مخاطر عمالة الأطفال في الزراعة الأردنية .. تحديات صحية وتعليمية وسط غياب الوعي والتطبيق الفعّال للقوانين

درويش: الزراعة من أكثر القطاعات التي تركز عليها الوزارة في التفتيش

 
ابو نقطة: ضرورة وضع تشريعات لحماية الأطفال وتوفير فرص عمل لذويهم

 
ساري: طبيعة العمل التي يتعرض لها الأطفال قد تشكل خطرا نفسيا أو بدنيا وقد تضر بالأطفال اجتماعيا أو أخلاقيا

 
الأنباط – رزان السيد

 
كشف تقرير حديث حول "مخاطر عمالة الأطفال في القطاع الزراعي في الأردن" أن هذا القطاع يعد ثاني أكبر مصدر لعمالة الأطفال في البلاد، حيث يشكل 27.5% من إجمالي عدد الأطفال العاملين في الأردن.
 
وأشار التقرير إلى وجود فجوات كبيرة في الوعي بحقوق عمل الأطفال، وكذلك في الالتزام بالقوانين المتعلقة بها، فضلا عن ضعف هياكل الدعم المتاحة، موضحا أن الوعي بحقوق عمل الأطفال لا يزال منخفضاً مقارنة بالوعي بحقوق الطفل بشكل عام، حيث لا يعرف سوى 21% من الأطفال و50% من الآباء و46% من الموظفين حقوق عمل الأطفال، كما لوحظت اختلافات كبيرة في مستوى الوعي بين المناطق المختلفة، خاصة في البلقاء ومادبا.
 
كما بين التقرير أن الأطفال العاملين في القطاع الزراعي يتعرضون لظروف عمل خطرة، تشمل التعامل مع الآلات الخطرة، التعرض للمبيدات الحشرية الضارة، وأداء مهام بدنية شاقة قد تؤدي إلى إصابات جسدية أو مشاكل صحية مزمنة، وأن هذه الظروف تجعل القطاع الزراعي بيئة محفوفة بالمخاطر للأطفال الذين لا يزالون في مراحل نموهم.
 
ووفقاً للتقرير، يعمل العديد من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً لساعات طويلة، حيث يعمل 51% منهم بين خمس إلى ثماني ساعات يومياً، بينما يعتبر العمل في عطلات نهاية الأسبوع أمراً شائعاً، كما أن توفير معدات الحماية والتدريب على السلامة غير كافٍ، إذ لا يتلقى سوى 22% من الأطفال العاملين تدريباً على السلامة، كما أن ضعف إنفاذ قوانين العمل، ونقص الإشراف والموارد المتاحة للتفتيش، يسهم في تفشي ظاهرة عدم الامتثال للقوانين.
 
من جهة أخرى، يواجه الأطفال العاملون في الزراعة تحديات صحية ونفسية كبيرة، بما في ذلك المخاطر الناجمة عن التعرض للمواد الخطرة، والمتطلبات البدنية القاسية، فضلاً عن مشاكل نفسية مثل التوتر والعزلة والاكتئاب، كما يسهم العمل في تعطيل التعليم، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب من المدارس، مما يزيد من التأثيرات السلبية على نموهم وفرصهم المستقبلية.
 
 
وأشار التقرير إلى أن أنظمة الدعم والتدخلات للأطفال العاملين في القطاع الزراعي لا تزال غير كافية، مع وجود نقص ملحوظ في الوعي بالبرامج والخدمات المتاحة، خاصة في المناطق النائية، ورغم وجود بعض المبادرات الناجحة التي تنفذها المنظمات المحلية والدولية، إلا أن نطاق هذه المبادرات يظل محدوداً وغالباً ما يكون غير مستدام.
 
ودعا التقرير إلى ضرورة اتخاذ سياسات شاملة وتدخلات عملية للحد من عمل الأطفال في القطاع الزراعي، وتعزيز الوعي بحقوقهم، وتحسين ظروف العمل، لضمان حماية حقوق الأطفال وتمكينهم من الحصول على التعليم والفرص المناسبة لنموهم الشخصي والمهني.
 
بدورها أكدت رئيسة قسم تفتيش عمل الأطفال ومتابعة الحضانات المؤسسية في وزارة العمل المهندسة هيفاء درويش، خلال حديثها مع "الأنباط"، أن الوزارة تولي اهتمامًا كبيرًا بقطاع الزراعة في إطار حملاتها التفتيشية لمكافحة عمل الأطفال وضمان تحسين ظروف العمل في هذا القطاع، وأوضحت درويش أن هذا القطاع يُعد من أكثر القطاعات التي تركز عليها الوزارة من خلال إجراء زيارات تفتيشية مكثفة، تهدف إلى التأكد من الالتزام بقانون العمل الذي يضم شروط وظروف العمل.
 
وأضافت أن حملات التفتيش التي تنظمها الوزارة تتركز في مواسم معينة، حيث تشهد بعض الفترات زيادة في حركة العمل الزراعي، وفي حال اكتشاف أي انتهاك لقانون العمل، يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين، والتي تشمل إما إنذار أو مخالفة تحول الى المحكمة.
 
