هل أصبح التحرش الإلكتروني متنفسا من احباطات الحياة

الدعجة: التحرش اللفظي حاجة نفسية لإثبات الذات لدى الذكور

البطوش: حماية الأطفال من التحرش مسؤولية الآباء والأمهات

الأنباط- مي الكردي

يواجه العديد من المنضمين إلى بيئة الألعاب الإلكترونية تهديدات عدة يتقدمها ظاهرة التحرش الإلكتروني التي بات من الصعب وضع حدود رقابية صارمة لها في ظل التوسع العملاق للبيئة الإلكترونية الحاضنة لها، وتقع على الاهل المسؤولية الأولى في مواجهة هذه الظاهرة التي تسبب ب فجوات نفسية عميقة بين الأُسر، فما هي مكامن ظاهرة التحرش الإلكتروني وكيف نتعامل معها ؟

ويرى الخبير الأمني بشير الدعجة ، أن أسباب التحرش اللفظي عبر الإنترنت قد تكون معقدة ومتعددة بين اللاعبين، بحيث تشمل عوامل نفسية واجتماعية وتقنية، مفسرًا النفسية إلى حاجة اللاعبين للتحرش اللفظي كوسيلة لإثبات الذات وتعويض شعورهم بالنقص نتيجة إحباطات يواجهونها في حياتهم، إذ أن فضاء الإنترنت يوفر بيئة مغلقة لهم خاصة الألعاب التي تعتمد على التفاعل المباشر بين اللاعبين ما يخلق جوًا من المجهولية يتيح لهم التعبير عن مشاعرهم السلبية بطرق مخلة، مبينًا أن بعضهم يعتمد التحرش اللفظي ك أداة لتشتيت تركيز الخصوم داخل اللعبة وإضعافهم، بحيث يسعى بعضهم إلى بناء سلطة زائفة واستعراضية للقوة أمام الجمهور، والذي بدوره يجعل التحرش اللفظي شائعًا في الأوساط الرقمية نتيجة قلة القيود الرقابية.

وأوضح أن السبب الرئيسي لتعرض الفتيات بشكل خاص إلى تحرش لفظي داخل الفضاء الرقمي، هو هيمنة الذكور على بيئة الألعاب الإلكترونية التي ارتبط بها تاريخيًا منذ نشأتها ما شكل حكرًا ذكوريًا عليها، إذ يدفع اللاعبين لمقاومة دخول الفتيات إلى هذه البيئة باعتبارهن تهديدًا لهويتهم، حيث ينظر لهن كمنافسات ضعيفات ما يستدعي استهدافهن بتعليقات وممارسات تتسم بالتقليل من شأنهن، مشيرًا إلى أن هذا الخلل في البيئة الرقمية يعود إلى عدم وضوح سياسات الحماية داخل الألعاب، ما يسهم في انتشار الظاهرة ويجعلهن عرضة لتجارب مؤذية ومتكررة في بعض الأحيان.

وأكد الدعجة على ضرورة الحد من هذه الظاهرة وتقليصها بتطبيق سياسات صارمة تتعلق بالأخلاقيات الرقمية داخل الألعاب حيث يجب على الشركات المطورة لها الالتزام بتوفير أدوات رقابية وإشرافية فعالة مثل أنظمة التنبيه التلقائية التي تقوم برصد التعليقات المسيئة والتنبيه عليها أو حظر المسيئين، علاوة على وجود أنظمة تفعيل التعرف على النصوص والأصوات المسيئة بشكل أوتوماتيكي، لافتًا على أهمية تعزيز التعاون مع الجهات القانونية والمؤسسات الحقوقية لحماية الفئات المستهدفة وإيجاد آليات للإبلاغ الفوري والآمن عن الانتهاكات التي تحدث، مضيفًا أن الحملات التثقيفية والتوعوية تلعب دورًا كبيرًا في الحد من التحرش الإلكتروني سواء كانت من خلال منصات الألعاب أو عبر البرامج التعليمية التي تُعرّف اللاعبين بحقوقهم وحقوق الآخرين، وتحث على تبني سلوكيات محترمة ومسؤولة.

 

وأشار إلى أن هنالك تفاوتًا واضحًا بالرقابة الفعلية على هذه الظواهر داخل الألعاب بين الشركات المطورة، بحيث تولي الشركات الكبيرة اهتمامًا أكبر لسلامة اللاعبين ولديها فرق خاصة لرصد وتقييم التجاوزات في حين تتسم بعض الألعاب بالتهاون بتطبيق الرقابة التي غالبًا ما تكون غير كافية وتعتمد أساليب تقليدية والذي بدوره يجعلها أقل فاعلية في التصدي للتحرش اللفظي مقارنة بمدى سرعة انتشار هذه الممارسات وتفاقهما، موجهًا إلى أن آلية تحسين الرقابة يتطلب تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في رصد التجاوزات وإحداث قفزة نوعية في التعامل معها، إضافة إلى ذلك السعي إلى خلق بيئة تعاون بين المنصات المختلفة لتبادل الخبرات والمعايير وتطبيق إجراءات متكاملة تقف بوجه الظواهر السلبية داخل الفضاء الرقمي.

 

من جانبها، قالت الاستشارية النفسية الأسرية والتربوية حنين البطوش، أن التحرش الإلكتروني يتخذ أشكالاً متنوعة داخل وسائل الاتصال الإلكتروني مثل الألعاب وشبكات التواصل الاجتماعية، حيثُ تشمل الإساءات اللفظية كالتهديد والشتم والتحرش الجنسي الذي يتضمن التعليقات ذات الطبيعة الجنسية والطلبات غير اللائقة والابتزاز ونشر الإشاعات بهدف إلحاق الأذى النفسي.

