هل يمكن للأردن الاستفادة من مؤتمر الأطراف 16؟

الأردن بمواجهة التصحر.. فرص متاحة كيف نستفيد منها؟

شوشان: الأردن لديه فرصة للاستفادة من الأطر العالمية وآليات التمويل

الخشمان: صندوق المخاطر الزراعية خطوة رائدة لمكافحة التصحر ودعم المزارع

ثياو: كل دولار يستثمر في الأراضي الصحية يولد 8 دولارات في المكاسب الاجتماعية

الأنباط – ميناس بني ياسين

كشف مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) الذي يُعقد في المملكة العربية السعودية عن تقرير صادم يؤكد أن العالم يحتاج إلى استثمار مليار دولار يوميًا بين عامي 2025 و2030 لإستعادة أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة ومكافحة الأزمة المتزايدة من التصحر وتدهور الأراضي والجفاف.

ويشير تقرير "الاستثمار في مستقبل الأراضي" إلى الحاجة الماسة إلى 2.6 تريليون دولار من الاستثمارات الإجمالية بحلول عام 2030 لتحقيق أهداف استعادة الأراضي العالمية، وبالنسبة للدول مثل الأردن حيث تهيمن الأراضي الجافة وتعد ندرة المياه تهديدًا متزايدًا، تكشف هذه النتائج عن تحديات وفرص للتحول ووفقًا للتقرير يؤثر تدهور الأراضي على أكثر من 40٪ من سطح الأرض، مما يؤثر على 3.2 مليار شخص حول العالم.

وبينما يسابق العالم الزمن لاستعادة الأراضي المتدهورة وبناء القدرة على مقاومة الجفاف، لا بد أن يستفيد الأردن من الزخم الذي خلقه مؤتمر الأطراف 16، ولكن مع المزيج الصحيح من التعاون الدولي، والتمويل المبتكر، والإرادة السياسية، فيمكن للبلاد أن تضع نفسها في موقع القيادة في إدارة الأراضي المستدامة ليكون هذا المؤتمر حافزًا للتغيير الذي يضمن صحة الثروة الطبيعية وحفظها من التدهور.

الأزمة العالمية والتحديات المحلية

بالنسبة للأردن فإن المخاطر ليست تحديات عالمية مجردة، بل هي واقع ملموس يهدد الزراعة وسبل العيش والصحة العامة مع زيادة في حالات الجفاف بنسبة 29% منذ العام 2000 ما يؤكد التهديد المباشر للأردن، حيث تؤدي قلة هطول الأمطار واستهلاك الموارد المائية إلى دفع البلاد إلى مزيد من الهشاشة البيئية والاقتصادية، بحسب رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر شوشان.

وأضاف شوشان "لقد شهدت إنتاجية الزراعة في الأردن انخفاضًا مستمرًا، مع تدهور كبير في مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة نتيجة لممارسات إدارة الأراضي السيئة وتغير المناخ واستخدام الموارد غير المستدام. وتعد المجتمعات الريفية في الأردن، والمزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة، والنساء من أكثر الفئات المتأثرة، مما يعكس الاتجاه العالمي الأوسع الذي أشار إليه التقرير".

ماذا يقدم مؤتمر الأطراف 16 للأردن؟

وأجاب شوشان على التساؤل بأن وفدًا من الأردن يشارك في مؤتمر الأطراف 16، فلدى الأردن فرصة للاستفادة من الأطر العالمية وآليات التمويل المبتكرة التي تم مناقشتها في المؤتمر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تمكن الوفد الأردني من طرح السردية الأردنية في مكافحة التصحر وكيفية ترجمة التزامات المجتمع الدولي إلى نتائج قابلة للتنفيذ؟ وهل تم عقد اجتماعات تحضيرية من قبل اللجنة الوطنية لمكافحة التصحر؟ ولماذا لم يتم اشراك مؤسسات المجتمع المدني العاملة والمتخصصة في الوفد الأردني؟

ويذكر أن التقرير أشار إلى وجود فجوة سنوية في التمويل عالميًا تبلغ 278 مليار دولار، وهي مشكلة مباشرة بالنسبة للأردن الذي يواجه تحديًا كبيرًا في تأمين الأموال لمشاريعه الطموحة لاستعادة الأراضي، مثل مكافحة التصحر في الصحراء الشرقية، ومعالجة تآكل التربة في المناطق الزراعية، وتوسيع المبادرات الخاصة بإدارة المياه.

