الهجرة ...
الهجرة ...
نسمع عن القصص الناجحة، ولكننا لا نسمع عن القصص الفاشلة شيئا، فبعض الأشياء ضجيجها مرتفع جدا، وبعضها الأخر يمر بلا صوت، فمن يتكلم عن شاب قتل برصاصة غادرة، ستجده خبر في زاوية منسية، ولكنه حسرة وألم لأم مكلومة، أو في محاولة عبور فاشلة، وقع بعدها ضحية عصابات تبتز الأهل والأصدقاء، وتجبرهم على دفع مبالغ خيالية، ومن يتلكم عن مدمن أو مسجون، او ضائع في بحور النسيان.
وكل المشاريع الضائعة والأعمال التافهة التي يقوم بها الشباب في الهجرة، مع قدسية العمل وإحترامه مهما كان فالعمل عمل، ولكن هل يأتي أحد على ذكر هذه الأشياء، أم هي الأخرى ضائعة في بحور النسيان. نعم هناك قصص ناجحة، وهناك إنجازات بارعة، فهذا قد صنع الملايين، وذلك حاز جائزة نوبل في توجيه صواريخ الغرب إلى الإنسان من ينكر ذلك. لكن الكثير منهم ضاع في بحور الأشياء وزخم الحياة المدنية التافهة، وفي الحقيقة يعد انجازه متواضعا، وأصبح سلعة تسعى إلى سلعة وضاع في التشيؤ والمادية والعلمانية، كما يقول المسيري عن رحلته في الغرب، هل بقي من ذلك الإنسان الذي هاجر شيء، أم أنه ضاع في زحمة الوقت والسعي وراء السلع.
طبعا لا أضع اللوم كله على من هاجر، فالكثير منهم لم يجد طريقا إلا الهجرة، فلا فرصة ولا علم ولا عمل، وبعضهم حاربته السياسة أو هو إستفزها فنبذته. كم أضاع الإنسان في الهجرة إنسانا، وسعى في البحث عن النفس والتعبير والبناء والتعلم، فحصل على شيئ نعم، ولكنه خسر في المقابل الكثير من كل شيء، وخسر بعض هؤلاء نفسه وأهله، واصبح هناك في ذلك العالم من الأشياء. خسر إنسانيته وإنتماءه ووطنيته وكسب جنسية ما نعم، ظن أنها تعطيه الحضارة والحرية والقوة ليقول كل شيء، ولكن أتضح أن كل شيء، هو فقط ذلك الشيء الذي قالوا له أنه كل شيء. وفي لحظة تصبح هذه المحظورات هي كل شيء تسعى خلفه.
وفي الوطن من حارب الكلمة والعمل والفرصة، وأضاع على الوطن مشاريع، اضاعت فرص وإستثمارا وعملا، وقبل كل شيء اضاعت وطن ومواطنا وإنسان، كان من الممكن أن يكون هذا مبدعا، طبيبا او مهندسا او مزارعا او صانعا او رجل أعمال.
من حارب الفرصة في الوطن، وقضى على أبواب العمل لإجل طمع او حسد او كسل، فقد حارب الوطن، لقد خسر الوطن الكثير من الفرص القائمة والمتوقعة بسبب الإنسان، وخسر الإنسان وطن، وخسر الوطن انسان. ذلك الإنسان الذي لم يرى سوى نفسه وطمعه وحسده، فسد الباب على أصحاب الفرص حسدا أو طمعا أو جهلا، ولكن بالنسبة للأوطان فالجهل والكسل والطمع والفساد والخيانة سواء .
فقد حاربت الوطن، وساهمت في خروج الإنسان من الوطن، ان ضياع الفرص وعدم قيام المشاريع والاعمال هو ضياع لفرصة الإنسان من البقاء في الوطن. وهاجر بعدها الإنسان، ربما لأجل ذلك أقول بإن بناء الإنسان هو في حقيقة بناء للوطن. ما الذي يدفع الشباب تحديدا للهجرة هل هي السياسة أم الإقتصاد أم كلاهما، البعض دفعته الكلمة والموقف، والبعض الأخر دفعته اللقمة والفرصة والبحث عن الأفضل، وقد وجد البعض ضالتهم، وتاه الأخر ولم يعرف كيف يعود .
وبعد ان نغرق نبدأ بالبحث عن الناقص، وفي الجمع والطرح دائما ما نلتفت إلى الناقص، ويبقى الحنين هو ذلك الصوت الحزين الذي يشعله ناي الراعي او قيثارة الحزين او صوت فيروز او عود وصوت سمعه، قالوا في الأسفار وقالوا في الهجرة أشعار، ولكن حنين المهاجر كان دائما أقوى من كل الأصوات، صوت حزين فيه حنين وألم وضياع وحسرة وفراق.
إبراهيم أبو حويله