربة الطينية قابلة للانتفاخ والتي تعد من أكثر أنواع التربة شيوعًا في مناطق مثل عمان ومادبا وإربد، وتمتاز بلونها الفاتح وتشققها بفصل الصيف، بحسب أبودية الذي أشار إلى أن المشكلة في هذا النوع تكمن في امتصاص مياه الشتاء وهبوطها عند الجفاف؛ ما يؤدي إلى الحركة المستمرة إلى أعلى وأسفل تؤدي الى ظهور تشققات في الأبنية.

ضغط الزمن مقابل الجودة: هل تفي الأبنية السريعة بمتطلبات السلامة؟

وأكد أبودية لـ"الأنباط" على ضرورة فحص الحديد الموجود في البناء بأخذ عينة منه للتحقق من جودته ومدى ملائمته لمواصفات الشد (شد 40 أو شد 60)، وعلى سبيل المثال لا يتم فحصه في المشاريع الصغيرة. كما أن ظروف التخزين تلعب دورًا مهمًا إذ وجب حماية الحديد من الصدأ والعوامل الخارجية والجوية، أن ومواد البناء الأخرى غير مراقبة.
أما الحصمة والعدسية والرمل المستخدمة في الخرسانة لا يتم فحصها مع أنها تحتاج إلى فحوص دقيقة والتأكد من قوة الكسر؛ أما الناعمة البيضاء تحدث تشققات في الخرسانة، ورمل صويلح قد يحتوي على كمية من الأملاح وبالتالي يجب فحص درجة ملوحته والمواد العضوية التي يحتوي عليها.

وبالإنتقال لـ الخرسانة يأخذ منها عينات ويرون قوتها ، للكشف عن نسبة الملوحة التي تأثر على البناء مع مرور الوقت ، وأن الإشراف على هذه المواد مهم ويتم تدوين جميع هذه المعلومات مرفقة بالفحوصات والمختبر، والمكتب الهندسي لكي تكون وثيقة لصاحب البيت في المستقبل .

البناء السريع وتأثيراته السلبية

وأشار أبودية إلى انتشار ظاهرة البناء السريع في الأردن حيث يتم تشييد مبانٍ من خمسة طوابق يتم بناؤها بسرعة كبيرة بين كل طابق وآخر أسبوع أو أسبوعين وخلال شهرين فقط، وهو مايتعارض مع المعايير الهندسية.
وأوضح أن هذه مسألة خطيرة، وبالأخص في فصل الشتاء لأن سرعة جفاف الخرسانة يحتاج إلى كميات كافية للجفاف والتماسك، حيث تجعلها أكثر عرضة للضعف في فصل الشتاء.
كما أن الأعمدة وسرعة فكها تعد من الأمور الأخطر بنائيًا، حيث أنها من أخطر العناصر الإنشائية 3 أيام في الصيف وأسبوع شتاء. مؤكدًا أهمية سقاية العامود في مياه جيدة وليست مالحة، وهنا يأتي الدور الإشرافي للمهندس بأن يتجنب فك الأعمدة قبل الموعد في المحدد.

العزل الحراري والمائي

ولإنجاز المشروع بسرعة عادة يتم بناء الحجر من الخارج ثم الطوب من الداخل ويوضع طبقة من العزل الحراري من جهة الطوب ثم تصب الخرسانة، بحسب أبو دية الذي بين أن هذه الطريقة سيئة وأن "الكودة" الأردنية تنص على أن هذا الأسلوب في البناء خاطئ.
وأضاف "في كودة العزل الحراري والمائي لعام 2009 مثلاً صفحة 10-2 هناك رسم يشير بوضوح أن هذه طريقة خاطئة والطريقة الصحيحة أن يتم طوبار الجدران الخارجية وصبها أولاً ومن ثم صب عَقدة البناء يفك الطوبار ويتم تنظيف الواجهة من أي نتوءات بعد ذلك يوضع العزل الحراي ويثبت بطريقة سليمة حيث لا تقل سماكته عن 5 سنتمترات ولا تقل كثافته عن 50 كيلو جرام متر مكعب ويلصق تمامًا بجانب بعضه البعض دون ترك فراغات ومن الأفضل وضع طبقة عازل لبخار وبعض تغطية جميع الواجهات الداخلية يقومون ببناء الطوب من الداخل مع ترك فراغ سنتمتر بين النايلون والطوب الداخلي وبالتالي وبهذه الطريقة ينتج عن ذلك أفضل طريقة للبناء والعزل الحراري في الأبنية".