وتابع شوشان "يواجه الأردن تحديات شديدة في جذب الاستثمارات الخاصة، التي تشكل حاليًا 6٪ فقط من التمويل المطلوب لاستعادة الأراضي، وقد أبرزت مناقشات مؤتمر الأطراف 16 أدوات مثل السندات الخضراء والشراكات بين القطاعين العام والخاص كنماذج رئيسية لتحفيز رأس المال. ويمكن أن تفتح هذه الأدوات فرصًا جديدة للأردن لتمويل إدارة الأراضي المستدامة، لكن ذلك يتطلب بناء القدرات، وإصلاحات مؤسسية وتحفيزات لجذب الاستثمارات الخاصة".

وخلال مؤتمر الأطراف 16، أشار إبراهيم ثياو الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى أن كل دولار يُستثمر في الأراضي الصحية يولد 8 دولارات في المكاسب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وبالنسبة للأردن، فإن هذا يعني فوائد ملموسة مثل تعزيز الأمن الغذائي، وتحسين إدارة المياه وزيادة القدرة على مقاومة الجفاف، وكلها ضرورية للاستقرار الوطني.

التحديات المستقبلية

وفيما يتعلق بالتحديات المستقبلية للأردن، أكد شوشان أن الأردن يواجه عقبات هيكلية ومالية لتحقيق أهداف استعادة الأراضي الخاصة به تتضمن التحديات الرئيسية كثغرات السياسات والخطط الوطنية؛ رغم أن الأردن قد اعتمد استراتيجيات وطنية لإدارة الأراضي المستدامة، فإن التنفيذ ما زال غير متكافئ مع قلة التكامل عبر القطاعات.

نداء للمسؤولية

وأضاف شوشان: "بينما يعود وفد الأردن من الرياض، يجب على البلاد أن تعكس مشاركتها في مؤتمر الأطراف 16 وتوفر إجابات حول النتائج التي تم تحقيقها، وهل سيتمكن الأردن من تأمين التزامات من المانحين الدوليين لتمويل المشاريع الحيوية؟ وكيف يمكن للحكومة ضمان أن هذه الالتزامات تؤدي إلى تقدم قابل للقياس على الأرض؟

يُشار إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر توفر خارطة طريق للعمل، لكن المسؤولية تقع على عاتق الحكومات الوطنية لتكييف الاستراتيجيات العالمية مع الواقع المحلي، ويجب على الأردن أن يتحرك بسرعة لسد فجوات التمويل، وإصلاح السياسات وإشراك أصحاب المصلحة على جميع المستويات لمواجهة أزمة تدهور الأراضي المتزايدة.

في السياق، أكد استاذ هندسة البيئة والتغير المناخي عمر الخشمان أن التصحر من أهم المشكلات البيئية في الأردن نظرًا لعدة عوامل من أهمها أسباب طبيعية وتكمن في موقع الأردن الجغرافي كمنطقة شبه جافة ويلعب المناخ دورًا هامًا في التصحر بالإضافة إلى مواسم الجفاف التي مرت على الأردن والتي ساهمت بشكل كبير في إشاعة ظروف التصحر، وأسباب بشرية مثل التحطيب وقطع الأشجار والرعي الجائر والزحف العمراني وتملح التربة واستنزاف المصادر المائية وخاصة المياه الجوفية منها بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في نمو السكان والضغط المستمر والمستنزف على الموارد الطبيعية، إذ تبلغ نسبة المساحة المعرضة للتصحر في الأردن حوالي 81% من المساحة الكلية والمساحة المهددة بالتصحر حوالي 16% خاصة المناطق التي تقل فيها الأمطار عن 200 ملم/السنة.

أثر العوامل البيئية في زيادة التصحر

وأوضح أن استغلال الأراضي الزراعية بشكل مستمر ومفرط يؤدي إلى استنزاف التربة وأن ذلك يؤدي إلى زيادة انجراف التربة وعدم تماسكها وزيادة نسبة الملوحة فيها بحيث تصبح غير صالحة للزراعة، إضافة إلى إزالة الغابات التي تعمل على تماسك التربة ومنع انجرافها والرعي الجائر الذي يؤدي إلى حرمان الأرض من تشكلها الطبيعي وهو حرمانها من الحشائش التي تشكل النظام البيئي الطبيعي كل هذا يؤدي إلى تدهور التربة وانخفاض نسبة الإنتاجية بسبب الزراعة المكثفة على حساب الأرض وكميات المياه المستنزفة ويسبب زيادة في التصحر.

