حضر الإغراء والفساد وغابت الصحافة والإعلام

 خليل النظامي

برزت منذ عدة سنوات قليلة ماضية ظاهرة قبيحة تشوه رسالة الإعلام وتضعف من مصداقيته، تتمثل بـ مؤتمرات تُقام تحت شعارات براقة ومسميات إعلامية وثقافية، وفي حقيقتها ليست سوى واجهات لـ الاستعراض الرخيص وبذخ الأموال والفساد الأخلاقي، اذ تغيب عنها القيم والمبادئ لتحل محلها الأجندات المشبوهة وتصبح تجمعات مشبوهة تفتقر إلى الجوهر وتفيض بالمظاهر، وأقرب إلى عروض مسرحية رخيصة، يُبدع منظموها في إخراجها لجذب الأضواء، بينما تُدار خلف الكواليس ممارسات لا تشرف لا الإعلام ولا من ينتسب إليه.
تلك التجمعات تتقن الحديث عن رسائل نبيلة وأهداف سامية، لكنها سرعان ما تكشف عن ملامحها الحقيقية. بدلًا من الفكر والحوار، نجد الاستعراض والإغراء يتصدران المشهد، القاعات التي يفترض أن تُناقش فيها قضايا الإعلام الجوهرية، تتحول إلى منصات للتفاخر بالمظاهر، وتباع الفخامة على حساب المضمون، وتُعزف سيمفونية الزيف بمهارة منقطعة النظير، مؤتمرات ليست إلا مسرحيات هزلية، تستخدم فيها الكاميرات لـ تضليل العقول، وتتحول القاعات إلى منصات للأزياء والإغراء بدلًا من منصات لـ التعلم والنقاش الجاد.
أما التمويل الذي تُغدق به هذه المؤتمرات، فهو فصل آخر من الحكاية، الأموال تتدفق دون تفسير مقنع، وتُصرف بلا ضوابط، وكأنما الهدف من هذه الفعاليات ليس إلا تبييض وجوه مشبوهة أو تمرير رسائل لا تمت للإعلام بصلة، والحديث هنا ليس اتهامًا، بل هو تساؤل يتردد في أذهان من يراقبون المشهد: من أين يأتي هذا البذخ؟ ولمصلحة من؟
الأكثر إيلامًا أن البعض ممن ينتمون لهذا الحقل يلتزمون الصمت، وربما يُشاركون في هذه المهزلة بشكل أو بآخر، سواء عن وعي أو تحت وطأة الإغراء، ولكن هذا التخاذل لا يعفيهم من المسؤولية، بل يجعلهم شركاء في تشويه صورة الإعلام، وفي تحويله من منبر للحقيقة إلى ستار يُخفي تحته قذارة لا يمكن التغاضي عنها، يسهم في تدمير ما تبقى من قيم الإعلام، والمصيبة تتفاقم حين نرى أن المجتمع الإعلامي يكتفي بـ مراقبة هذه المؤتمرات دون التدخل لوقفها، أو فضح حقيقتها أمام الرأي العام.
إليكم أيها المارقون ؛ الإعلام ليس سلعة للبيع وليس غطاء لـ التربح أو الفساد، بل هو مهنة ورسالة مقدسة، ولن نسمح بعد اليوم لأي من منظمي هذه المؤتمرات أن يُحولوا ساحتها إلى مسرح للأعمال القذرة، فـ الصحفيون الشرفاء الذين يدركون الحقيقة لن يقفوا مكتوفي الأيدي بعد اليوم، وسيعملون على كشف هذه التجاوزات التي تهدد سمعة الإعلام ومكانته في المجتمع.
لكن دعونا لا نخدع أنفسنا؛ الإعلام الحقيقي لا ينخدع بالبهرجة، ولا ينساق وراء الأوهام، فـ هناك من يعرفون جيدًا كيف يُفرقون بين الجوهر والقشور، وكيف يُسلطون الضوء على كل زاوية مظلمة، ليكشفوا ما يحاول البعض إخفاءه، فـ الصحافة ليست تجارة، والإعلام ليس سوقًا لبيع المبادئ، ولن يكون أداةً في يد من يسعون لتجميل وجه قبيح أو إخفاء فساد فاضح.
رسالتنا إلى كل من يعتقد أن بإمكانه العبث بهذه المهنة المقدسة، اعلموا أنكم لا تخدعون إلا أنفسكم، والتاريخ لا يرحم، والضمائر الحية لا تنسى، وستظل أصوات الإعلام الحر ترصد وتحاسب، وسيأتي يوم يُكشف فيه المستور، مهما تفنّنتم في تغليفه، فنحن ومهنتنا لسنا وسائل لـ التلاعب أو غطاءً للفساد، صدقوني أنتم عار على هذه المهنة، والصحفيون الأحرار لن يصمتوا طويلا على تشويه هذه الرسالة السامية، وسينتهي بكم المطاف إلى حيث ينتمي فسادكم "مزبلة التاريخ".