البناء السليم

من جهته، أوضح المقاول اسماعيل القاعود أن من أفضل الأراضي التي يجب اختيارها عند البناء هي الأرض الصخرية، وبين أن سبب تشكل الرطوبة والعفن داخل البيوت هو عدم عزل الأساسات وأن الأصل للحصول على بناء سليم خالي من الرطوبة والعفن يفضل عزل الأساسات والأرض التي يتم البناء عليها كاملاً، حيث أن هذه الخطوات الأساسية الأولى تعمل على حماية أساسات البناء من إمتصاص المياه الناتجة في التربة

نفسها، سواء أكانت مياه أمطار أو آبار أو أي مياه محيطة في مساحة البناء، كما يفضل عزل الشمعات والأساسات والطابق الأرضي يجب عزله كاملاً.
وتأسيسًا على ذلك فإن هناك مواد متخصصة وجب استخدامها لتعمل طبقة حماية "2 ميلي" وأن أنواع مواد العزل المائي متعددة فـمنها (الـ Cement basis, water basis, oil basis). وأفضلها هي (Cement basis ) لكي تكون أعلى التصاقًا بالمواد الأسمنتية ولا تنفصل عنها مع مرور الزمن، وهذا كل بما يختص في عزل الأساسات.
واستنادًا على ماسبق، بين القاعود أن لعزل الأسطح يفضل وضع مادة "المشمع" وتكن خاصة بالتسليح وتوضع تحت الحديد بالطابق الأرضي أو التسوية.
وأوضح أن عدم العزل والقيام بالخطوات الصحيحة بالعزل عند البناء تضر كثيرًا في المنزل مع مرور الوقت على المدى القصير وقد يصل الأمر إلى "الخرسانات" في البناء، بمعنى "لو نفترض أن عمر الحديد 40 عام داخل الباطون، لن يكمل الـ20 عامًا عند وصول المياه إليه "ما قد يضعف الحديد ويعرضه لصدأ والتلف السريع.
وبالحديث مع القاعود عن الإجراءات المتخذة، نصح أصحاب البناء بضرورة وضع مهندس مقيم؛ ومهندس آخر مشرف وأن يتم اختيارهما على أساس الخبرة المسبقة جيدًا في عملهما، بالمقابل يذهب صاحب البِناء ويدفع للمكتب الهندسي لأخذ الرخصة الإنشائية ويوفر على نفسه دفع هذه المصاريف، ومن زاوية أخرى أن البعض لا يأخذ بـ أهمية هذه الخطوة إلا أنه سلوك خاطئ، ويعود بالضرر على المنشأة.
وأوصى القاعود المقبلين على البناء أن يضعو العزل من أهم أولوياتهم، فعزل المنشأة لا يقل أهمية عن وجود الحديد في "تسليح البِناء".
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مواد عزل يجب أن تضاف أثناء بناء الأسمنت الخاص "بالتبليط والقصارة" ومواد الدهان الداخلية، وللمواد الخارجية يوضع داخل الحجر أو خلفه "صبـة البطون" وأغلب الذين يبنون لا يعتمدون هذه الطرق الصحيحة.
بدوره، قال نائب نقيب المهندسين فوزي مسعد إن دور النقابة يتمثل في وضع الصفة التعاقدية وتأخذ إجراءات بحق المكتب المنفذ للبناء أو المهندس المسؤول مؤكدًا أن هذه المواصفات تضعها النقابة ضمن المخططات وإذا لم يتم التنفيذ حسب المخططات فالشركة المنفذة والمهندس هما من يتحملا المسؤولية.
وأوصى مسعد المقبلين على البناء بالذهاب إلى الشركات المعروفة والتي لها تاريخ وتمتلك خبرة واسعة، وأن يتأكد المواطن بأن يكون المكتب مرخصًا ويقوم بالإجراءات السليمة كاملة وتتم حسب المواصفات.

تحديات تواجه قطاع الإسكان في الأردن

من جهته، كشف الخبير في قطاع الإنشاءات وأمين عام نقابة المقاولين سابقًا طارق الهريني، أن الأسباب الرئيسية التي تدفع بعض الشركات إلى التوجه نحو البناء السريع.

وقال الهريني إن الدافع الأكبر يتمثل في الكسب السريع، حيث يسهم تقليص مدة البناء في خفض التكاليف، سواء من حيث أجور العمال اليومية أو الإسراع في إطلاق مشاريع جديدة.
وأشار إلى أن سعر الارض وموقعها يلعبان دورًا محوريًا في تحديد أسعار الشقق السكنية، إذ تختلف أسعار الأراضي بشكل كبير بين شرق عمان وغربها، وفي الشمال والجنوب.
وعلى سبيل المثال، يتجاوز سعر المتر المربع في بعض مناطق عمان الغربية حاجز الـ1000 دينار، وفي مناطق أخرى يصل إلى 1500 دينار.
كما أن التشطيبات والمواد المستخدمة تؤثر بشكل مباشر على تكلفة المتر المربع، مايزيد من تباين الأسعار.
وعن العلاقة بين سرعة الإنجاز وجودة البناء أكد الهريني أنه من الصعب الربط بينهما، موضحًا أن الإنشاء السريع قد يتسبب في الإخلال بالمعايير الهندسية.
وفيما يخص إجراءات العزل، أشار الهريني إلى أن الكودات الهندسية تنص بوضوح على ضرورة تطبيق العزل في جميع الأعمال الإنشائية، سواء في الأساسيات والقواعد أو المناطق المعرضة للرطوبة وارتفاع المياه الجوفية، محذرًا أن الإخلال بهذه الإجراءات قد يؤدي إلى مشاكل هيكلية خطيرة، مثل تعرض حديد التسليح للصدأ، مايعرض المبنى لمخاطر قد تكون كارثية.
وتظل جودة البناء وسلامته مسؤولية مشتركة بين المالكين، المهندسين، وشركات البناء ومدى الالتزام بالكودات الهندسية وذلك لضمان الأمان والاستدامة، خصوصًا مع ازدياد تحديات التوسع العمراني.