وزارة الكفاءة الأمريكية وتصفير البيروقراطية
صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية
في ظل موجة تعيينات جديدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطوة جريئة بتكليف "إيلون ماسك"، أغنى رجل في العالم، ورجل الأعمال "فيفيك راماسوامي" بقيادة وزارة جديدة تُعنى بـ"الكفاءة الحكومية"، وتهدف إلى خفض الهدر وتحقيق إدارة حكومية أكثر كفاءة. الكفاءة تعني تحقيق الأهداف بأقل قدر من الموارد والجهد والوقت، مع التركيز على تقليل الهدر وتحسين الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، مما يعكس الحرص على تقديم خدمات حكومية بأعلى جودة وأقل تكلفة، وضمان عمل العمليات والإجراءات الحكومية بأقصى قدر من الإنتاجية. مثال ذلك يتجلى في استخدام التكنولوجيا لتبسيط المعاملات الحكومية، مما يخفض من الوقت والتكاليف، ويعزز من رضا المواطنين والمتعاملين.
ويأتي هذا القرار كجزء من رؤية طموحة لتفكيك البيروقراطية، تقليص الإجراءات التنظيمية المفرطة، وخفض الإنفاق العام، وهو ما وصفه ترامب بأنه مشروع يعادل "مشروع مانهاتن" في عصرنا، دلالة على مستوى التحدي والطموح المطلوب لتحقيق هذا الهدف. على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته الولايات المتحدة على مر العقود، يعترف رئيسها بأن الحكومة باتت مثقلة بالكثير من البيروقراطية المعيقة التي تعرقل "كفاءة العمل الحكومي"، وتؤدي إلى تعقيد الإجراءات وتأخير الخدمات. ولهذا، تسعى القيادة الأمريكية إلى تفكيك هذه الهياكل التقليدية، وتأسيس حكومة "رشيقة" تتسم "بالكفاءة والفاعلية" تخدم المواطن بسرعة وتميز، مما يعكس أهمية التغيير لمواكبة تحديات العصر وتلبية تطلعات الشعب.
أوضح ترامب أن "هذين الأمريكيين الرائعين سيمهدان الطريق لإجراء تغييرات جوهرية في الهياكل الحكومية"، مع التركيز على إعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية وتحسين الكفاءة. وأكد أن الوزارة الجديدة ستعمل من خارج إطار الحكومة التقليدي، مما يعكس مفهوماً جديداً لحكومات المستقبل الرشيقة، ويُبرز المرونة والطابع غير التقليدي "المبتكر" لهذه المبادرة.
وفي السياق نفسه، لا يمكن تجاهل أن دولة الإمارات كانت سبّاقة في هذه الإصلاحات من خلال إطلاق برنامج "تصفير البيروقراطية في العمل الحكومي" وتطبيق مفهوم "الحكومات الرشيقة". وقد جرى تعديل الهياكل الحكومية لتصبح أكثر مرونة ورشاقة، مع مراجعة القوانين والأنظمة وإزالة العوائق منها، بحيث تواكب حكومات المستقبل. يمثل هذا البرنامج نقلة نوعية نحو تحديث الأطر الإدارية والتنظيمية ورفع مستويات الكفاءة. وتهدف المبادرة إلى تبسيط الإجراءات الحكومية، إلغاء الاشتراطات غير الضرورية، وتعزيز استخدام التكنولوجيا في تقديم الخدمات، مما يعزز ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية ويزيد من رضاهم.
ويستند هذا النهج الإماراتي إلى رؤية القيادة الرشيدة التي تسعى لتسهيل حياة المواطنين من خلال تقديم خدمات على مدار الساعة بمرونة وكفاءة. هذا النهج يعكس الالتزام بتطبيق الوصايا العشر التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للمسؤولين، لتشجيع الابتكار وتجنب التعقيد في الإدارة الحكومية.
إن إصلاح البيروقراطية، سواء في الولايات المتحدة أو الإمارات، يمثل تحدياً دائماً في ظل تعقيد الأنظمة الحكومية وحجمها. ومع التقدم التكنولوجي السريع، أصبحت الحاجة ملحة لتقليل البيروقراطية، تبسيط الإجراءات، وزيادة الشفافية. وتُعد تجربة الإمارات نموذجاً يُحتذى به عالمياً في تحقيق الكفاءة الحكومية من خلال تقنيات مبتكرة وسياسات تركز على المواطن.
الطريق إلى تصفير البيروقراطية طويل، لكن التجربة الإماراتية تثبت أنه حلم قابل للتحقيق، وضرورة تضمن استدامة الخدمات الحكومية وتحسين حياة الجميع. نحن بحاجة إلى حكومات تركز على "كيف" تُستخدم الموارد لتحقيق الأهداف بأقل تكلفة وأكبر إنتاجية، مع ضمان "ماذا" تحقق من نتائج ملموسة، ومدى استجابتها لاحتياجات المجتمع. ولتحقيق النجاح، يجب التوازن بين الكفاءة في التنفيذ والفاعلية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تلامس حياة المواطنين وتعزز ثقتهم بالمؤسسات الحكومية.