أفضل الوسائل للتقليل من ظاهرة التصحر

وأكد الخشمان ضرورة وجود خطة عملية متوازنة لمكافحة التصحر والجفاف من خلال اتخاذ عدة تدابير تتمثل في اتباع سياسة استعمال الأراضي بشكل صحيح وذلك بتحديد نطاق الأراضي العمرانية دون التعدي على الأراضي الزراعية، وإعادة التشجير وتجديد الأشجار من خلال توفير المياه سواء مياه المطر من خلال الحصاد المائي والسدود الترابية أو من خلال المياه المعالجة وإعادة استخدامها في الأشجار والغابات لعمل مصدات الرياح لمنع انجراف التربة وتثبيتها ومنع تطايرها.

وأضاف "لا بد من تطبيق القانون والتعليمات بصرامة على أعداء البيئة والغابات ومنع التحطيب بكافة أشكاله ومحاربته ضمن سيادة القانون، والعمل على غرس حب الزراعة في نفس الأبناء منذ الطفولة والتوعية بأهمية الزراعة والمحافظة على الموارد الطبيعية ضمن برامج توعوية في المدارس والجامعات ودور العبادة والأندية ومؤسسات المجتمع المدني".

لكن الحل الأمثل والأقوى، تطبيق التكنولوجيا الحديثة والبحث العلمي لحل الكثير من المشكلات البيئية التي نواجهها في الأردن وعلى رأسها مشكلة التصحر والجفاف، بحسب الخشمان.

هل وقع الأردن على اتفاقية مكافحة التصحر؟

ولفت الخشمان إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والتي أنشئت في عام 1994 ودخلت حيز التنفيذ في 1996 تعد اتفاقًا دوليًا وحيدًا وملزمًا لدول العالم، وقانوناً يربط البيئة والتنمية بالإدارة المستدامة للأراضي وتعمل جميع دول العالم في الاتفاقية معًا للحفاظ على إنتاجية الأراضي والتربة والتخفيف من آثار التصحر والجفاف في الدول المتأثرة.

وتابع "شكل توقيع الأردن على الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر عام 1996 خطوة هامة ومتقدمة نحو مكافحة التصحر وآثارها من خلال المشاركة في الجهد العالمي التكاملي لمكافحة التصحر ضمن بنود الاتفاقية وأهدافها المرجوه وهذه الاتفاقية أتاحت للأردن التقدم بمقترحات ومشاريع للجهات الدولية المانحة والاستفادة من المنح والخبرات الدولية وكذلك الاستفادة من التشبيك مع الخبراء والباحثين في مجال التصحر والجفاف لمعالجة الكثير من المشاكل الناجمة عن التصحر والجفاف".

استفادة الأردن من المؤتمر والقدرة على مقاومة الجفاف

وبين الخشمان أن الأردن يستفيد من خلال التكنولوجيا المتقدمة في تعزيز التحول الرقمي المستدام والابتكار التكنولوجي للتكيف مع آثار التغير المناخي والتقليل من آثاره على القطاعات الرئيسية كالمياه والصحة والزراعة وغيرها من خلال بيئة أكثر استدامة وإيجاد حلول علمية تكنولوجية متطورة لمكافحة الجفاف والتصحر وتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

وأشار إلى أن الأردن من أكثر الدول تأثرًا بالتغير المناخي وخاصة في مجال شح الموارد المائية الذي انعكس على واقع الجفاف والتصحر وهذا يتطلب المساهمة من الدول المانحة في تسهيل التمويل الدولي في إطار الأضرار الناتجة عن التغير المناخي مرتبطة بالسياسة الوطنية الشاملة التي تتخذها وتعدها الحكومة وهي مرتبطة بأمور مالية وهذا الجانب مهم للحصول على الموارد البيئة والمائية.

دور القطاع الخاص

وأولى الخشمان القطاع الخاص مساحة في حديثه، حيث أكد على دوره المهم والحيوي في تقليل آثار التغير المناخي والتي تنعكس بصورة مباشرة على الجفاف والتصحر بالأردن، وهنا تكمن أهمية إطلاق برامج لتعزيز الاستثمار بين القطاع العام والخاص في مجال تمويل مشاريع بيئية مناخية تهدف لمكافحة الجفاف والتصحر.

وأوضح أن أهم المشاريع هي المائية من خلال بناء القدرات الوطنية وتسهيل الحصول على تمويل لهذه المشاريع وتعزيز شراكات إقليمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورفع قدرة المجتمعات على مواجهة آثار التغير المناخي وتعزيز الاقتصاد الأخضر في منطقتنا للتقليل قدر الإمكان من آثار الجفاف والتصحر.