كيف تنازلت إيران عن حلفائها بهذه البساطة؟

 حاتم النعيمات.
إذا كانت إيران قد توصلت إلى تفاهمات في مفاوضاتها (التي لم تتوقف) بالتنازل عن حلفائها في المنطقة، فكيف سيكون شكل هذا التنازل؟

من العبث افتراض أن هذا التنازل سيتم بدعوة هذه الميليشيات إلى رفع الراية البيضاء وتسليم السلاح بسهولة، فهذا يتنافى مع حجم الشحن العقائدي والسياسي الذي مارسته إيران على أتباعها في المنطقة. كما أنه لا يمكن إقناع جمهور المحور بهذا الطرح، لأن المحور قدّم نفسه كوكيل حصري لتحرير فلسطين القضية الأهم عربياً وإسلامياً.

إذن، الحل الأرجح هو دفع الحلفاء إلى التهلكة(!!)، فآلة الحرب الإسرائيلية جاهزة ومستنفرة بقيادة يمينها المتطرف، فلماذا لا يكون التخلص من هذه الأوراق (أعضاء محور المقاومة) عبر الحرب والضربات العسكرية؟ أليس ذلك يعفي إيران من التزاماتها أمام محورها؟ ألا يوفر عليها مواجهة مباشرة؟ ألا يحسن شروط تفاوضها؟.

من يتأمل السلوك غير المفهوم لحلفاء إيران منذ 7 أكتوبر والدمار -لا أريد أن أقول إنهاء-الذي لحق بحركة حماس وحزب الله والنظام السوري، يدرك أن هناك "ترتيبات” لانكفاء إيران على نفسها، وخصوصًا بعد وصول الرئيس المنفتح والمرن مسعود بزكشيان إلى السلطة في طهران، الرئيس الذي جاء بعد مقتل الرئيس السابق المتشدد إبراهيم رئيسي في ظروف غامضة.

حركة حماس، للأسف، تصرّفت دون حسابات دقيقة. أما حزب الله، فقد تورّط على جبهة لبنان عبر ملهاة "قواعد الاشتباك” التي شكّلت مكسبًا للاحتلال من ناحية كسب الوقت. هنا يبدو الحزب وكأنه لم يدرك أن عامل الوقت ليس لصالحه، مما يوحي بأنه كان يتحرك إما مجبرًا أو مغررًا به من قبل إيران على الإنتحار.

اليوم، انهار النظام السوري أيضاً وأجهزت إسرائيل بضربات جوية غير مسبوقة على قوة سوريا العسكرية، النظام السوري الذي كان الحلقة الأهم في المحور انتهى ببساطة. من الواضح لمن تابع ردود فعل إيران في ملف سوريا بالذات يلاحظ أنها ضحّت بهذه الورقة دون مقاومة تُذكر. الإيرانيون لم يظهروا أي غضب حتى عند الاعتداء على سفارتهم في دمشق بعد سقوط الأسد، بل أهم لم يتحركوا، وهذا يوضح أنهم جزء متواطئ مما يحدث الآن في سوريا.

في السياسة والجيوسياسة والتاريخ والجغرافيا والمنطق، لا توجد مصلحة لإيران في تحرير فلسطين، ولا يوجد ضرر عليها من احتلالها بالكامل. أما البروباغندا ليست سوى أداة للتجنيد، والتحشيد، وإقناع العرب بالقتال نيابة عن طهران.

إسرائيل ستستمر في القضاء على أذرع إيران وحلفائها، فهي فرصة تاريخية أمام نتنياهو، الذي يتبجّح بما يسميه "إنجازاته”. وهنا يمكن للأردن أن يعزل نفسه عن كل هذه الأوراق باستثناء الضفة الغربية، حيث قد تسعى إيران لتسليم ما يتبع لها من فصائل هناك.

هذا التسليم سيكون متقن الإخراج، والخطر يكمن في أن يستغل اليمين الإسرائيلي أي حدث لتنفيذ سياسات الاستيطان والتهجير. أقول إن مصالح إيران وإسرائيل قد تلتقي في الضفة الغربية، ولهذا يجب التحرك أردنيًا بشكل استباقي. بمعنى ألا نسمح لتخطيطنا أن يتبع الأحداث، بل أن نصبح نحن صانعي الأحداث.