عبارات طموحة بدون حلول عملية ...قراءة نقدية في خطاب رئيس الوزراء
الأنباط - خليل النظامي
يعكس الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسّان أمام مجلس النواب صباح اليوم طموحاً كبيراً ورغبة في إحداث تحول شامل في مختلف القطاعات، إلا أنه خطاب يعاني من فجوات عميقة في تفاصيله وتطبيقه العملي.
فعلى الرغم من العرض التفصيلي للمشاريع والخطط، إلا أنه خطاب يفتقر إلى الواقعية في التعامل مع التحديات الحالية القائمة، إذ تضمن عبارات طموحة مثل "تعزيز الأمن المائي” و "تمكين الشباب”، دون أن يقدم حلولاً عملية أو آليات واضحة لتنفيذها، الأمر الذي يجعل من الوعود تبدو كأنها أقرب إلى الشعارات منها إلى الخطط القابلة للتطبيق.
ومن اللافت أيضاً وما يثير القلق بشكل أكبر مسألة التركيز على مشاريع كبيرة جدا مثل الناقل الوطني للمياه والمدينة الجديدة، التي تحتاج إلى استثمارات هائلة خاصة في ظل واقع مالي صعب جدا عنوانه أن المديونية العامة وصلت إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي.
إلى ذلك، حديث حسان عن القروض الميسرة كوسيلة تمويل لم يتطرق إلى الأثر طويل الأمد لهذه القروض على الاقتصاد أو كيفية تجنب تضخم الدين العام.
وفي مقابل ذلك كله، تغافل الخطاب عن المشكلات الاقتصادية اليومية التي تؤرق المواطن الأردني، كارتفاع الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة، إذ لم يقدم أي حلول سريعة لمعالجتها، وهو ما يعكس انفصالاً عن أولويات المواطن الحقيقية.
من ناحية أخرى، حديث رئيس الوزراء عن التحديث السياسي وبناء نظام حزبي فاعل، لم يعالج الواقع السياسي الذي يتصف بضعف الثقافة الحزبية وهيمنة الاعتبارات العشائرية والمحسوبية خاصة انها عوائق وتحديات عميقة تحتاج إلى معالجة جذرية لضمان نجاح أي إصلاح سياسي.
علاوة على أن الإشادة بتمكين المرأة والشباب بدت في حديث وكأنها مجرد إضافات تجميلية للخطاب، في ظل غياب سياسات أو إجراءات عملية تضمن ترجمة هذه الأفكار إلى واقع ملموس.
الثغرات كثيرة في تحليل خطاب رئيس الوزراء - وفقا لما تعلمنا في منهجية تحليل الخطاب -، إذ لم تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل امتدت إلى البرامج الاقتصادية والبيئية.
فعلى سبيل المثال طموح حسان المتعلق بمضاعفة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي أو تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، مثل الهيدروجين الأخضر، يبدو بعيد المنال في ظل ضعف البنية التحتية وقلة الاستثمارات المحلية، فضلا عن ان الخطاب لم يحمل خطة تمويل متماسكة لهذه المشاريع، ما يجعلها تبدو كأنها استجابة للاتجاهات العالمية أكثر من كونها حلولاً مدروسة لمعالجة التحديات المحلية.
إلى جانب ذلك، تغافل الخطاب عن القضايا البيئية الملحة مثل التصحر وتغير المناخ، واكتفى بالإشارة إلى مشاريع طاقة دون تقديم رؤية شاملة للتعامل مع هذه التحديات.
وحول مسألة الإصلاح الإداري الذي جاء كواحد من محاور الخطاب الأساسية، ركز فيه رئيس الوزراء على الرقمنة والحوكمة، إلا أنه تجاهل التحديات الهيكلية العميقة مثل تفشي البيروقراطية والفساد الإداري والفساد المالي، والمعروف ان هذه القضايا تحتاج إلى معالجة حقيقية.
ومن جانب آخر أيضا ، الرؤية التي طرحها رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان ورغم طموحها الظاهر في كواليس كلماتها، إلا أنها تفتقر إلى الربط المتكامل بين القطاعات المختلفة وهذه نقطة في غاية الأهمية، فعلى سبيل المثال جاء قطاع التعليم كمحور مستقل دون أن يرتبط بتلبية رغبات واحتياجات سوق العمل، وهذا يعني استمرار الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، اضافة إلى ان المشاريع الزراعية والأمن الغذائي لم يتم ربطها بمشاريع التصنيع أو التصدير، وهذا يعكس ايضا ضعفا في التصور الشامل لعملية التنمية الاقتصادية.
الخطاب طموح جدا، حتى أنه أعادني بالذاكرة إلى خطابات فلاديمير لينين وتروتسكي، إلا انه من الأولى أن يذهب حسان للتركيز على حلول واقعية وسريعة للتحديات الراهنة، مثل البطالة والتضخم، مع تقديم رؤية أكثر وضوحاً وأقل تضخيماً لما يمكن تحقيقه في ظل الإمكانيات الحالية.
كما أن غياب مؤشرات أداء قابلة للقياس أو جداول زمنية واضحة يجعل تنفيذ هذه الوعود محل شك، ما لم يتم إعادة صياغة الأولويات وإعادة النظر في الخطط بطريقة واقعية ومدروسة، سيبقى هذا الخطاب مجرد إعلان نوايا بعيداً عن تحقيق النتائج الملموسة.