كما أشارت درويش إلى أن الوزارة قد نفذت هذا العام عدة حملات تفتيشية على قطاع الزراعة بشكل خاص في شهري أيار وتشرين الأول، بالإضافة إلى حملات تفتيشية شملت مختلف القطاعات بما في ذلك الزراعة في شهري تموز وأيلول، وأكدت أن "اليوم العالمي للطفل" يصادف 20 من الشهر الحالي، حيث ستنظم الوزارة حملة توعوية تهدف إلى زيادة الوعي حول قضية عمل الأطفال والتأكيد على ضرورة حماية الأطفال من مخاطر بيئة العمل.
 
من خلال هذه الحملات والأنشطة المستمرة، تؤكد وزارة العمل التزامها الكامل بمحاربة ظاهرة عمل الأطفال وحمايتهم.

ومن جانب آخر، قال نقيب المهندسين الزراعيين الأردنيين، علي أبو نقطة، لـ"الأنباط"، إن عمالة الأطفال في قطاع الزراعة تشكل ما يقارب الـ 70% على مستوى العالم، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، مشيرًا إلى أن هذا القطاع لا بد أن يحتل المرتبة الأولى في قضايا عمالة الأطفال عالميًا.
 
وأوضح أبو نقطة، أن الأردن كدولة غير صناعية أو نفطية، يعتمد بشكل كبير على الزراعة، مما يجعل هذه النسب ليست بالغريبة، حيث يتوزع العمل الزراعي بين العديد من الأنشطة مثل الزراعة الأسرية، والمحاصيل الحقلية، والثروة النباتية، والمصائد السمكية.
 
وأشار أبو نقطة إلى أن قطاع الزراعة يوفر فرص عمل موسمية لا تتوفر في القطاعات الأخرى، مثل قطف الزيتون، وجني المحاصيل، وتربية الدواجن والأبقار، مما يتيح مجالًا أكبر لعمالة الأطفال الموسمية، كما أرجح ارتفاع نسبة عمالة الأطفال إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطن الأردني، قائلًا: "لو توفر لوالد هذا الطفل دخل يكفيه، لما اضطر للبحث عن عمل لأطفاله".
 
كما أكد أن الأعمال البسيطة والخفيفة التي لا تؤثر على صحة الأطفال أو تعيقهم عن الدراسة، تعتبر مفيدة لهم، حيث تساعد على زيادة انتمائهم وتراكم خبراتهم الحياتية، منوها إلى أن الأعمال الشاقة أو تلك التي تتضمن أجورًا ضئيلة أو تعرض الأطفال لمخاطر صحية، مثل استنشاق المبيدات الحشرية في الحقول، هي أعمال ضارة ويجب التصدي لها.
 
وشدد أبو نقطة على ضرورة سن تشريعات تحمي الأطفال من العمل في بيئات قد تضر بصحتهم أو تعليمهم، مشيرا الى ضرورة أن تتكفل الدولة بتوفير فرص عمل تضمن حياة كريمة للأسر، حتى لا تضطر لإرسال أطفالها للعمل في المزارع أو غيرها من القطاعات المهددة.
 
وفي سياق آخر، أكد دكتور علم اجتماع التواصل والإعلام، حلمي ساري، لـ "الأنباط"، أن عمل الأطفال يمثل تهديدا كبيرا على صحة الطفل وسلامته، مشيرا إلى أن هذا النوع من العمل يفرض على الأطفال أعباء ثقيلة تفوق قدرتهم الجسدية والعقلية، كما أوضح أن بعض أصحاب العمل، يستغلون ضعف الأطفال وعدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم، حيث يتم استخدامهم كعمالة رخيصة بدلًا من استخدام البالغين، دون أي اعتبار لحقهم في التعليم أو التنمية الشخصية.
 
وأوضح ساري أن العمل الذي يفرض على الأطفال لا يساهم في تنميتهم الشخصية أو الفكرية، بل يعيق تقدمهم ويغير مسار حياتهم المستقبلية، وأضاف أن المرحلة العمرية للمراهقة، التي يتطور فيها النمو الجسدي والعقلي بشكل كبير، تعتبر من أهم مراحل الحياة التي لا ينبغي أن تشغل بأعمال تؤثر سلبًا على الطفل، مشيرا الى أن طبيعة العمل التي يتعرض لها الأطفال قد تشكل خطرا نفسيا أو بدنيا، فضلا عن أنها قد تضر بالأطفال اجتماعيًا أو أخلاقيًا.
 
كما أشار إلى أن عمل لأطفال يؤثر بشكل كبير على دراستهم، حيث تحرمهم من الفرص التعليمية، وتدفعهم في بعض الأحيان إلى ترك المدرسة مبكرا، أو إرغامهم على الجمع بين العمل والدراسة بشكل مفرط، مما يؤثر على تحصيلهم العلمي وقدرتهم على الاستفادة من حقهم في التعليم.
 
وأكد ساري في ختام حديثه على أهمية تكثيف الجهود لمكافحة هذه الظاهرة، لضمان حماية حقوق الأطفال وتمكينهم من فرص التعليم والنمو السليم.