الكاتبه والدكتورة ماجده ابراهيم زيدان

الكاتبه والدكتورة  ماجده ابراهيم زيدان 


مجلس النواب الأردني: دور النائب بين التشريع والرقابة والخلط مع الخدمات

مجلس النواب الأردني، باعتباره أحد أبرز أركان السلطة التشريعية في البلاد، يلعب دورًا حيويًا في صياغة القوانين ومراقبة أداء الحكومة. تأسس هذا المجلس بناءً على أحكام الدستور الأردني الذي يكرس مبدأ الفصل بين السلطات، ويمنح المجلس صلاحيات واسعة في التشريع والمساءلة. إلا أن الدور المفترض للنائب كثيرًا ما يتداخل مع توقعات المواطنين وأولويات بعض النواب، حيث يطغى مفهوم "نائب الخدمات" على دوره الحقيقي كعضو في السلطة التشريعية.

الإطار الدستوري لدور النائب
وفق الدستور الأردني، يتمثل دور النائب في مهام أساسية تشمل:
1.التشريع: صياغة القوانين وتعديلها بما يحقق مصالح المجتمع، ويعزز العدالة والتنمية، ويواكب التطورات المحلية والعالمية.
2.الرقابة على الحكومة: تشمل أدوات الرقابة الأسئلة والاستجوابات والمساءلة وحجب الثقة، ما يجعل المجلس الضامن لتوازن السلطة التنفيذية وعدم استبدادها.
3.تمثيل الشعب: حيث يُنتخب النائب لتمثيل تطلعات ناخبيه ونقل قضاياهم للسلطات المختصة، دون أن يتحول ذلك إلى تقديم خدمات فردية أو تدخل مباشر في اختصاصات السلطة التنفيذية.

الخلط بين الأدوار: من نائب تشريعي إلى نائب خدمات
رغم وضوح الدور التشريعي والرقابي للنائب، يعاني الواقع السياسي الأردني من ظاهرة "نائب الخدمات"، التي انتشرت نتيجة أسباب متعددة منها:
1.التوقعات الشعبية: كثير من المواطنين، خاصة في المناطق ذات التحديات التنموية والخدمية، ينظرون للنائب كوسيلة لحل مشكلاتهم اليومية مثل تأمين الوظائف، وتحسين البنية التحتية، والخدمات الصحية.
2.النظام الانتخابي: يعتمد النظام على الصوت الواحد الذي يدفع الناخبين لاختيار مرشحين على أساس القرابة أو المصالح الشخصية بدلاً من البرامج السياسية.
3.القصور في التنمية المحلية: يؤدي ضعف الخدمات الحكومية في بعض المناطق إلى ضغط شعبي على النواب للتدخل المباشر، مما يبعدهم عن دورهم الأساسي.
4.ثقافة المحاباة: تغلب ثقافة الوساطة والمحسوبية، مما يعزز تصورات خاطئة حول دور النائب كجسر للحصول على المزايا والخدمات.

الآثار السلبية لتحول النائب إلى "نائب خدمات"
1.إضعاف دور الرقابة والتشريع: ينشغل النائب بحل مشكلات الأفراد والمجتمعات المحلية، مما يقلل من اهتمامه بالملفات الوطنية الكبرى ومتابعة أداء الحكومة.
2.فقدان الثقة بالمؤسسة التشريعية: حين يتحول النائب إلى وسيط خدماتي، تتآكل الثقة بمجلس النواب كسلطة دستورية قادرة على سن القوانين ومحاسبة السلطة التنفيذية.
3.إهدار الموارد والجهود: بدلاً من التركيز على تطوير السياسات الوطنية، يُستهلك وقت النائب في متابعة قضايا فردية كان ينبغي أن تُحل عبر القنوات الإدارية والتنفيذية.

كيف يمكن تصحيح المسار؟
1.تعزيز الوعي الشعبي بدور النائب: يجب أن تتبنى وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني حملات توعية تسلط الضوء على دور مجلس النواب الحقيقي، وتُصحح المفاهيم المغلوطة.
2.إصلاح النظام الانتخابي: يمكن أن يساهم نظام انتخابي يعتمد على القوائم الوطنية والبرامج السياسية في تقليل تأثير العلاقات الشخصية والخدمات على اختيار النواب.
3.تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية: ضمان تقديم الخدمات بشكل كفؤ من المؤسسات الحكومية سيقلل الضغط على النواب، ويعيدهم إلى أدوارهم الأصلية.
4.تمكين النواب بالمهارات اللازمة: تعزيز قدرات النواب في صياغة القوانين ومتابعة الرقابة البرلمانية من خلال ورش عمل وبرامج تدريبية.
5.تعزيز الشفافية والمساءلة: تعزيز آليات الرقابة الشعبية على النواب ومتابعة أدائهم في الجلسات البرلمانية سيضمن تركيزهم على مهامهم التشريعية والرقابية.

التحديات المستقبلية
رغم وضوح الرؤية الإصلاحية، يواجه تصحيح دور النائب تحديات كبيرة، منها الإرث الثقافي والاجتماعي المرتبط بتوقعات الناخبين، والنقص في البرامج السياسية الحزبية القادرة على تقديم خيارات حقيقية للناخبين، فضلاً عن تأثير المال السياسي في الحملات الانتخابية.
إن إعادة توجيه دور مجلس النواب الأردني يتطلب جهدًا مشتركًا من الحكومة، والمجلس، والمجتمع المدني، والمواطنين أنفسهم. النائب هو أساسًا مشرّع ومراقب على أداء الحكومة، وليس وسيطًا للخدمات الفردية. تصحيح هذا الفهم ضرورة ملحة لتحقيق مجلس نيابي فاعل وقادر على تلبية احتياجات الوطن بأكمله، لا مجرد تلبية مطالب شخصية أو محلية على حساب الصالح العام.

الكاتبه و الدكتورة  ماجدة ابراهيم زيدان 

.