النصرة والوعي ...
التنزه من البول والطهارة ضرورة لصحة الصلاة والعبادات، وهو ليس له علاقة من قريب او بعيد بنصرة اخيك المسلم والإنسان المستضعف مهما كانت ديانته، كما حدث مع عمر رضي الله عنه قي قصة القبطي.
وهنا كل قادر على دفع الظلم وايقافه عليه المساهمة في دفعه ونعم سيسأل لماذا تقاعس عن نصرة المظلوم. أساس دعوة الأنبياء هو إعادة البشر إلى خالقهم .
كم عالم وداعية ومسلم رباني أخرج الإسلام من دور العبادة ومقار الحركات والدعوات إلى المجتمع الى الحياة إلى المعاملات إلى الأسواق، وأحياه هناك وجعله منهج ودستور حياة يسير به في الناس، ولا أزعم بأن شخصا هنا او شخصا هناك نجح في ذلك.
النصر والهزيمة هو في الحقيقة طريق طويل يبدأ بإعداد الأمة لتتفاعل مع قضاياها المصيرية بطريقة تحقق الإيجابية، وأهداف تساهم في إحباط مخططات اعداء الأمة وفي تقويضها وتقويض اركانها. ما نجح اليهود ولا غيرهم في النيل من الأمة إلا في زمن تخلفت فيه الأمة والقيم والأخلاق وغاب الوعي عنها، فأصبح كل واحد منهم هو ذات مستقلة، هذه الذات المستقلة والبحث عن نجاة النفس يورد الأمة في المهالك ولا يحقق النجاة للفرد، فنحن سنحاسب فرادى نعم، ولكن على منهج اصولي واضح ومقاصد أكثر وضوحا، ولكن التضليل يأتي من الرؤية الفردية للشربعة، وهذا الدين جاء بهدف اخراج الناس من الظلمات إلى النور.
ويُجمع علماء الإجتماع من إبن خلدون إلى يومنا هذا بأنه عندما يصبح عالم الأشياء مقدما على مفهوم الجماعة كجماعة والحرص على مصالحها وبقائها ، وعندما لا يصبح مفهوم الجماعة مقدما على مفهوم الأفكار تلك الأفكار التي تساهم في خلق القيم والوعي وتصنع الإنسان الحضاري عندها تصبح الأمة في خطر .الإنسان الصحابي، نعم ذلك الإنسان الذي تجرد من جاهليته وعاداته ومفاهيمه، واستطاع صياغة نفسه صياغة مختلفة ليخلق هذا الذات المختلفة إختلافا مطلقا عن كل صور الأخرى الموجودة في بيئته .
وهذه الخراف الضالة التي تاهت بلا مرشد ولا دليل ما أحوجها للنبع الصافي العذب الزلال الذي يروي ضمأها ويشفى سقمها وعذاباتها. البعض يتساءل لم نتعب أنفسنا في صناعة الوعي، لأنه ببساطة الفرق هو في هذه الصناعة، ربما يختلف الوعي بإختلاف القيم والعادات والأخلاق والأفكار المطروحة في المجتمع.
ولكن العقل الجمعي هو في النتيجة، نتيجة جهود سابقة في العلم والعمل والتربية، لن يكون بمعزل عن هذه الجهود فهي التي تحدد إتجاهات القوى في هذا المجتمع وإلى أين تسير.
كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم على كل إنسان منّا ان يحرر نفسه من فردانيتها ليعيد صياغتها تلك الصياغة التي تتفق مع المنهج الجديد، نعم كان هناك المعلم صل الله عليه وسلم موجودا وكان صمام أمان في تحقيق هذه المفاهيم ، وكان يضرب بقوة على كل تلك المفاهيم التي لا تتفق مع المنهج الجديد ، ( إنك إمرؤ فيك جاهية ، لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في معروف ، إنك ضعيف وإنها أمانة ).
لأنه مشرع ويدرك تماما كيفية صياغة الإنسان تلك الصياغة التي تساهم في بناء الحضارة. فهذه الشخصية لا مكان فيها لعصبية ولا لآبائية ولا تتلقى أوامرها إلا بعد عرض هذا الأمر على المنهج الذي بين يديها، فإن كان موافقا قبلته وإلا رفضته ، ومع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب سواء كان عالم يأخذ منه او قائدا.
مواقف الصحابة كانت كأنها تصدر من مشكاة واحدة وتصب في مكان واحد إلا في مواقف فردية، هل كانت بسبب الوعي أو بسبب الشخصية أو بأسباب أخرى، وكأن المقاصد والأصول لهذه الدعوة ولهذه الشريعة كانت مساقا إلزاميا لهم، فلن تجد فتوى من قبيل فتوى التبرأ من البول تسأل عنها، ولن تسأل عن ترك أخيك تأكله اراذل البشر وسفلتهم، وهم يناصرون بعضهم على ظلم ويضحون في سبيل باطل، في وقت يقف المسلم متفرجا، بل كانت النصرة ووحدة الصف هي الأساس، وكانت سببا في هذا الفهم ووحدة الوعي والقرار لديهم.
وتقف بعد ذلك مع علماء الأمة ومحاولتهم الجادة في فهم هذا المنهج وتحليلة وسبر أغواره والوقوف على أسباب القوة فيه، البعض نجح كغزالي المحدث وابن عاشور وعمر المختار ومالك بن نبي، والأخر سقط سقوطا موديا تماما كصاحب البول.
لا بد من الوعي حتى نعيد ذلك الجيل من جديد إلى ما كان عليه .
ولكن هل من الممكن أن ننجح؟
ابراهيم أبو حويله...