حادث الرابية والإرهاب الجنائي
فايز شبيكات الدعجه
ما إن سمعت بنبأ الاعتداء على دورية النجده في ضاحية الرابية من قبل مجرم جنائي صاحب اسبقيات في قضايا المخدرات ومختلف أنواع الجرائم، ما إن سمعت النبأ حتى عادت بي الذاكرة لحكاية ذلك الواعظ الذي عمل مديرا إداريا في متجر كبير فور إحالته إلى التقاعد فبادر إلى سرقة زجاجة وسكي وأهداها لمديرة السابق في المؤسسة التي تقاعد منها، وبعد أن سلم على عطوفته حمد الله وأثنى عليه وأخبره بتسلم وظيفته الجديده، ثم طلب منه تكليف المراسل بنقل زجاجة المنكر من سيارته إلى سيارة عطوفته.
سعد صاحب العطوفة بهذا الأهداء الثمين، لكنه سأل، لماذا لم ينقلها هو، فغضب الواعظ وأخذ يردد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أنا لا ألمس الخمر انا لا ألمس الخمر، عاد العطوفة وسأله كيف احضرتها أذن؟ . فرد عليه بأنه عندما قرر سرقتها وتقديمها له كهدية طلب من أحد موظفيه تناولها من الرف ووضعها في السيارة، ولم يلمس بيده ام الخبائث بحمد الله.
ربما تكون حكاية مجرم الرابية نسخة طبق الأصل عن حكاية واعظ الخمر، وبهذا المعنى لا يمكن إخراج حادث الاعتداء على طاقم دورية النجده عن إطاره الجنائي واعتباره حدثا جنائيا بحتا لا يقبل اي وصف أو مسميات سياسية أو تنظيمية على الإطلاق .
والواضح تماما أن الجاني قد أقدم على اقتراف الجريمة بدافع ذاتي، ذلك أن الجماعات الإرهابية لا تثق بالمجرمين الجنائيين، ولا تسعى لادماجهم في التنظيمات بالنظر لاختصاصهم الجنائى، وطباعهم المتقلبه وفق ميولهم النفسية المتجهة دائما صوب جرائم اللصوصية والمخدرات والبلطجه والجرائم الأخلاقية، ووقوعهم فريسة للوسواس الخناس الذي يدخلهم في انحراف عقائدي مفاجيء، فتطرأ على عقولهم أفكار مستجده تقنعهم ان العمل الانتحاري سيقذف بهم مباشرة إلى جنة الفاكهة الكثيرة والحور العين والظفر باللؤلؤ المكنون، وذلك لأسباب من الفهم الخاطى لبعض النصوص الدينية والجهل بحقيقة مفهوم الجهاد ومعنى الاستشهاد وأثرة في مرحلة ما بعد الموت.
لكن المستجد في مسألة العمليات الإرهابية الأخيرة هو تلك الصفة الفردية، وعدم ارتباط الجناه بأية جهة أو تنظيم، ووقوعهم بالوهم تحت تأثير تقافر الأفكار فيعتقد الجاني ويفكر ويخطط وينفذ لوحده بعقلية قاصرة، فيفشل في أول خطوة من خطوات التنفيذ ويلقى مصرعه على الفور.
لقد نجحت الاستراتيجية الوطنية في الحفاظ على أمن المملكة وأحكام السيطره على التنظيمات الإرهابية، لكننا اليوم بحاجة للتوقف لأعادة صياغتها وتطويرها بما يتناسب مع فردية الإرهاب الجنائي حتى لا تتحول إلى ظاهرة بعد أن تكررت تباعا في سلسلة العمليات الاخيرة التي وقعت في الأغوار وحادث الرابية، ما يستوجب دراسة هذا النمط من التطرف الخارج عن السياق السياسي والتنظيمي.
ما يبعث على الاطمئنان أن إدانة الأردنيين للحادث كانت شاملة، ولم تكن محلا للجدل والخلاف، وكانوا على قلب رجل واحد، وأكد موقفهم الحرص على أمن الوطن والثقة بالأجهزة الأمنية والالتفاف حول القيادة الهاشمية .