 

وأوضحت أن هذه السلوكيات تترك تأثيرات نفسية واجتماعية سلبية عميقة على الفتيات والشباب والأطفال، حيث يرتبط التحرش من خلال الألعاب بالشعور بالوحدة والاكتئاب وتراجع المهارات الاجتماعية ما يؤدي إلى تدمير الثقة بالنفس ومضاعفة الشعور بالخجل والخوف من التفاعل مع الآخرين في حين قد تتضاعف هذه الحالات إلى الاكتئاب والقلق الشديدين ويصبح الضحية أكثر انطواءً ويجد صعوبة في بناء علاقات صحية، مبينةً أن التحرش يؤثر على الصعيد السلوكي ما يؤدي إلى عدم تركيز الضحية في الدراسة وتدني أدائه الأكاديمي وعلى الصعيد الجسدي والصحي فيؤدي الإقبال الكبير على الألعاب إلى قلة الحركة مما يزيد من خطر الإصابة بالسمنة وأمراض أخرى ،إذ أن التعرض المستمر للشاشات يؤثر سلبًا على البصر ويسبب اضطرابات في النوم نتيجة الإضاءة الزرقاء المنبعثة منها.

 

وأشارت، إلى أن شاشات الأجهزة الإلكترونية تشكل سجنًا يُحبس الأطفال والمراهقين فيه ساعات طويلة، إذ تستهويهم الألعاب والإعلانات والرسوم المتحركة بشكل كبير، ما يبعدهم عن العالم الحقيقي ويؤثر سلبًا على نموهم العقلي والاجتماعي، موضحةً أن التركيز الزائد على المحفزات البصرية والصوتية يضعف قدرة الطفل على التركيز والانتباه.

وبينت أن بيئة الألعاب الإلكترونية تشهد انتشارًا ملحوظًا للتحرش موعزةً ذلك إلى سماحية العالم الافتراضي الذي يمنح المتحرشين شعورًا بالحصانة ما يجعلهم يعتقدون أنه بإمكانهم التصرف بلا عقاب لسهولة الوصول الى الألعاب والتفاعل مع اللاعبين ما يزيد من حدوث هذه الظواهر، لافتة إلى أن اللاعبين يلجأون إلى التحرش كوسيلة للتنفيس عن غضبهم وإحباطهم الناتج عن عوامل مختلفة في حياتهم اليومية.

 

وتابعت البطوش، أن بيئة الألعاب توفر للاعبين خاصية إخفاء هويتهم الحقيقية ما يشجعهم على سلوكيات أكثر جرأة وعدوانية، حيث يساهم التمييز على أساس الجندر والصور النمطية السلبية للمرأة في زيادة حالات التحرش في الألعاب فيما تختلف نسبة التحرش من لعبة إلى أخرى التي تزداد في الألعاب الأكثر تنافسية، مشددةً على أن غياب الرقابة من قبل الأهل والمؤسسات التعليمية وشركات الألعاب يساهم بدوره في تفاقم المشكلة ما يجعل المراهقين أكثر عرضة للتعرض للتحرش اللفظي أو الجسدي، وتكوين علاقات غير صحية، والإدمان على الألعاب، والتأثر بسلوكيات عنيفة.

ودعت إلى مواجهة هذه التحديات بالتركيز على محورين أولها توعية المراهقين بخطورة التحرش الإلكتروني وكيفية التعامل معه ومراقبة الأهل لأنشطة أبنائهم على الإنترنت، فيما يرتكز الثاني على تطوير الشركات أدوات حماية أكثر فعالية يسهُل من خلالها الإبلاغ عن حالات التحرش، موضحةً أن الأمر يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الأسرة والمدرسة والحكومة والمؤسسات المعنية لتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم التحرش وبناء بيئة آمنة لجميع اللاعبين، والحث على عدم التعاطي مع الرسائل المسيئة ومشاركة المعلومات الشخصية والبحث عن الدعم من المقربين خاصة الأم، والعمل على توثيق الأدلة والإبلاغ عن الحوادث للسلطات المختصة.

وأكدت ، على المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الاهل في حماية أبنائهم من هذه المخاطر عبر التوعية بمخاطر الألعاب وتوجيه أبنائهم نحو الاستخدام الآمن، معتبرةً ان الآباء والأمهات هم الخط الامامي في حماية الأبناء من التحرش الإلكتروني، حيث يتعدى دور الأهل في السماح أو المنع بممارسة هذه الألعاب التي تتطلب توعية الأبناء بمخاطر العالم الرقمي، اذ يتطلب الامر نوع من مراقبة الوقت الذي يقضيه الأبناء في اللعب مع التأكد من ملاءمة المحتوى لعمرهم، موجهةً الى أهمية تشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الرياضة والاجتماعية وقضاء وقت اكبر مع العائلة بعيدًا عن الشاشات الالكترونية وتعليمهم كيفية التعامل مع هذه التحديات التي قد يوجهونها في هذا العالم الافتراضي .

ونوهت الى ان الحل يكمن في ايدي الوالدين في تجنيب أولادهم في الوصول الى تلك الظواهر المخلة الناتجة عن الأجهزة والألعاب الإلكترونية، بحيث من الممكن ان يملؤوا أوقات أولادهم بحفظ القرآن الكريم والتعاليم الدينية وزيارة الأرحام وتعلم العلوم النافعة والقيام بالنشاطات الرياضيّة.